أقلام حرة

الى أصحاب شعار” لا صومام لا إيفيان، نوفمبر هو البيان” و”نوفمبرية باديسية”

     نعلم أن عقولكم مؤدلجة ولا قدرة لكم على التفكير خارج الصندوق لهذا سنناقشكم بالطريقة وبالمصطلحات التي تفقهونها . فدعونا الآن نساير منطقكم هذا الذي في الشعار ونخون مؤتمر الصومام وإتيفاقية إيفيان ونقدس فقط نوفمبر وجمعية العلماء، لكن بشرط أن نحترم هذا المنطق ولا ننافق، وهذا يتطلب تخوين كل القرارات والتوجيهات والنتائج التي صدرت عن الصومام وايفيان وكذلك تخوين كل من يطعن في جمعية العلماء المسلمين المقدسة، وهذا يعني :

– أن كل المجاهدين وكبار القادة، بما فيهم مفجري الثورة الذين شاركوا في مؤتمر الصومام، بدأ من كريم بلقاسم الذي بدأ العمل المسلح في منطقة القبايل عام 1947، عبان رمضان الذي نظم المؤتمر وبن مهيدي ،وما أدراك ماهو، الذي ترأسه وأعمر أعمران ، سي موحند بوقرة، زغيود يوسف، لخضر بن طوبال، سليمان دهليس ، العقيد عز الدين، سي لخضر ، علي خوجة، علي ملاح … وآخرون كلهم خونة لأنهم نظموا مؤتمر الخيانة كما تسمونه !!!

– جمعية العلماء المسلمين ، مناضلي البيانيين بقيادة فرحات عباس والشيوعيين، المجلس الوطني للثورة الجزائرية ، لجنة تنسيق وتنفيذ، النظام الإداري والسياسي و العسكري (تقسيم الولايات) ،معركة الجزائر … كل هؤلاء يجب تخوينهم ويحب عدم الإعتراف بهذه الإجراءات لأن عبان رمضان هو من أقنعهم بالإنظمام الى الثورة ، والمؤتمر هو من أفرز هذه الإجراءات السياسية والإدارية.

– رضا مالك، محمد صديق بن يحي ، أحمد فرانسيس، وسعيد دحلب، أحمد بومنجل، الطيب بولحروف إظافة الى بلقاسم كريم… كلهم خونة لأنهم جاهدوا فرنسا منذ البداية ثم تفاوضوا معها من أجل الاستقلال كما حدث مع كل الأمم الأخرى المتصارعة، و ربما كان عليهم إستدعاء أصحاب هذا الشعار الذي يرفع اليوم عبر آلة الزمن ليقوموا هم بالتفاوض مع فرنسا !!

      عليكم كذلك بتخوين المفكر الجزائري مالك بن نبي صاحب شروط النهضة الذي تقتدي به ماليزيا وتقولون أنه قدوتكم ، لأنه تهجم على جمعية العلماء ووصفها ب la pourriture في كتابه “العفن” وقال أن قادة الإصلاح (بن جلول خال بن باديس ورئيس المؤتمر الإسلامي 1936 وصاحب التصريح الشهير ” لو لا فرنسا لكنت الآن شماسا” أي حطيست بالدارجة) قال بن نبي أن بن جلول شرب الخمر صحبة النساء في الفندق الفاحش (كان مليئ ببائعات الهوى والخمور حسب بن نبي )، هذا الفندق الذي نزل فيه قادة الجمعية الإصلاحية في باريس لما ذهبوا لتسليم بيان المؤتمر الاسلامي الذي إنتهي إلى الاعتراف بأن الجزائر فرنسية ، وحضر فيه بن باديس والبشير والعقبي ولمح الى أن العقبي قد خلى في مكان ما في الفندق! وقال عن قادة الجمعية أنهم “أعجز من فهم فكرة ناهيك عن تصورها وتنفيذها” (كتاب العفن لمالك بن نبي الصفحة 117) .

     واليوم تريدونها باديسية رغم أننا رفعنا عليكم التحدي منذ سنوات على أن تأتونا بنصف دليل من أثار هذه الجمعية يؤكد على أنها حرضت الشعب ضد فرنسا بدل “الشيتة” والمطالبة بولائها والدفاع عنها دون جدوة!
فالشيخ العربي التبسي هو الوحيد الذي وافق على تأييد الثورة المسلحة بصفة فردية وليس بإسم الجمعية التي قامت بإقصائه وعزله بسبب إنظمانه للثورة. عكس ما قيل لنا في المدرسة الرسمية التي زين فيها الوزير طالب الإبراهيمي (إبن البشير الابراهيمي) صورة الجمعية حتى ظن البعض أنها هي مفجرة الثورة !

     اذا بعد رفضكم للصومام وإيفيان بمنظميها والمشاركين فيها من الرجال وما تقرر عنهما ، لم يبقى لكم إلا بومدين الذي لم يطلق أي رصاصة ضد فرنسا وكذلك صديقه بوتفليقة للإفتخار بهما . هذا إذا كان بإمكانكم الحديث عن الثورة بعد إلغاء كل هؤلاء الذين يمثلون الثورة ولولا هم لما كانت هناك أي ثورة على الأقل في تلك الفترة .

دعونا الآن نتعمق أكثر في الموضوع لنجيب على خزعبلات هؤلاء لعلهم يفهمون .

هل كان بيان أول نوفمبر عروبي إسلامي كما يروج له هؤلاء ؟

       الجواب لا ، ورود عبارة في إطار المبادئ الاسلامية وليس على أسس، وهذا فرق كبير، في البيان كان لهدف معين وهو لمغازلة جمعية العلماء المسلمين العروبية الاسلامية التي كانت تمتلك التأثير على الشعب عبر مدارسها وإستعمالها للاسلام، ولأن محرري البيان كانوا يدركون رفض “الباديسيين” لفكرة العمل المسلح، التي لم يقتنعوا بها إلا بعد مرور سنتين من الثورة، وبعد ضغط عبان عليهم بمبدأ “من ليس مع الثورة فهو ضدها” ، وتصفية بعض رجالات الجمعية من طرف الجبهة، وكذلك لمغازلة الدول العربية للحصول على الدعم المالي والسياسي ، فمحرر بيان نوفمبر هو بوضياف الذي نعرف موقفه من الدين الإسلامي ومن الإسلام السياسي لما كان رئيس الدولة في 1992، وهو مفرنس وعلماني التفكير، والبيان كتب باللغة الفرنسية وطبع في منطقة القبايل بتوجيه من كريم بلقاسم ولم يجدوا له مترجم إلا في مصر حيث ترجم بتحريف بعض المفاهيم السياسية فيه، فقد تم ترجمة كلمة (democratique et sociale) إلى العربية (ديمقراطية إجتماعية) بعد نزع (et ، الواو) الشيئ الذي غير من محتوى ودلالة المفهوم والتوجه السياسي والاديولوجي الذي كان في النسخة الأصلية الفرنسية يجمع الإشتراكي والليبرالي لتفادي الوقوع في صراع القطبين الى التوجه الإشتراكي كما أرادته القاهرة التي أضافة البسملة الى النسخة المترجمة في حين أنها لم تكن واردة في النسخة الأصلية الفرنسية !.

وأكبر حجة يمكن إقامتها على أصحاب شعار باديسية نوفمبرية تؤكد أنه لم يكن هناك أي علاقة بجمعية العلماء المسلمين ببيان أول نوفمبر هو نص مقتبس للمؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله (عروبي بعثني التوجه) يحاول فيه شرح الاسباب التي منعت البشير الإبراهيمي (رئيس جمعية العلماء) من الإنخراط والمشاركة وتبني بيان أول نوفمبر عند صدوره في 1954 ويقول أن من بين تلك الأسباب أنه لم يكن يحمل مبادئ جمعية العلماء المسلمين ولم يعبر بوضوح عن العروبة والإسلام!! وهذا هو نص كلامه : ” ….وأن من يطالع (بيان أول نوفمبر) سنة 1954 يلاحظ، بدون شك، أن هناك غيابًا لمبادئ جمعية العلماء التي رسمتها للجزائر ماضيًا ومستقبلًا، كما يلاحظ أن البيان لا يجيب على بعض النقاط بوضوح كالهوية والإسلام والعروبة، وأنه ليس ميثاقًا أو عريضة مرجعية ذات فلسفة وتصورات حضارية، وإنما هو وثيقة سياسية- صحفية- كتبت فيما يبدو على عجل وصيغت في عبارات بسيطة وعملية. فكيف نتوقع أن يتبنى الشيخ الإبراهيمي ذلك البيان على علاته، وهو الأديب النابغ والممثل الرمز لجمعية أخذت على عاتقها استرجاع الشخصية العربية- الإسلامية للجزائر؟…” المصدر(كتاب أثار الامام البشير الإبراهيمي ج05 ص8 تعليق أبو القاسم سعد الله تأليف الدكتور أحمد طالب الابراهيمي )

     الأفكار الواردة في بيان نوفمبر ستتغير في مؤتمر الصومام لأن الظروف إختلفت و بعض الأهداف تحققت بعد أن إستطاع المؤتمر جلب كل التيارات الوطنية الى الثورة على إختلاف توجهاتهم بما فيهم البيانيين والعلماء . وهو ما حدث حتى مع ثورتنا الحالية (ثورة الابتسامة) حيث كان هناك تخوف كبير من إستغلال الاسلاميين للحراك في بدايته لكننا نشاهد اليوم أن سعيد سعدي العلماني في نفس الخط السياسي مع الفيس وجماعة المغاربية وإسلاميو لندن ! ولم تعد الصفحات العلمانية تتهجم على خصومها من الاسلاميين كما كانت في بداية الحراك .

هل كان مؤتمر الصومام علماني أصولي قبائلي وإنقلاب على مبادئ العروبة والإسلام كما يدعى هؤلاء المؤدلجون؟

      الجواب طبعا لا، المؤتمر حضره قادة النواحي كلها ما عدا الأوراس الذي تغيب وفده بسبب إستشهاد قائدها بن بولعيد وظهور صراع بين مجاهدي الأوراس حول خلافة بن بلعيد، و المؤتمر ترأسه بن مهيدي وهو خريج مدارس جمعية العلماء و الأغبياء الذين يقولون أنه تم خداعه ، نقول لهم هذا تحقير وتصغير للبطل بن مهدي الذي أركع جبروت فرنسا وليس أمثاله من يمكن خداعهم، نذكركم بشهادة أخته حين نقلت لنا كلام الجنرال bigeard الذي قال لها أن أخاها قد تغلب حتى على محلول كشف الكذب الذي تناوله وبرمج عقله قبل تناول المحلول كي يقدم إعترافات كاذبه لبيجار . فهل بن مهيدي من يمكن خداعه كما تزعمون؟ على من تضحكون ؟ وهل كان بن مهدي سقبل برئاسة مؤتمر الصومام لو كان إنقلابا على مبادئ أول نوفمبر كما تزعمون ؟ أم أنكم تخونون أحد أكبر رموز ثورتنا بجهلكم ؟

     مؤتمر الصومام لم يكن قبائلي ولا بربريستي ضد العروبة كما تدعون بل جزائري بدليل أنه هو من أصدر حكم الإعدام على جماعة البربريست التاريخيين، ليس لأنهم خونة طبعا بل لأنهم رفضوا فكرة “c’est pas le moment” وتأجيل حل مسألة الهوية الى بعد الإستقلال، والتاريخ أنصف البربريست فالنتيجة بعد الاستقلال نعرفها جميعا .

      ما تجهلونه هو أن مؤتمر الصومام رفض كل الإيديولوجيات العروبية منها والأمازيغية، الاسلامية والشيوعية، الأشتراكية والرأس مالية، ليس كرها في الاسلام والامازيغية والعربية بل لمحاربة كل ما يمكن تفريق الجزائريين، فقد طالب المؤتمر بحل الأحزاب والجمعيات والإنخراط في الجبهة بصفة فردية وليس بإسم الحزب أو المنظمة، وهذا لتكوين جبهة واحدة موحدة ضد العدو المشترك لأجل نيل الهدف الأول والأساسي هو الإستقلال، عن طريق ثورة أرادها المؤتمر أن تكون غير مؤدلجة حيث تم حذف المصطلحات الإيدولوجية من مقررات المؤتمر فتم إبعاد صفة الثورة الإسلامية عنها كي لا يتم إقحام الثورة في إطار الصراع الاسلامي-الصليبي، وتم إبعاد صفة العروبة عنها كي لا تكون الثورة في جيب القومية الناصرية وتلاعبات جمال عبد الناصر كما سجله بن مهيدي الذي عاد من القاهرة قبل شهر من إنعقاد المؤتمر غاضبا لما شهده من محاولات لسرقة الثورة الجزائرية من طرف جمال عبد الناصر ، ونذكر هنا بالخلاف الذي نشب بينه وبين بن بلة ورئيس المخابرات المصرية فتحي الديب ، و صفع بن مهيدي لبن بلة في مصر خلال ذلك الخلاف. ابعاد صفة الإشتراكية والرأسمالية لتجنيبها نتائج الصراع الإيديولوجي بين الاتحاد السوفياتي والأمريكي الغربي، وبدل كل هذا قام المؤتمرون بإستعمال المصطلحات الحديثة العالمية لضرب فرنسا بسلاحها ، وهي ثورة عسكرية سياسية شعبية منظمة لتصفية الإستعمار القديم وتقرير مصير الأمة الجزائرية كما تنص عليه مواثيق الأمم المتحدة ، وهو ما ساعد في تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية وجعل الكثير من الأوروبيين مسيحين، يهود وملحيدين يقتنعون بعدالة القضية الجزائرية وينخرطون في ثورتها حيث سقط الكثير منهم بميدان الشرف في سبيل حرية الجزائر والجزائريين.

     وهذا الفكر المتقدم لزمانه للمؤتمر، هو ما أزعج جمال عبد الناصر الذي كان يرى نفسه زعيم (العالم العربي) فقد أدرك أن إستقلال الجزائر بأفكار مؤتمر الصومام التقدمية الديمقراطية ستفرز عن دولة حديثة تنافس مصر في السيادة على الدول العربية والشمال الإفريقي بنموذج ثورتها المنظمة التي تعرفها اي دولة أخرى في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لهذا لم يكف عبد الناصر عن التحريض ضد مؤتمر الصومام عبر بن بلة ومحساس الذي كتب رسالة بإيحاء من بن بلة، يحرّض فيها ضد القيادة العليا للثورة التي اكتوت بداخل الجزائر من الحصار وقلة التموين ونار المعارك، وقد نشرت وسائل الإعلام الفرنسية تلك الرسالة وأصبحت أداة المخابرات الفرنسية لزرع البلبلة بين الثوار بل لازال البعض يكرر أفكارها دون وعي بخلفيتها السياسية والإيديولوجية الضيقة !

     فمصر التي كانت ضد الصومام والتي قامت بدعم بن بلة وجيش الحدود الذي إنقلب على الحكومة المؤقتة في 1962 التي افرزها المؤتمر وألغوا كل قرارات الصومام الذي إنتهج النموذج البريطاني في التسير الاداري والتقسيم الفيدرالي بينما قامت جماعة وجدة بإستيراد النموذج الفرنسي اليعقوبي والتسير المركزي الذي عمل على محو التنوع اللغوي والثقافي في الجزائر . وجعلوا من قارة الجزائر مجرد دويلة خاضعة للقاهرة وباريس بعدما حاربوا ورفضوا أفكار مؤتمر الصومام التي رفعت مبدأ ” الجزائر لن تكون تابعة لا لباريس، ولا موسكو، ولا واشنطن، ولا القاهرة” ومبدأ ”إن الثورة في جبال الجزائر، وليس في قصور تونس والمغرب” ومبدأ ” أولوية العمل السياسي على العسكري” فالإنقلاب على هذا المبادئ هو ما جعلنا اليوم نتخبط في كل هذه المشاكل .

ونختم بالقول أن الخائن فقط من يحاول تخوين الجميع، والتنكر لأي وثيقة أو بيان صدر عن أبائنا المجاهدين أكان بيان نوفمبر أو وثيقة الصومام أو إيفيان هو جهل ، و لا ريب من وجود أخطاء هنا وهناك فهو عمل بشري، لكن المؤكد منه أن هذه البيانات والمقررات كلها كانت لأجل تحرير الجزائر من فرنسا وبناء جزائر لكل الجزائريين .

بقلم الأستاذ الباحث : مصطفى صامت
……
المراجع المعتمدة :
*كتاب بلعيد عبان “الحقيقة دون طابوهات مقتل عبان رمضان من ؟ كيف ؟ لماذا ؟ وماذا بعد ؟” (بالفرنسية)
*كتاب عبان رمضان لخالفة معمري .
* كتاب رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ للبروفسور رابح لونيسي .
*La guerre d’Algérie, tome 1 : 1954-1957 . yves courrière

* كتاب العفن للمفكر مالك بن نبي

* كتاب أثار الامام البشير الإبراهيمي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!