أقلام حرة

“شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب” السياق التاريخي والتوظيف السياسي

أستغرب من الذين يطالبون خصوم ابن باديس بقراءة خطاباته ومواقفه في سياقها التاريخي لكن لما يصلون الى مقولته ” شعب الجزائري مسلم والى العروبة ينتسب” تجدهم لا يرفضون فقط اسقاط السياق التاريخي عليها كما يطالبونه في بقية كلامه المهادن لفرنسا ، بل يصرون على جعل تلك المقولة، آية قرآنية، صالحة لكل مكان وزمان، ومن كثرة الترويج الاعلامي والاستغلال الشعبوي لها، أصبح أغلبية الجزائريين اليوم لا يعرفن من كل كلام ابن باديس غير هذه المقولة.

فيا أساتذة التعليم المتوسط والثانوي والجامعي و يا طلبة … للمرة المليون،
شعب الجزائر مسلم***وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله***أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا له***رام المحال من الطلب
ليست آية قرآنية ولا مادة من دستور البلاد بل هي قصيدة شعرية لعبد الحميد إبن باديس ألقاها بمناسبة احتفال مدرسة التربية والتعليم بالمولد النبوي بقسنطينة سنة 1937 للرد على فرحات عباس الذي نشر مقاله الشهير “فرنسا هي أنا” في جريدة “لوتان” (Le Temps) يوم الخميس 27 فبراير 1936 والذي جاء فيه : « لو أنني اكتشفت الأمة الجزائرية ، لصرت وطنيا ولا أخجل من ذلك…إن الجزائر كوطن قومي هو مجرد أسطورة .بحثت عنه فلم أجده . ساءلت التاريخ ، ساءلت الأموات ومعهم الأحياء ، زرت المقابر ، ولا احد أجابني…»

هذا المقال هو ما أغضب عبد الحميد بن باديس فرد عليه بتلك الأبيات وخاطب فرحات عباس بعبارة ” أو راما إدماجا له *** رام المحال من الطلب” أي من أراد او فضل الإدماج فقد طلب المحال. فهي اذا للرد على من أراد ودافع عن فكرة ذوبان الهوية الجزائرية في المكون الفرنسي المسيحي من الشبان المفرنسين في الحركة الوطنية والذين رد عليهم كذلك بمقال قال فيه : « نحن العلماء، المتحدثون باسم غالبية الأهالي ، نقول للذين يحسبون أنهم فرنسيين : إنكم لا تمثلونناḷ …فالشعب الجزائري المسلم له تاريخه، ووحدته الدينية، ولغته، وثقافته، وتقاليده…هذا الشعب المسلم ليس فرنسيا ، ولا يمكنه أن يكون فرنسيا ، ولا يريد أن يكون فرنسيا...» (الشهاب ، أبريل 1936م)

ولنفهم الموضوع جيدا في سياقه الحقيقي لابد من العودة أولا الى النقاش الذي ساد الحركة الوطنية خلال فترة (1919-1939) حول مسألة الاندماج، عن طريق التجنيس، التي طرحتها الإدارة الاستعمارية عبر سلسلة من القوانين الساعية الى تجنيس الأهالي إبتداءا من قانون “سناتوس-كونسلت” في 14 جويلية 1865 ثم قانون 4 فيفري 1919 الى قانون “بلوم-فيوليت” سنة 1935. وهي المسألة التي قسمت النخبة السياسية في الجزائر الفرنسية أنذاك الى ثلاثة أقسام هي:

1 – قسم قبل بالجنسية الفرنسية لغة وثقافة وترك أحواله الشخصية مثله المفرنسون امثال فرحات عباس .
2 – قسم طالب بالجنسية الفرنسية من أجل بلوغ الحقوق المدنية مثل المواطن الأوروبي واليهودي شرط الإحتفاظ بالأحوال الشخصية من لغة ودين وهو القسم الذي مثلته جمعية العلماء المسلمين.
3 – قسم رفض التجنيس جملة وتفصيلا وطالب بالإستقلال والتحرر الكلي وهو تيار نجم شمال افريقيا .

وهذه القصيدة جاءت في سياق الخلاف السياسي بين القسم الاول للشبان المفرنسين وجمعية العلماء المسلمين المحافظين ممثلة في الشيخ عبد الحميد إبن باديس الصنهاجي الذي عبر على الادماج القومي (اللغة والدين) الذي رفضه وطالب بالاكتفاء بالإدماج السياسي (الجزائر أرض فرنسية والجزائريون فرنسيون مسلمون) أي أنه رد على الذين ارادوا صهر وتذويب الهوية الجزائرية في الهوية الفرنسية المسيحية، بأن الشعب الجزائري مسلم والى النطاق الحضاري العربي الاسلامي ينتمي (ثنائية الصراع الحضاري العربي الاسلامي ضد الغرب المسيحي)، ولم يكن الغرض منه التنكر للعرق الامازيغي الذي كان يعتبره إبن باديس الأصل الذي منه إنتسب الشعب إلى الحضارة الاسلامية العربية كما يظهر هذا لنا في مقال نشر بن باديس في مجلة الشهاب الجزء 12 العدد 13 صدر في فيفري 1938 افتتحته بالقول : ” ما من نكير أن الأمة الجزائرية كانت مازيغية

أما الذين يربطون هذه القصيدة بما يناضل لأجله التيار الأمازيغي ويعتقدون أنها إستعملت في إطار هذا الصراع بين دعاة الأمازيغية والعروبة فعلهم ان يدركوا أن القصيدة جاءت قبل ظهور الخطاب القومي الأمازيغي الذي ظهر كردة فعل طبيعية لظهور الفكر القومي العروبي داخل حزب الشعب ابتداءا من سنة 1947 حينما بعث مصالي الحاج المتأثر بأفكار شكيب ارسلان أحد منظري القومية العربية والمنظر لفكرة الوطن العربي ، ببيان الى الأمم المتحدة يعرف فيه مصالي الأمة الجزائرية ولأول مرة بانها “عربية مسلمة” وهو ما أغضب بعض المناضلين الأمازيغوفونيين داخل الحزب وأعتبروا ذلك إقصاء للبعد الأمازيغي للشعب والبلاد، حيث سيبدأ الشقاق والخلاف داخل الحزب الذي ينحدر أغلبية أعضائه من المناطق الأمازيغوفونية حسب شهادة أيت أحمد في مذكراته ، ويظهر ما عرف بالأزمة البربرية سنة 1949 رغم أن الحقيقة كانت أزمة عروبية، فالبربرية كانت في أرضها وبين أهلها و لم تكن دخيلة مثل القومية العربية المؤدلجة (لا نقصد التراث العربي) ، فالمسألة الأمازيغية والقومية، كانت إذا سجال بين مناضلي حزب الشعب فقط ولم تكن مطروحة في زمن إبن باديس صاحب المقولة و الذي توفي في 16 أفريل 1940 .

تجدر الاشارة هنا إلى أن السخط الذي مارسه إبن باديس على نخبة الشبان الجزائريين المتجنيسن الادماجيين في الحركة الوطنية كما أسلفنا، قابله ترحيب ودعم ومهادنة غريبة منه لسياسة فرنسا الاندماجية ! يبررها البعض بكون الجمعية دعاوية إصلاحية وليست حزب وأنها الطريقة الوحيدة للبقاء والإستمرار، نختصر بعض من هذا الكلام على سبيل المثال لا الحصر :
– «…فما ينقم علينا الناقمون ؟ أينقمون علينا تأسيس جمعية دينية إسلامية تهذيبية تعين فرنسا على تهذيب الشعب وترقيته ورفع مستواه إلى الدرجة اللائقة بسمعة فرنسا ومدنيتها وتربيتها للشعوب وتثقيفها فإذا كان هذا ما ينقمون علينا فقد أساءوا إلى فرنسا قبل أن يسيئوا إلينا…» (عدد 1 ، السنة 1، الجمعة 27 ديسمبر 1935 ، ص.1)
– « أفظننتم أن الأمة الجزائرية ذات التاريخ العظيم تقضي قرنا كاملا في حجر فرنسا المتمدنة ثم لا تنهض بجنب فرنسا تحت كنفها ، يدها في يدها ، فتاة لها من الجمال والحيوية ما لكل فتاة أنجبتها أو ربتها مثل تلك الأمم ، أخطأتم يا هؤلاء التقدير…» (جريدة الشريعة ، عدد 1 ، الاثنين 17 جويلية 1933 ،ص.1)
– « ولأننا مستعمرة من مستعمرات الجمهورية الفرنسية نسعى لربط أواصل المودة بيننا وبين الأمة الفرنسية وتحسين العلائق بين الأمتين المرتبطتين بروابط المصلحة المشتركة والمنافع المتبادلة من الجانبين ، تلك الروابط التي ظهرت دلائلها وثمراتها في غير ما موطن من مواطن الحرب والسلم » (عمار الطالبي ، ابن باديس : حياته وآثاره . ج1.م1. الجزائر، 2009 ،ص 287)
وبهذا نستنتج أن رفض ابن باديس لتجنيس الجزائريين بالفرنسية وإصداره لفتوى تحرم ذلك هو لحماية الاسلام والعربية من هذا التهديد والذوبان الذي فرضه واقع الإستعمار الذي كان إبن باديس يعتقد بضعف الأمة الجزائرية أمامه مما يستوجب الاعتماد على خطاب المهادنة والتناغم مع فرنسا للحصول على أكبر قدر من المكاسب والحقوق المدنية ، وهو ما جعله يطالب بمطلب فصل الدين الاسلامي عن الدولة الفرنسية و اعتبار اللغة العربية كالفرنسية لغة رسمية، وهي المطالب التي رفعها في المؤتمر الاسلامي سنة 1936 والتي تنتدرج كذلك ضمن مسيرته النضالية لحماية المكون الجزائري.

خلاصة القول أن القصيدة لم تعد صالحة الاستعمال اليوم بسبب تحقيق ضرورتها وهدفها المتمثل في حماية المكون الاسلامي العربي الجزائري من الواقع الاستعماري الذي فرض الفرنٓسٓة والإنجيل . كما أن إخراج قصيدة “شعب الجزائر مسلم” من سياقها التاريخي المذكور أعلاه لإستعمالها اليوم في المناهج التربوية أو في الإجتماعات السياسية في جزائر التعدد والمصالحة مع الذات والبعد الأمازيغي الذي تم توطين وترسيم لغته في دستور البلاد الذي أدرجه ضمن ثوابت الأمة كذلك ، إنما يراد بهذا تذويب المكون الأمازيغي في بوتقة العروبة و هو بذلك يحل محل الإستعمار الفرنسي الذي كان يريد تذويب المكون الجزائري في الفرنسي ، أما الاستنكار والرفض الذي يعبر عنه التيار الأمازيغي لهذا الإقصاء والمطالبة بفصل الدين عن الدولة الجزائرية أو علمنة الدولة هو لتحقيق نفسه الغرض الذي سعى اليه ابن باديس خلال الجزائر الفرنسية، ألا وهو الحفاظ على المكون الجزائري الأمازيغي المحلي الأصيل من الذوبان في العروبة القومجية التي فرضها الإستقلال المسلوب كما كان الاستعمار الفرنسي يفرض الفرنسبة والإنجيل .

بقلم الأستاذ : مصطفى صامت

تعليق واحد

  1. بالطبع هاذ العرابيش(وأنا أسميهم عرابيش لأنهم ليسوا عرب) الذين ضيعوا وتنكروا لأصلهم وهويتهم الأمازيغية الشمال افريقية كل همهم اليوم هو محاولتهم باستماتة أن يغطوا على عارهم وخزيهم وذلهم الذين عاشوه ولا زالوا يعيشوه لما أسيادهم العرب في قارة آسيا ينكرونهم ويطردونهم ويتبرؤون منهم ولا يريدون أن يتبنوهم ولو كمجر عبيد عندهم
    فلذلك رأينا ولازلنا هاذ العار-ابيش كل مرة يحاولون الانتساب لجهة ما
    فمرة يحاولون الإنتساب لليمن ومرة للهيلاليين ومرة للقريشيين ومرة للبونيقيين ومرة للفينيقيين ومرة للشكوبي…!!
    ولما كل هاذ الجهاة تطردهم وتتبرأ منهم، نا بقي لهم إلا أن يتهجموا كي لحلالف على سيادهم لي مزالهم متمسكين بهويتهم الأمازيغية الشمال افريقية وخاصة لقبايل،
    يعني تماما كي هذيك لمخنزة لي وسخت النيف ديالها، ومن بعد تلقاها تحاول تنشر الأكاذيب والأباطيل على بنات الجيران باه ما تبقاش غير هي لفايحة بين الناس..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!