أقلام حرة

تاريخ الشعر القبائلي الأمازيغي

تاريخ الشعر الامازيغي القبائلي القديم والمعصر: يتنوال هذا الموضوع مفهوم الشعر في اللغة القبائلية، مكانة الشعر و الشاعر في الحقل الثقافي الأمازيغي،موضوعات الشعر القبائلي،لمحة عن تاريخ الانتاج الشعري الشفوي القبائلي،الشعر القبائلي في مرحلة الاستقلال وكذلك الشفوية في الشعر القبائلي المعاصر.

يحتل الشعر القبائلي مكانة واسعة ومرموقة في الحقل الثقافي الأمازيغي، نظرا للاهمية الاستراتيجية للشعر والكلام في المجتمع القبائلي ذي التقاليد الثقافية الشفهية وهذا منذ القدم فقد وصلتنا أخبار الأمازيغ القدماء الذين أبدعوا في فن الخطابة و خاصة (القديس دوناتوس الأكبر) الذي كان يحارب الاستبداد الذي مارسته الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على الأمازيغ وقد شجع هذا الخطاب المحمس لدوناتوس أن يقود تمردا شعبيا ضد الكنيسة الكاثوليكية واستمر الشعر عند الامازيغي عامة والقبائل خاصة في العصر الحديث ولم ينقص القبايل على العطاء الى يومنا هذا كما سنراه في الاسطر القادمة .
-1 مفهوم الشعر القبائلي:
وهي كلمة مشتقَّة من ” Asefru “,يطلق على الشعر في الّلغة القبائلية اسم “أسفرو”
والتي تعني: بيَّن و أَوضح ” Sefru “سفرو “1
ويرى ” جان عمروش”Jean Amrouche” في مقدنة كتابه (chants berbères de Kabylie)
أن الشاعر القبائلي هو ” صاحب موهبة الأسفرو، بمعنى أنه جعل ما ،ليس واضحًا، بيِّنًا و معقولا، سواء أكان “أمداح”، أو ” أفراح”…فهو يلعب دورًا اجتماعيًا معتبرا ، وله رسالة مهمة للإيصال، فهو من بين ذلك بعيد الشدو، و صاحب بصيرة..و هو من جوهرة الأنبياء”و قد أشار الشاعر يوسف أوقاسي في بيت له، إلى معنى الأسفرو  كشعرٍ، بقوله:
Cebbaγ w’ur nekkat uzzal شبهت من لا يضرب الحديد
Icmet wagus is حزامه قبيح
*Am-min isennden s-uffal  كالذي يستند إلى نبتة حلتيت
D win ay d letkal is و الذي هو اتكاله
Ne afsih deg lmital أو الفصيح في الأمثال
Ur nessefruy seg gixf is الذي لا يوضَّح من الأول

1 انظر،عدد خاص عن مولود معمري، العدد السادس، 1990 ؛ ص. 313 ،Awal مجلة

*يوسف أوقاسي، عاش بين أواخر القرن XVIII و بداية القرنXVII

2 M.mammeri, poèmes kabyles anciens; p.134

uffal* نوع من النبات يسمى الحلتيت، و هي نبتة هشة لا يتكل عليها؛ و البيت كناية عن ضعف العماد و السند.

 3 S.Boulifa, Recueil de poésies kabyles, Awal, paris, Alger, 1990; p.75. 21

وقد نوه سي محند أو محند أيضا عن معنى الأسفرو بقوله:

Tikkelt-a ad heggiγ asefru هذه المرة سأُحضِّر شعر

اW’εal lleh ad ilhu ، و أتمنى أن يكون حسنًا

Ad inadi deg lwedyat فيجوب أنحاء السهول                                                                      

و في قصيدة أخرى يقول :1
Bismilleh ar nebd’asefru بسم الله أبدأ الشعر
Ar elleh ad ilhu ، و على الله أتمنى عذوبته
Ar d inadi deg lwedyat كي يجوب أنحاء السهول
: و معناه القصيدة، عند الشاعر “لونيس آيت منڤلات” حيث يقول 2
Ufiγ-en ameeddah yetru وجدت المداح يبكي
Yesfehm-iyi-d acimi فأفهمني لماذا
Asefru-s yeddem-it wadu الريح أخذت قصيدته،
Ur yezri ahida yeγli ولم يدر أين سقطت
: كما يعني الأسفرو أيضا: الإيضاح والشرح, لقول الشاعر” لونيس آيت منڤلات” 3
Lmeεna-k truh iyi مدلولك غاب عّني
Tεedda nnig uqerru مرَّ على فكري
Ammi xas sfehm-iyi يا بني هلا أوضحت لي
Awal yehwag asefru فالقول يحتاج إلى إيضاح 4
فالشعر في الّلغة القبائلية يعني فرض منطق واضح وحكيم لإزالة الغموض والالتباس وجعل الأشياء في أماكنها الحقيقية , وفرز الخطأ من الصواب . “فالشعر إذن هو ممارسة اجتماعية ووسيلة معرفة وعقلنة المجال والمحيط” 5

الهوامش :
1 M.Mammer, Les isefra de si-mohand, Maspero, paris, 1982; p.108.
2 Tassadit Yacine, Ait menguellet chante, Bouchéne/Awal, Alger, 1990; p.251.
3 Ibid; p.229.
4 إن مغزى القصيدة يدور حول الحكم, فالابن يريد إيصال فكرته لوالده لكن الوالد لم يفهم الغرض, فكانت الأبيات طلبا للشرح.
5 Youssef. Nacib, Anthologie de la poésie Kabyle, Editions Andalouses, 1993; P.31.

2 مكانة الشعر والشاعر في الحقل الثقافي الأمازيغي:

 سلطة الشعر والكلمة:
عرف المجتمع القبائلي إنتاجًا شعريًا متنوِّعا، وقد إنقسم هذا الإنتاج إلى نوعين حسب تقسيم سالم شاكر هما :
أ- الأنواع الشعريةالّنبيلة“* 1: التي تتضمن شعر بعض المؤّلفين والإنتاجات شبه العلمية ذات الأصل الديني؛ فهذا النوع هو في الواقع حِكْر على أقّلية مثّقفة منImusnawen ، “إمسناون
وهي عبارة عن جمعية حقيقية من الأدباء يطغى عليها  عنصر الرجال.
ب- الّنتاجات “القروية“:  التي هي في الغالب مجهولة المؤلف، أو ربما هي لمؤّلفين لا تتجاوز شهرتهم ُتخوم القرية؛ فهذا النوع يشهد انتشارًا أكبر ويشكل أساس الثقافة بالنسبة إلى القبائلي المتوسط, وبخاصة في الوسط الّنسوي. فالفئة المتعّْلمة هي التي أعطت للكلمة و الشعر القبائلي دورا هامًا داخل الحقل الثقافي الأمازيغي، مما جعله نوعًا من الكتابة الشفهية؛ فالذي يتحكم في الكلمة والشعر، “يعد حاملا ومتحكِّمًا في الثقافة الشفهية القبائلية ” 2، وهذه الفئة المتحكِّمة في الّلغة القبائلية هي فئة “إمسناون”.
إن دور هذه الفئة يتجلَّى في تأويل وشرح الّتقاليد القبائلية وِفْق متطّلبات الفترة الّتاريخية وفهم الوضعية المعيشة حسب الّتقاليد، وجعل التقاليد أساس ممارسة الجماعة . فالمعرفة التي تتحكم فيها هذه الفئة هي معرفة علمِ وفن الممارسة، تلك الممارسة التي تحيي وُتثري معرفتهم. ويمّثل هذا الّتحكم أحد مراكز تحديد هوية الجماعة القبائلية، نظرًا لاحتلال الكلمة والشعر موقعًا مركزيًا وقياديًا في المجتمع القبائلي وفي فئة “إمسناون”.

1 C.R.A.P.E.litturature orale actes de la table ronde, juin سالم شاكر, البنى الشكلية للشعر, ترجمة محمد يحياتن, صدرت هذه الدراسة ضمن 1979:O.P.U. Alger, 1982; P.95.

* بمعزل عن أحكام القيمة التي هي ذاتية، يجب علينا التوضيح في إطار الملاحظة العلمية الصرفة، مِن أن هذا التقسيم يفترض النبل و الوضاعة.

Imusnawen بعبارة “جمعية حقيقية من الأدباء”، تختلف عن ترجمة مولود معمري لها، حيث أن ترجمته لها هي” الحكماء” أو” أهل الحكمة”،

 * إن ترجمة محمد يحياتن لكلمة و هي الأكثر شيوعًا..

2 Tassadit Yacine, Poésie berbère et identité, Bouchène/Awal, Alger, 1990; P.152.

فالعلاقة الجدلية بين الشعر والمعرفة ، تظهر بوضوح في تحكم تلك الفئة في الشِّعر، واستعماله أثناء التجمعات العادية لهم في القرية مع أهله . فتدعيم رأيهم بشعر سي محند أومحند أو شعر سليمان عازم، أو آيت منڤلات أو غيرهم من الشعراء …يعطي سلطة رمزية وثقلا كبيرًا لدى الفئة وآرائها.
فالشاعر، يكتسب مركزًا ودورًا هامًا في المجتمع القبائلي؛ مثل الذي حضي به الشاعر يوسف أُوقاسي ، “حيث كان يتمّتع بحرية مطلقة، سواء في الّتنقل أو الرأي، عبر مختلف أنحاء القبائل ، حتى المتعادية مع قبيلته، فكان تحت حماية قبيلة “آث ينِّي “، مقابل عدم الّتعرض لهم بشعره” 1
من هنا نفهم بوضوح ، أن الشاعر هو منتج الصور حول الجماعة القبائلية، وأحد دعائم شخصيتهم ، باعتباره محددًا لهويتهم , الدور الذي يدعم موقعه في مركز الجماعة وسيطرته الرمزية، “خاصة وأن البعض منهم يربط امتلاكه للقدرة الإبداعية الشعرية باستلهامٍ روحي وغيبي آتٍ من الوحي… حّتى  عدَّ من الصالحين والمقدسين” 2
-03 موضوعات الشعر القبائلي*:
من الصعب جد ًا تصنيف الشعر القبائلي، وهذا راجع لتداخل الأشكال الشعرية؛ وصعوبة الّتصنيف تكمن في عدم انعكاس كل المقولات الشعرية المكتوبة لخصوصية الحقل الشعري الأمازيغي , بِغَضِّ الّنظر عما تقدِّمه لنا من فائدة الاستشهاد بها من زاوية بيداغوجية معرفية. و لهذا فإّننا نكتفي هنا بذكر أهم الأصناف السائدة.

1 Y. Nacib. Anthologie de la poésie kabyle; P.53-54.

2 M. Mammeri, Les isefra de si-Mohand; P.12.

* تجدر بنا الإشارة إلى : أن هناك بعضًا من موضوعات الشعر القبائلي لا تقوم على مدرسة بذاتها ، و إنما هي نفحة من النفحات ..و كما هو معلوم، فالشعر القبائلي لم يلق أية عناية إلا في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، في ظل الأعمال الكولونيالية ” جنرالات وآباء بيض و مستكشفون و رحالة “، وبعض الكتاب القبائلأمثال: ” بن سديرة، بوليفة، عمروش، فرعون، معمري، مالك واري، تسعديت ياسين، يوسف نسيب وأخيرا، أمحمد جلاوي و يونس عدلي”.
ويمكن القول أن الشعر القبائلي لا يضاهي الشعر العربي و العالمي، ولكن هذا التقسيم هو محاولة لإبراز مزايا الأدب القبائلي و مواضيعه حتى و إن كانت غير مستغلة جيدا؛
حتى أن الشعر العربي خرج من قوقعته ليساير تطور هذه المناهج، إذ نجد بعض المستشرقين الذين حاولوا كل الأساليب الأدبية على غرار الأدب اللاتيني و اليوناني، وخرجوا بتقسيمات عديدة، ووضعوا لها قوانين و تاريخ و أعلام، كما فعل “جورج غريب” – مثلا- في سلسلة: الموسوع في الأدب العربي .

أ- الشعر القبائلي الدّيني:
يعد الشعر الدِّيني أحد أقدم أصناف الشعر القبائلي، لأنه نابع من ممارسات دينية وعرفية تقليدية ُتقام في مراكز تعليمية دينية ، مثل أغاني الذِّكر والمديح الديني الذي تتفرد به الزاوية . ويّتضح من خلال الّتسمية ضرورة إظهار الاحترام للمرابط , فهو الذي يمثِّل حامي القيم الأخلاقية و الدينية، ويحرص على احترام المقدس وتمجيد خصائص الشخصيات الدينية الأسطورية و الأنبياء . فنجد مثلا قصيدة شعرية مشهورة لأحد الشخصيات المحورية لهذا الصِّنف، وهو “بن عبد الرحمان1؛ كما نجد أشعارًا تروي قصص الأنبياء وهم : “إبراهيم الخليل، يوسف عليه السلام وموسى عليه السلام ” 2؛ وقد كتب الشاعر أحمد أعراب * قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، نذكر مقطعاً منها 3
Sslat γefk a nnbi ttaher a nnwayri الصلاة عليك أيها النبي الطاهر المنير
Arrsul bu yisem yecher  الرسول ذو الاسم المشهور زرنِي
Rzu-d γri wans-i mi ggugeγ nfusel   كن أنيسي حين أُفارق الحياة
Temnaad-i seg letwariواحفظني من المصائب
ب- الشعر الجنائزي:
إلى جانب الشعر الديني، تواجدت أشعار جنائزية مرتبطة بالمناسبات الخاصة بالموت للّتعبير عن الحزن و ظروف الموت، وهي غالبًا ما تكون أشعارًا نسوية؛ وتستند الأشعار الغنائية الجنائزية على التراث والآداب الدينية الإسلامية، ومنظومة القيم المرتبطة بالحساب والعقاب واليوم الآخر والملائكة، وكل المرجعيات للدين الإسلامي الحنيف . وقدنظم الشاعر الحاج محند عاشور * قصيدة عند موت الشيخ “محند أُو لْحسين”، إذ يقول في  أحد المقاطع 1
Itru yizri-w sttaqa تبكي عيني بقوة
Am bu ccaqiqa مثل صاحب الصداع
Am lεin la-d-itquttur كالعين تتقاطر

1 Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P.24. 2

M. Mammeri, poèmes kabyles anciens, laphomic-awal-la découverte.SD; P.272-318. .XVIII

* أحمد أعراب, عاش في القرن 3 Ibid; P.352-357.

ج- الشعر السّياسي:
يتميز الشعر السياسي القبائلي بتعبيره عن الانشغالات الكبرى والحاسمة للمجتمع القبائلي التي تتعلق بمستقبل وآفاق هذه الجماعة، ويتغير شكله ومضمونه باختلاف الرهانات التاريخية والسياسية والثقافية، ومع هذه الّتغيرات ظهر الوعي لدى المجتمع القبائلي، ومن بين الشعراء الذين كانوا يعبرون عن رأي القبيلة ويمثلها أثناء النزاعات القبلية، نجد يوسف أُوقاسي من أشهر ممن كان ممثِّلا لقبيلته, حيث يقول أثناء خلاف
جرى بين قبيلتي “آث جناد” و”آث واقنون” بتيزي وزو 2
Taddart mi mechur yisem القرية مشهورة الاسم
Ay At Qubain آث قبعين
Nusad ansehhi ttiad جئنا لتوعية القبائل الأُخرى
Anettixer i txeddain ولنتجّنب الخداع
ومع ظهور الوعي الانتمائي الأمازيغي , أصبح الشعراء يلعبون دورًا هام ًا في بلورة هذا الوعي فذهب الشاعر لونيس ايت منقلات في قصيدته إلى  نقد النظام السياسي القائم على الميكافيلية3  وتجلى ذلك أكثر في أحدى أروع أغانيه السياسية بعنوان  “Ammi” ، أي يا أبني نقتبس منها ما يلي :
Ammi leqraya tekfid يا بني, دراستك انتهت
Dacu γer ik-id-tessufeγ وبماذا تخرجت ؟

Ayen akw i tεettbed teγrid  فكلّ جهودك ضاعت

Ml-iyi-d ad ak-ferheγ أرينيها لأفرح لك
* الحاج محند عاشور، عاش بيناية القرن XX وبداية القرن XIX

1 M. Mammeri, cheikh Mohend a dit, Edition “Inna-yos” 1990, Alger; P.193. 2

Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P.55. 3

Moh Cherbi, Arezki Khouas, Chanson kabyle et identité berbère, l’oeuvre d’Aϊt Mengullete, EDIF 2000, Méditerranée, Paris, 2001; P.128-130.

د- الشعر الّنسائي:
يعتبر هذا الصِّنف من أهمِّ الأصناف، إذ بفضله انتقل إلينا التراث الشفهي عبر الأجيال، وذلك من خلال ما تؤديه الأم في الحفاظ على استمرارية الّلغة القبائلية الشفهية. يضم هذا الّنوع أشكالا غزيرة، ترتجلها النسوة كلما دعت الوضعية للإنتاج، مثل مراحل العبور الزمنية الهامة للحياة, كالولادة والختان والزواج والحفلات المقامة أثناء
الزفاف، وأثناء العمل المنزلي والفلاحي، وبالخصوص أثناء الأمومة 1، إذ ُتنشد الأم أبياتًا شعرية لحماية طفلها من العين الحاسدة، أو لهدهدته، بمثل هذه الأبيات 2
Tarrez tit n ccitan    تكسرت عين الشيطان
Terna tin u-maεyan  وأيضا, عين الحاسد
Amaεyan yaεmut Repwi  الحاسد يعميه الله
Ccitan at ixzu Repwi  الشيطان يخزيه الله
Tinarniwin tinarniwin  أُمنيات الّنمو, أُمنيات الّنمو
Mmi ad yif akw tinidwin  ابني أفضل من أكفائه
Annect’ annecta mkullas هكذا, هكذا كل يوم
Ad yimγur annect’ usalas وسيكبر مثل العمود
ه- شعر الهويّة:
هو الشعر الذي يتحدث عن ما تحمله منطقة القبائل من خصائص ثقافية واجتماعية منذ القدم و إلى يومنا هذا، حيث كان الشعر ينظم كوسيلة دفاع عن قانون القبيلة القبائلية، كما كان الشاعر يوسف أُقاسي مشيدًا بقبيلته؛ وقد رأينا هذا.
1 Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P.34.
2 Ibid; P.34.
أما في العصر الحالي وإبتداء من السبعينيات،إنتقل الشعر من الدفاع عن الهوية القبلية إلى الهوية الوطنية، وكذا المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كأساس من أسس الهوية الوطنية الجزائرية، وقد تصدى لهذا النوع عدة شعراء منهم : سليمان عازم , آيت منڤلات، بن محمد، معطوب الوناس، إيدير …وغيرهم. وقد ذهب الشاعر سليمان عازم إلى الاعتراف بالهوية الأمازيغية، حيث تمّنى رجوع سي محند أومحند ليعيش معه في هذا الزمن الجديد يقول في قصيدته
“A si muh u mhend awik-id yerran” :
“ليتك تعود يا سي محند أومحند” 1
ليتك تعود يا سي محند أومحند
لترى الزمان
لتشفق على كلّ من يبكي
لُتغنِّي لنا على الذي فات
والذي هو حاضر
وما هو آتٍ
وكلّ ما تركه لنا الأولياء
بالفضيلة والإحسان…
الآن, قد وعى من نسيها
Si muh u mhend awik-id yerran
At walid zzman
M’ ak γaden widen yetrun
Aγ d cnud f ayen iεeddan
Akw d wayen illan
D wayen ar ad iteeddun
Ayen iγ d ggan imawlan
Sy iseγ akw d lehsan
Tura kkren-d widen it-yettun
و- شعر الّنقائض:
يتضمن هذا الشعر هجاء متبادلا بين شاعرين، فالواحد يذكر مزاياه ويتعرض للثاني، والآخر يرد بأقبح من كلام الأول؛ وأحسن ما قيل في شعر النقائض، المجادلة الشعرية التي كانت بين يوسف أُوقاسي ومحند أو عبد الله 2
يوسف أوقاسي:*
أنا جنادي الأصل
Yusef u Qasi:
Nek d Ajennad men lasl-iw
1 Y. Nacib, Slimane Azem, le poête, Edition Zyriab, 2001; P.236.
2 . امحمد جناوي, أشعار شعبية من قبائل جرجرة, قراءة نقدية في كتان هانوطو, منشورات زرياب؛ ص. 156
* لمزيد من المعلومات أنظر:
. العدد 05 ؛ ص. 45 ،TIMMUZGHA/ – مجلة المحافظة السامية للأمازيغية

ممن يكسرون العدو
أهبة قتالهم مائة فارس
تلك هي عدة فرساننا الأشداء
ُنتقن سحب دال البنادق
تنحني أمامنا قوات الّنزلاء
محند أو عبد الله:
معلوم أن أصلي من إراثن
أهل الشهرة وعلو الهمة
لا يرغبون في السلم
عند خوضهم غمار الفتنة
ُتذبح لنا أسمن الكباش
في محافل الكرم والضيافة
أما أنت يا يوسف ابن أمه
لقد فاقتك فاظمة في الرجولة
Yetruzun leεdu
Meyya ag-grekben uriris
D ammay netεuddu
Njebbed ddal slehris
M’iγ-yezra weεdaw yeknu
Muhend u εebdllah:
Maεlum lasl-iw d yirat
Iggad ilemden cciεa
Ur ak-tcih win tifrat
M’ara weqεen di lftma
Zellun-aγ medden rraxlat
M’ara nemlil d lkarma
I kec a yusef n tinnat
Tif-ik rregla fadma
ز- الشعر الرّمزي:
إن الرمز من الوسائل الفّنية المهمة في الشعر، إذ يعمد به الشاعر إلى الإيحاء والّتلميح بدلا من الّلجوء إلى المباشرة والّتصريح، والرمز الشعري بأبسط معانيه هو الدلالة على ما وراء المعنى الظاهري مع اعتبار المعنى الظاهر مقصودًا أيضا؛ ومن أشهر الشعراء الرمزيين، نجد الشاعر سليمان عازم الذي يستعمل الرمز في بعض قصائده  و من بينها قصيدة
أخرج أيها الجراد من بلدي  ” “Ffeγ ay ajrad tamurt-iw” التي يطالب فيها المستعمر الخروج من الوطن 1

γuri lejnan d imγelleq عندي حديقة مسيَّجة
1 Y. Nacib, Slimane Azem, Le poête; P.479-480.
كلّ ما فيها ناضج
من الخوخ إلى الرمان
عملت فيها في الحر الشديد
غرست فيها أيضا الحبق
وقد أزهر وبان من بعيد
جاءها الجراد بشراسة
وأكل حتى الشبع
وطمع أيضا في العروق
Kulleci degs ixleq
Si lxux armi d arremman
Xedmeγt deg-wzal ireq
Zziγ as ula d lehbeq
Iggugeg-ed mebεid i d itban
Ibbwed-ed wejrad s lehmeq
Icca armi ifelleq
Idmaa ula deg zuran
ح- الشعر الاجتماعي:
في هذا الصِّنف، يتناول الشاعر في قصيدته نمط معيشة الإنسان الفلاح (المفهومالقبائلي والاشتراكي للكلمة ) في القبيلة، ومشكلة الفقر المدقع، كما ينتقد ُنظم الزواج القبلي الذي يقوم على ضرورة زواج الأخ من زوجة أخيه المتوّفى، أو مايسمى بالزواج الداخلي القسري؛ كما يتناول الشاعر مظاهر أخرى للحياة الاجتماعية.
وفي الشعر القبائلي، لا نستطيع تصنيف الشعر في هذا الصِّنف، لأن الشعراء لايكتبون إلا أجزاء صغيرة، تكون مرتبطة في كثير من الأحيان بمواضيع أخرى كالغربة أو الاستعمار، ونادرًا ما توجد قصيدة كام لة تتحدث عن ما يمتُّ إلى “المجتمع “بِصلة،ومن بين الشعراء نذكر واعراب الحسين* في قصيدة
“axerraz du-merkanti ”
“الحّذاء والغني” 1
الحّذاء والغني
يرويها الأولون
طول اليوم واحد يغني
عن الآخر المهموم
Axerraz du-merkanti
Hekkunt-id imezwura
Tul bwass yiwen itγenni
Afayed yewqa lehna
* واعراب الحسين, شاعر معاصر.
1 Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P391-395.
ط- الشعر الفلسفي:
هو استنطاق ما هو مامن وراء الحسي أو المرئي؛ بمعنى، تجسيم المجرد بحيث يتجاوز الإنسان الإدراك العقلي لحقيقة الأشياء الظاهرة والمنطقية، وإعطاء فرصة للمخيلة لتعمل عمله.ولكن هذا الّتجسيم المجرد يرتكز أساسا على ما أنتجته البيئة القبائلية من”فلسفة” محلية وشفوية يساهم في تنميتها الّنساء والرجال؛ ويقوم الشعر القبائلي بتوظيف كل عناصر هذه الفلسفة لمعالجة المشاكل التي تحيط بالقبيلة، ويمكن أن تهوي بها في وادٍ سحيق؛ ومن هذه العناصر، تبرز لنا الّتقاليد العرفية، القيم والمبادئ، الأمثال الشعبية …
وإذا استعرضنا بعض الأشعار القبائلية الّتقليدية أو الحديثة ذات الصبغة الّتقليدية، لوجدنا أن الشعراء قاموا بتوظيف هذه العناصر القبلية وتدعيمها بأقوال الأولين، وهذا من أجل الدفاع عن المبادئ والقيم القبائلية الغائرة في القِدم. فالشعر الفلسفي القبائلي ليس كباقي أصناف الشعر العالمية، التي تتناول مواضيع غيبية أو ميتافيزيقية، وإّنما هو شعر جاء ليحمل لواء المبادئ القبائلية، وتصحيح الأخطاء التي وقع فيها السالف لكي لا يقع فيها الخلف .
ومن شعراء هذا الصنف الشعري، نجد معظم أولئك الذين عاشوا في القرنين الثامن والتاسع عشر، نذكر منهم يوسف أُوقاسي، سليمان عازم ولونيس آيت منڤلات , وقد وضَّح من الكذب إلى الحقيقة”، ” “Si lekdeb γer tidestt” لنا الشاعر آيت منڤلات في قصيدته
كيفية انقلاب الكذب إلى الحقيقة، والحقيقة إلى الكذب؛ يقول 1
الكذب أنجب الباطل(الظلم)
الباطل أبو الخوف
الخوف أنجب الرجولة (الشجاعة)
الرجولة غلبتهم جميعا
الرجولة أنجبت الصدق
الصدق عند بلوغه الحد
ُتنجب الكذب وابنه
الكذب أنجب الباطل
Lekdeb yurw-d lbatel
Lbatel d baba-s nlxuf
Lxuf yurw-d tirrugza
Tirrugza tγelb-iten yakw
Tirrugza tesεa-d tidett
Tidett m’a tawed lhedd-is
Adtesεu lekdeb dmmi-s
Lekdeb yurw-d lbatel
1 Moh Cherbi, Arezki Khouas, chanson kabyle et identité bèrbère; P.188.
الباطل أبو الخوف
الخوف أنجب الرجولة
الرجولة غلبتهم جميعًا
هكذا تدور الحياة
Lbatel d baba-s nlxuf
Lxuf yurw-d tirrugza
Tirrugza tγelb-iten yakw
Akken I la tberren ddunit
ي- الشعر العاطفي:
يعرف عمومًا باسم “إيزلي”، وهو نمط نسوي بامتياز، يمّثل مقطوعات قصيرة موضوعها الأحاسيس العاطفية ومواقف الّتغزل، وهي مشاعر يحس بها عامة الناس؛ ومعظم ما وصلنا منه مجهول المؤّلف، “وهو يقترب شك ً لا ومضمونًا من الزجل الأندلسي” 1. وبالرغم من أّنه إبداع فردي، إلا أّنه كثيرًا ما يتردد في الحفلات المقامة أثناء الزفاف؛ كمثل هذه الأبيات 2
قال لي الناس: هزلت
قلت لهم: البرد
إذا اكلت، فالقوت مر
وإذا نمت، ركبني الغيظ
من الضربة التي ضربت قلبي
علمت يالله و دريت
Nnan-i medden tedεafed
Nniγ–asen d asemmid
Ma cciγ rzag felli lqut
Ma tseγ irekb iyi lγid
S tiyita yerzan ul-iw
Tεalmed a Lleh kecc tezrid
ك- شعر الغربة:
في هذا الّنوع، نجد أن كلّ القصائد تعكس صورة الإنسان الّنفسية وهو بعيد  عن وطنه قسرًا أو اضطرارًا، حيث تكون نفس الشاعر من خلال قصائده مضطربة بين البقاء في ديار الغربة، والحنين إلى أرض الوطن؛ وقد جاء هذا الّنوع نتيجة معاناة الشاعر بعيدًا عن وطنه الأم؛ إلى جانب هذا، فالشاعر المغترب يعكس صورته حقيقة من خلال دعوات صريحة للاستقرار وطلب الأمان، واّتقاء شر الغربة.
1 Tassadit Yacine, L’Izli ou l’amour chanté en kabyle, Bouchène –Awal, Alger, 1990; P.15.
2 Ibid; P.15.

ومن بين الشعراء المغتربين نجد : سليمان عازم، الشيخ الحسناوي، علاوة زروقي، الشيخ أعراب بويزڤارن، ولونيس آيت منڤلات ..، وقد عانى الشاعر سليمان عازم وهو بعيد عن وطنه، وها هو في قصيدة يعبر عن ما بداخله 1
وطني العزيز” ” “Tamurt-iw aazizen”

يا وطني العزيز
الذي تركته رغمًا عني
لست أنا الذي اختار ذلك
وإنما المكتوب والحظ
أنا في بلاد الّناس
وخيالك بين عينيَّ
A temurt-iw aazizen
Tin ggiγ mebla lebγ-iw
Maci de neck i gextaren
Dlmektub akw-d zzehr-iw
Aqli di tmura m-medden
Ma d lexyal-im get w-allen-iw
و بعد الانتهاء من هذا التصنيف التقريبي لابد من التقسيم الموضوعاتي، حيث يجب علينا إدراج هذه التصنيفات تحت الأغراض الشعرية؛ ففي
الرثاء مثلا، نجد : الشعر الديني والشعر الجنائزي، لأنهما يعبران بقوة عن خصال حميدة يتميز بها الشخص المتوفى، والذي كان محبوبا وسط قبيلته؛ كما قد يكون الرثاء عن النفس، كما نجد معظم أشعار سليمان عازم الاغترابية، التي يعبر فيها عن نفسه اليائسة و ما آلت إليه بعد كل المحاولات التي اّتخذها للعودة إلى أرض الوطن، و مثله الشعر الاجتماعي الذي يعبر عن معاناة الفرد.
و في الهجاء، نجد بكثرة: الشعر السياسي و شعر النقائض و الشعر الرمزي، إذ يعتمد الشاعر في ألفاظه على كلمات تعبِّر عن حنقه و استيائه من مسألة معينة، فنراه يهجو من كان سببًا في آلامه،تارة بصراحة و تارًة أخرى باستعمال الرمز.
وفي الحب و الغزل، نجد الشعر العاطفي، حيث يعبر الشاعر عن مختلجات نفسه، و مكنونات صدره.
1 Y. Nacib, Slimane Azem, le poète; P.173.

أما في المدح، فنجد شعر الهوية الذي يتحدث عن مزايا المنطقة و خصائصها، أو عن مزايا الفرد و خصاله.
و لا مجال للشعر الفلسفي، لصعوبة إدراجه تحت أيَّ غرض من الأغراض المعروفة.

-4 لمحة عن تاريخ الإنتاج الشعري الشفوي القبائلي:
قرن وستة وثلاثون سنة مضت عن صدور كتاب الجنرال هانوتو , حيث يعود ظهوره إلى الفترات الأولى للموجة الإثنولوجية الكلونيالية التي اهتمت ب دراسة المجتمع القبائلي؛ وبظهور هذا الكتاب , فتح مجال للبحث الأدبي والفكري الحديث حول الّثقافة والشعر والأدب القبائلي.
إلا أنَّ تاريخ الشعر الشفهي القبائلي لا يبدأُ من فترة ظهور العمل التدويني (كتاب هانوطو), لأن الشعر يعتبر من أحد الأعمدة المركزية للثقافة القبائلية , ولهذا سنقوم بتحديد أهم مراحل الإنتاج الشعري مستندين في ذلك إلى تصنيفات “مولود معمري ويوسف  نسيب” 1
يمكن تصنيف الإنتاج الشعري القبائلي إلى مراحل ثلاث هي:
أ- الإنتاج الشعري لما قبل الاحتلال الفرنسي:
قبل الاحتلال، كانت المواضيع الدينية هي الطاغية على الشعر القبائلي، خاصة بعد انتشار الظاهرة المرابطية في القرن الثامن عشر، فكان الشعر يمجد الّتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية ورجال الدين الصالحين…
كما نجد أيضا أشعار يوسف أُوقاسي , المندرجة تحت الشعر الحربي، الذي عكس التقسيم القبلي للقبائل، ومجد خصال المحارب المدافع عن شرفه وقبيلته.
وهناك أيضا الشاعر الطبال “أعلي عمروش ” الذي غنىَّ كثير ًا عن الحب  والعاطفة، وكان يتمّتع بقدرة فائقة على الإبداع التلقائي 2
1 M. Mammeri, La littérature berbère orale.
– Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle.
2 Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P.58.

*ب- إنتاج الفترة الاستعمارية (1830_1962)
يتميز الإنتاج الشعري لهذه المرحلة بانقسامه إلى ثلاث مراحل:
ب- 01 – من الصّدمة الاستعمارية إلى هزيمة انتفاضة 1871
لقد انهدم المجتمع القبائلي في العمق إثر الاحتلال الفرنسي , فجاءت معظم الإنتاجات الشعرية مجسدة للعنف العسكري والرمزي، فقام الشعراء بتخليد معارك المقاومة؛ حيث ذكر الشاعر “علي أُوفرحات” معارك معاتقة سنة 1851 ، و تأسف الشاعر الحاج” أَعمر أُولحاج” على سقوط مدينة الجزائر 3، وشارك الحاج محمد بشير في هجوم ذراع الميزان 4                                                                                                   ب- 02 – ما بعد انتفاضة 1871 :
يعتبر الخضوع العام لمنطقة القبائل سنة1857،وانتفاضة 1871،من أهمِّ المحطات الّتاريخية الكبرى التي عرفتها القبائل منذ عدة قرون، نظرًا لما عرفته من ممارسة العنف فيها، وتهديمٍ لأسسها الاقتصادية والاجتماعية (…)، وفي هذه الظروف المؤلمة، عرف الإنتاج الشعري تميزًا كبيرًا يعبر عن مشاعر الحزن والمقاومة، كالقصيدة التي أنشأها الحاج “محمد بشير” إثر خضوع منطقة القبائل سنة 1851،و قصيدةا نتفاضة
6، ومن أهمِّ وأكبر شعر اء هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، الشاعران سي محند 1871 – أومحند، والشيخ محند أُوْلحسين.
* سي محند أومحند ( 1845_1906)
هو من أحد عباقرة الشعر القبائلي، و يلقَّب بالشاعر الجوال؛ حيث أّنه عاش حياة 2 متشردة ومأساوية، إذ ولد في غير قريته، وعاش في طفولته خضوع القبائل في يد الاستعمار سنة 1857
*1901 لمزيد من الإطلاع على إنتاج هذه الفترة، أنظر:
– Melha Ben Brahim, La poésie populaire kabyle de la résistance à la colonisation 1830-1962.-
.86/72/45/ 5 ] أمحمد جلاوي، أشعار شعبية من قبائل جرجرة؛ ص. 55 ،4 ،3 ،1 ]
6 M. Mammeri, poèmes kabyles anciens; P.440.
2 لمزيد من الإطلاع على حياته وأعماله الشعرية، أنظر:
-M. Mammeri, Les isefra de si-Mohand.
-M. Feraoun, Poèmes de si -Mohand.

…ورأى بأمِّ عينه َتهدم قريته؛ أما في شبابه فقد عاش بكل ألمٍ انتفاضة 1871 ، التي شّتتت كل عائلته، فأُعدم والده، وُنفي عمه إلى كاليدونيا، وفر أخوه إلى تونس، و حجزت أملاكهم، ونجا هو بأعجوبة من الموت؛ وقد انعكس هذا التشتت في  أشعاره، إذ يقول في إحدى القصائد 1
إّننا نبحث كل يوم
في الأوطان غريب
أتمنى لو عندنا بيت
Aqlaγ kullas net qellib
Di tmura d aγrib
Mennaγ aw’isaan axxam
وبعد تَشتُّت كل أهله، بدأ سي محند أومحند حياة الّتشرد والتجوال والمغامرة،
فكانت كلّ رحلاته موزعة بين منطقة القبائل وعنابة وتونس، وأثناء ذلك كان يتحسر لما يلاقيه من الناس الذين كانوا يعرفونه سابقا ، وقد اختفوا اليوم عندما احتاج إليهم؛ يقول 2
لقد ُ غلِبت…
من بلد أبي
هرب من كّنا نعرف…
نُفِيت إلى بلاد الغربة
هلا بكيتم أيها الطُّْلبة
َذوي العقول المستوعبة
Tekka felli leγwlaba
Si tmurt n baba
Rewlen laibad i-γ-issnen
Nfiγ d γer tmurt l-lγerba
M’atrum a ttelba,
Laaqul isenteqqiden
إن الّتفكك الذي حلّ بالقرية، جعل القيم والمبادىء الأخلاقية والاجتماعية تنهار، وبانهيارها تكسرت البِنية الاقتصادية للمجتمع القبائلي فتغيرت العلاقات كلها، مما خلق سخطًا من القرن الرابع عشر هجري لدى الشاعر، فعبر عن مختلجات صدره بقوله 3
-S. Boulifa, Recueil de poésies kabyles.
-S. Chaker, Hommes et femmes de kabylie. Tome01.
1 M. Mammeri, Les isefra de si mohand; P.234.
2 Ibid; P.180.
3 Ibid; P.196.

آهٍ من القرن المتوحِّش…
أولئك الذين نحتاج…
ومن قصد ُت غير كلمته
يهجِّر الّناس (القرن)
وفي العيد لم يتركهم
أُشفِق على الفتيات اليتيمات
بالنسبة للسكارى…
بِيعت الأراضي
وأصبح الفلاح خماسًا
Ahya lqern asufaji
Widak nettehwiji
Win qesdeγ ibeddel lkelma-s
Dlγaci la ten-isgagi
Di lâid urten iggi
Гadent iggulent tullas
Wamma at sukargi
Nzant lemragi
Bu tyuga hat d axemmas
وبفعل المآسي التي عاشها الشاعر سي محند أومحند، اكتست معظم أشعاره طابعًا تشاؤميًا، بالرغم من أّنها ذات صبغة عاطفية، تحمل عبرًا وأمثالا قيمة، كانت مرجعًا لشعراءٍ ُ كُثر.
و أما من ناحية الخصائص الشكلية لشعره، فيرى مولود معمري 1 بأن الشعر المحندي هو عبارة عن قصيدة تتكون من أربعة عش ر بيتًا، وفيها ثلاثة مقاطع شعرية، فالمقطع الأول عبارة عن مقدمة، والثاني توضيح للمقدمة، وأما الثالث فهو الحل والخاتمة التي ُتنهي معنى القصيدة.
ويطلق على ا لشعر المحندي اسم “أسفرو”، وهي قصيدة تُساعية تتشكل من قافيتين، واحدة للبيت الأخير في كلّ مقطع شعري، وأُخرى للأبيات المتبّقية، وهذا ما يوضحه لنا الشكل الآتي:
أ أ ب أ أ ب أ أ ب
7 5 7 7 5 7 7 5 7
ويرى مولود فرعون بأن الشعر المحندي يملك شكلا ثابتًا يتشابه مع السونيتة، ويشاطره الرأي مولود معمري 2
1 M. Mammeri, Les isefra de si Mohand; P.79.
2 لمزيد من المعلومات أنظر:
-M. Feraoun, Poèmes de si Mohand.

و يعتبر سي محند أومحند مرآًة صادقة تعكس مأساة شعبه، الذي عانى الأمرين، في تساعية لا تتجاوز سّتًا وعشرين كلمة !
* الشيخ محند أُوْلحُسين ( 1838_1901)
– يعتبر الشيخ محند أُو لْحسين شاعر ًا كبيرًا في زمنه، حيث كان يتمّتع بثقافة شفهية واسعة، وبمكانة راقية، مما أهلته ليكون شيخًا صالحًا ذائع الصيت، له سمعة رفيعة بين أوساط منطقة القبائل، فكانت له قدرة خارقة في شفاء الأمراض المستعصية وحلّ المشاكل المتشابكة، ويملك بالدرجة الأولى سلطة رمزية ومعنوية معتبرة، إذ منه تؤخذ “البركة” عند القيام بشيء ما، أو عند الرغبة في أمر ما.
وفي آثاره الشعرية؛ وبالرغم من أّنه كان ينتمي إلى نظام الطريقة الرحمانية؛ لا تظهر لنا إلا المرجعية الدينية الخاصة بالّنظام الطرقي، ولا الشخصيات الدينية، ولا الحدث التاريخي الإسلامي، بل نجد ذِكرًا لعدة شخصيات أخرى.
يمّثل الشاعران سي محند أومحند، والشيخ محند أوْلحسين تجربة شعرية هامة فيالشعر القبائلي الحديث، بحيث يتمّتعان وبالخصوص سي محند أومحند، بأهمية بالغة، لدرجة أّنهما من أبرز أساتذة الثقافة الشعرية القبائلية ، وأّنهما يشكِّلان إحدى العلامات الثقافية الحية والمتميزة في الحقل الثقافي الأمازيغي.

ب- 03 – الشعر الوطني الثوري من 1945 إلى 1962:
–  في بداية الأربعينيات، ظهر الاهتمام بالقضية الوطنية داخل الحقل الثقافي الأمازيغي، وفي الشعر القبائلي الحديث، فقد قام بعض الوطنيين المثّقفين بتأسيس فِرق الكشافة في منطقة القبائل، وقد أّلف آيت عمران محند أُويدير * نشيدًا وطنيًا نضاليًا تحت عنوان
1 “ابن مازيغ” يقول: “mmi-s-u-maziγ
* لمزيد من الإ طلاع على حياته وأعماله الشعرية، أنظر:
-M. Mammeri, Cheick Mohand a dit.
-S. Chaker, Hommes et femmes de kabylie. Tome01.
.TIMMUZGHA * هو شاعر معاصر، ويشغل منصب المحافظ السامي للمحافظة الأمازيغية منذ 1995 ، وهو المدير العام للمحافظة السامية للأمازيغية.
1 Y. Nacib, Anthologie de la poésie kabyle; P.417.
انهض يا ابن مازيغ
أشرقت شمسنا
مِن مدة لم تعرف
قد حان يا أخي دورنا
أسرع, قل لِماسِينيسا
بلادك استيقظت اليوم
أبنائك التقوا واّتحدوا
والجدود في قبورهم فرحون
Ekker a mmi-s-u-maziγ
Itij nneγ yuli
Atas ay’ur tezrid
Tawala nneγ a gma tezzi-d
Azzel inas i Mmasinisa
Tamurt ik tukwi-d assa
Arraw ik mlalen ddukwlen
Deg zekwan lejdud ferhen
لقد اهتم الشعر الّنضالي بعدما ترك البكاء والشكوى بتجنيد الشعب لصالح القضية الوطنية، فضمد الجراح الغائرة منذ هزيمة وخضوع القبائل سنة 1857 ، وأبرز مشاعر الفخر والافتخار بالوطنية والحرية، فكانت أشعارهم ُتعالج الآثار الاجتماعية والّنفسية التي خّلفتها الهجرة إلى فرنسا، ومن بينهم الشاعر “سليمان عازم والحسناوي” الّلذان عبرا عن مشاعر الحنين إلى الوطن الأم، وعن ما عايشوه في ديار الغربة.

 ج- الشعر القبائلي في مرحلة الاستقلال:
عرف الحقل الشعري الأمازيغي في مرحلة الاستقلال ُنهوضًا قويًا سمح له بفرض
نفوذ ثقافي ورمزي داخل المجتمع القبائلي الوطني، فظهر جيل جديد أسس حركة تجديدية
في الحقل الثقافي القبائلي والأمازيغي، مّتبعين في ذلك تجربة السابقين الكبار، فقام بعضهم
باستلهام التراث الشعري القبائلي القديم، و وضعِهِ في قوالب فنية حديثة، مما أحدث
تغيرا في الشكل والمضمون؛ حيث قام كل من “آيت منڤلات”، “إيدير”، “معطوب الوناس”، “عمور عبد النور”، “آكلي يحياتن “… وغيرهم في السبعينيات، بفتح تجربة شعرية وغنائية جديدة، ترتكز أساسًا على ما ورثوه من الشعراء الأولين، وساهموا في خلق أنماط موسيقية حديثة لتتلائم وأشعار العصر، التي بدأت تأخذ مجرى الشعر الحر الخفيف…

د- الشفوية في الشعر القبائلي المُعاصر:
إن للكلمة المنطوقة مكانة هامة في حياة سكانها بشمال إفريقيا، و بعيدا عن التصورات الباعثة على الفلكلورية، فهي تعكس مختلف النشاطات الاقتصادية و الاجتماعية المعاشة من قِبل هذا المجتمع المغاربي.
و حسب الرأي العام، فإن الثقافة الشفوية، هي ثقافة استمرت و لم تنل منها فترة الاستعمار، وما سبقتها من الّتوغلات الأجنبية التي مبتغاها محو الثقافة الشعبية العريقة.
و ُتعرفها ” لاكوست_Lacoste “بقولها: ” هي كل التعابير غير المكتوبة التي ينتجها فرد أو جماعة اجتماعية، أُعِدت في محتواها و شكلها، و أُنتجت لكي تتكرر و تنتقل في وسط نفس الجماعة و ُتكوِّن هكذا جزء من ثقافتنا”.
و تحتل هذه التعابير مجالا جغرافيًا واسعًا في الجزائر، وكافة ربوع تامزغا ، وتتكون هذه التعابير من القصص، الأساطير، الأنغام، الرقصات، الأمثال، الأشعار، الأدوات التقليدية، الحِرف…إلخ، وهذه الظواهر هي نتاجات الأفراد ، و هي  متوارثة أبًا عن جد.
و تمتاز الشفوية بعدم كتابتها، فهي لا تملك مجالا ينسخ فيه ذلك التعبير المنطوق، و إّنما لضمان بقائها، فهي ترتكز على الذاكرة، و باختراع الوسائل التقنية كالمسجّلات، عوضت هذه الأخيرة ذاكرة الإنسان لاستمرارية نقلها عبر الأجيال والحفاظ عليها، بكل ما تحمله من أبعاد.
و يمكن القول أن الشعر، باعتباره تعبيرًا شفويًا، بدأ في استعمال هذه الألآت التقنية الجديدة، مرورًا بالأغنية، لكونه يعتمد على الذاكرة المتوارثة، و المتواصلة بين الناس، مما يجعله جامعًا و مساهمًا في خلق التماسك الاجتماعي في جماعة
ما، و يصبح أعضاؤها يشعرون بمشاعر إيجابية قوية نحو جماعتهم، و تكون لديهم رغبة في استمرار  عضويتهم، فُتحقق بذلك الروح الجماعية ..كما يتضمن موافقة الأعضاء على هذه الأهداف المقرِّرة للجماعة و معاييرها و بناء الأدوار بها، بحيث يدخل في العلاقات الاجتماعية، و يخلق الناس لها عادات ثقافية، لُتصبح من عناصر ثقافتهم.
39 Camille Lacoste Dujardin, le conte kabyle, FM/Fondations, paris, 1982; p. 13.
و يرى “دالي _ Dallet “ان ” الشعر الشفوي القبائلي هو ظاهرة حية، فهي ُتفرج  بالحديث أو النطق عن المصيبة الملازمة لكل الأدب الشفوي بآنيته ا” بمعنى أن الشعر هو وسيلة تعبير عن مختلجات النفس في وقت معين و زمن محدد.
و يعبِّر”بورديو_Bourdieu ” عن الشعر الشفوي بأنه ” لا يمكن أبدًا اعتباره  شعرًا مكتوبًا لا في شكله و لا في محتواه”.
و بظهور الألآت الحديثة، أقدم الباحثون و لضرورة علمية على فتح نقاشات حول قضية نص ما بوصفه كذلك، لا حول تحديده حسب طابعه المكتوب أو المنطوق، و تتعلق بنقاش ضمن إدراكٍ جديد لوجودنا في هذا العالم، و لعلاقاتنا مع الآخرين و انعكاساتها الثقافية بمختلف أشكالها.
و في هذا الصدد يقول مولود معمري بأن ” الحضارة الأمازيغية لأسباب ربما تاريخية هي حضارة الكلمة ” ، و هو يقصد الكلمة المنطوقة الشفوية، وذلك لكونها وسيلة التعبير عند كل شعب ، حسب طريقته و رغبته في التعبير.

الهوامش :
40 Dallet, la littérature berbère orale, dans : culture savante, culture vécue de Mouloud Mammeri, Edition TALA,
Alger, 1991; p.75
41 Pierre Bourdieu, Dialogue sur la poésie orale en Kabylie, dans culture savante, culture vécue; p.94.
42 Mouloud Mammeri, poèmes kabyles anciens; p.44.

وثائقي باللغة الأمازيغية عن حياة الفيلسوف والشاعر الكبير سي موحند اومحند :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!