البروفسور حارش يجيب على سؤال: لماذا لم يكتب الأمازيغ كتبا بلغتهم قديما؟
رد على سؤال فايس – بوكي
سألني صديق على الفايس – بوك , لماذا لم يكتب اسلافنا الامازيغ كتب و لا رسائل او مرسلات مع اصدقائهم او خصومهم الرومان ؟
لماذا تبنى الامازيغ دائما عبر الزمان لغة الاخر , رغم انهم كانت لهم لغة تخاطب و كتابة ؟
اذن من فضلك , ان كنت تعرف الاجابة , قل لي لماذا؟
الواقع الاجابة على مثل هذا السؤال , الذي يطرح عدة اشكاليات غير ميسور ايجاد الجواب لها في ظل المادة العلمية المتوفرة , خاصة و انا افهم السائل , الذي ينظر للأشياء من منظورنا الحالي للعلاقات الدولية .
اسأل انا بدوري , هل وجدنا مراسلات و رسائل بين روما , و مختلف دول المدن الاغريقية او مع مصر او غالة او غيرها من بلدان العالم القديم ؟
و هل وجدنا مختلف المعاهدات و الاتفاقيات , التي عقدت بين روما و قرطاجة في لغتي الدولتين؟
و هل وجدنا شيئا عما كان يدور من اتصالات بين روما و المدينة الفوسية “ماتسالوم/ ماتساليا”(مارسيليا حاليا), او صاغنتوم الحليفتين لروما ضد قرطاجة ؟
لا لم نجد شيئا من هذا , وكل هذه الدول ( مصر,بلاد الاغريق , قرطاجة و حتى نوميديا), كانت لها لغاتها و كتاباتها, لكن لم يصلنا شيئا من ذلك , ما وصلنا , وصلنا عبر كتابات المؤرخين الاغريق و الرومان , وطبعا في هذه الحالة باللغة الاغريقية او اللاتينية سواء في حالة قرطاجة او مصر او غيرها من بلدان المتوسط , ولم تكن نوميديا او موريطانيا استثناءا.
هل معناه ان البونيقيين (القرطاجيين) لم يكتبوا , هل لم يكتب المصريون …؟
هذا حول الشطر الاول من السؤال , اما الشطر الثاني الخاص بتبني الامازيغ لغة الاخر , فيبدو لي مبالغ فيه , لأنه لو تبنى الامازيغ دائما لغة الاخر , لما وصلت الينا الامازيغية , ولا ندثرت , مثلما اندثرت الفرعونية في مصر , و الفينيقية و الارامية و العيلامية في الشام و الكلدانية و الاشورية …في العراق .
اذن نجد مبالغة في تلك الكتابات , التى تركز على عالم المدن , وتتناسى عالم الريف, و نسبة كبيرة من السكان في تاريخنا , هي في الارياف و الصحاري و الجبال , وحتى المدن لم تتبن كلها لغة الدخيل سواء في الفترة الرومانية او حتى الاستعمار الفرنسي , و الذين كتبوا في تلك اللغات قديما او حديثا , فرضوا انفسهم , حتى في تلك اللغات , ولم ينسلخوا عن مجتمعاتهم , بل اغلبهم كان يعبر في تلك اللغات عن هموم و معاناة و تطلعات مواطنيهم لإيصال اصواتهم , فأعمال محمد ديب او مولود فرعون … حديثا و اعمال ابوليوس و فرونطو و ترتوليانوس قديما , كانت احسن تعبير عن ذلك .
لكن يبقى منطلق السؤال , هو الاشكال . لأننا , ننظر للماضي من زاوية الحاضر, حاضر الحدود الثابتة , حاضر الجنسيات و خاصة حاضر القوميات! بداية من القرن التاسع عشر مع قيام الوحدة الايطالية و الاتحاد الالماني , ثم ظهور باقي القوميات , منها القومية العربية التى دعا لها الانجليز و دعمها الفرنسيس و الروس و الامريكان , و جسدها المسيحيون العرب , بهدف ضرب الخلافة الاسلامية .
قبل ذلك كان المعتقد (الدين الاسلامي), هو الجامع , نعرف ان جوهر الصقلي , الذي قاد الفاطميين الى مصر , لم يكن بربريا, باعتبار الامارة بربرية , ولم يكن عربيا , لكنه كان مسلما , عبد الرحمن بن رستم الذي اسس الدولة الرستمية في تيهرت , لم يكن عربيا و لا بربريا, سيبويه واضع قواعد النحو العربي , لم يكن عربيا , ابو حامد الغزالي و ابن سينا و ابن حمديس اكبر شعراء صقلية و اسماء كثيرة جدا لفلاسفة و ادباء و اطباء , لم يكونوا عربا, بل كانوا مسلمين اثناء الجهاد البحري الجزائري (القرن السادس عشر- التاسع عشر ) مراد رايس لم يكن لا تركيا و لا عربيا او بربريا و انما من سردينا , حسين فينيزيانو من البندقية , وعلج علي و غيرهم حوالي ثلاثمائة من رياس البحر من الاعلاج ( اي من الذين ارتدوا من المسيحية الى الاسلام) , لم يكونوا لا عربا و لا اتراكا و لا بربرا , بل كانوا مسلمين , اذن الجامع المشترك عند هؤلاء هو الاسلام و العربية لغة القران , فكتب بها كل المسلمين بلا حرج و الان في عصر القوميات , الكل يسعى للحفاظ على مقوماته و المقوم الاساسي , هي اللغة , التي تعد “روح الامة” , وحياتها و تبقى الامة حية بدوام لغتها , و اذا فقدت لغتها , تكون قد فقدت الحياة و ذابت في غيرها.
هذه بصفة عامة , طبعا السائل , يسألني , لماذا لم يكتب اسلافنا , لا كتب و لا رسائل او مراسلات ؟ من يدري ؟ ان كتبوا او لم يكتبوا ؟ اذا كان حتى ما كتبوه في لغة الاخر , لم يصلنا!
انا اتساءل بدوري , كيف و صلتنا اعمال هيرودوت من القرن الخامس ق.م , وقبله هوميروس بعدة قرون و اعمال فيثاغورس من القرن السادس ق .م , و افلاطون و ارسطو و ابيقور من القرن الرابع و بوليبيوس من القرن الثالث ق .م , وغيرهم كثيرين , ولم يصلنا ما كتبه يوبا الثاني (50 ق.م -23 م), ولا جده هيمصال الثاني قبل ذلك بقليل (ملك 87-60 ق.م) و نحن نعرف ان يوبا الثاني , الملقب بالملك العالم , كتب ما لا يقل عن تسعة كتب في مختلف فنون المعرفة .
كيف وصلتنا اعمال القديس اوغسطنيوس الموالي للكنيسة الرسمية , بما فيها رسائله لأصحابه , و لم يصلنا اي عمل من اعمال دوناتوس الكبير و بارمينيانوس و انصارهم من الدوناتيين , اذ بعد وفاة دوناتوس سنة 355 م خلفه بارمينيانوس , رجل نابغة هو الاخر ,و مبجل من طرف الدوناتيين , اذ تمت مصادرة كتابات دوناتوس و بارمنيانوس , اثناء الاضطهادات , التي تعرض لها الدوناتيون من طرف السلطات الرومانية و الكنيسة الرسمية , وتم اتلافها , و لا نعرفها الا من خلال الاشارات و الاستشهادات الموجودة في كتب المجادلة للقديسين اوغسطنيوس و ابتاتوس الميلي.
عرفنا ان ابن تومرت , قد وضع الاذان بالامازيغية , وكان يلقى دروسه بالامازيغية , و هناك حتى من يقول بترجمته للقرآن في عهده , و بل عرفنا ترجمتين اخريين للقرآن في قبيلة برقواطة , وقد قطعت رؤوس المترجمين بدعوى الهرطقة … تصوروا مبلغ الخسارة ,التي اصابت الامازيغية بإتلاف الترجمتين , او تلك الترجمات , مهما كان نوعها و مستواها و هدفها .
اذن قبل القاء اللوم على هؤلاء الاسلاف , الذين عاشوا في ظروف لا حدود ثابتة فيها و لاجنسيات و لا قوميات خاصة , ومع ذلك , اوصلوا لنا الامازيغية و لو مبتورة , ماذا فعلنا نحن الان في عز القوميات في عز الفضاء المفتوح لنحافظ عليها ككيان لنا , لان من فقد لغته , فقد وجوده ما دامت اللغة , هي “حياة الامة” , بفقدانها , تفقد حياتها و وجودها.
و بعد ان اصبحنا عربا على لسان بن بلة سنة 1962, ها هي ارض الجزائر , تصبح عربية ” الجزائر ارض عربية” في مسودة مشروع دستور 2020 , ولو سئلت الارض ,لاجابت الجبال و الانهار و السهول و الصحاري, بغير ذلك .
البروفسور محمد الهادي حارش
عين البنيان :27-05-2020