قراءة في النسخة الفرنسية لبيان أول نوفمبر 1954 والأخطاء الواردة في النسخة المترجمة
رغم مرور أكثر من نصف قرن من الاستقلال لازال أغلبية الجزائريين لا يعلمون أن بيان أول نوفمبر 1954 كتب بلغة المستعمر، مثله مثل أرضية الصومام 1956، واتفاقيات إيفيان 1962 وكل الوثائق والمراسلات التي كانت بين المجاهدين بل حتى الراية الوطنية تم تركيب ألونها وإتجاه رموزها من اليسار الى اليمين لأن صاحبة التصميم هي الفرنسية إميلي بوسكوانت في حين أول وثيقة أرسلها الاستعمار الفرنسي عشية الاحتلال جويلية 1830 الى الجزائريين كانت بالعربية (باللهجة الشامية) .
تعتبر النسخة الاصلية المكتوبة بالفرنسية لبيان أول نوفمبر 1954 وثيقة نادرة، فهي مفقودة على مواقع النت وغير واردة في الكتب التاريخية عكس النسخة المترجمة التي لا تكاد تخلوا أي إدارة حكومية منها، وكأن الأمر مدبر أو أن لعنة ما قد حلت الى النسخة الفرنسية الأصلية .
سنكون مسرورين إذا بنشر هذه النسخة الفرنسية (الملعونة) من هذا البيان التاريخي الذي لم يجد له مترجما في الجزائر يوم صياغته من طرف بعض الشباب المفرنس المفجر للثورة التحريرية حتى تم نقله الى مصر ليتم ترجمته هناك مع أخطاء لا ندرك حتى الآن إن كانت مقصودة أم مجرد سهو وكذلك مع إضافة البسملة فيه والتي لا نجدها في النسخة الأصلية .
حقيقة بيان أول نوفمبر 1954
قبيل موعد تفجير الثورة المباركة انتدبت «لجنة الستة » كل من المناضل الشاب محمد بوضياف ومراد ديدوش لوضع الصياغة النهائية لبيان إعلان الثورة، والذي كان قد تم وضع خطوطه العريضة في اجتماع 10 أكتوبر 1954م المنعقد بالمرادية في أعالي مدينة الجزائر، اجتمع بوضياف وديدوش بالصحفي المناضل محمد العيشاوي (اصله من سي مصطفى بومرداس ) في محل المناضل الخياط عيسى كشيدة بممر «مالكوف» في القصبة السفلى، وأمليا عليه ما تم الاتفاق حوله في «لجنة الستة» مستعينين في ذلك بمرجعية سياسية وإيديولوجية محددة هي لوائح “المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية” المنعقد بمدينة الجزائر في أفريل 1953م .
بعد الانتهاء من صياغة بيان أول نوفمبر 1954 م باللغة الفرنسية وعرضه على لجنة السنة التي وافقت عليه تم الاتصال مرة أخرى مع الصحفي العيشاوي لعرض نسخ البيان فاتصل به ديدوش مراد لمواصلة المهمة، اشترى له كل ما يلزم من حزم الاوراق والحبر حتى يتمكن من رقنه وسحبه في جو آمن ومن أجل ذلك الأمن تم نقل العيشاوي الى قرية إيغيل إيمولا في ولاية تيزي وزو، تحت إشراف علي زعموم ومسؤول المنطقة الرابعة رابح بيطاط، كما تم توثيقه في شهادة عيسى كشيد صاحب المحل الذي إجتمع فيه ديدوش وبوضياف مع العيشاوي أي أن عيسى كشيدة هنا هو شاهد عيان (01)
وفي شاهدة للمناضل علي زعموم حول حيثيات طبع البيان التاريخي قال: ” استقبلت في تيزي وزو الصحفي العيشاوي محمد المبعوث من طرف اللجنة لغرض طبع الوثيقة ، و قد رافقته ليلا إلى قريتنا و في منزل بن رمضاني عمر أطلعته على النص المراد كتابته بالآلة الراقنة و كنا نطلع على محتوى الورقتين ،و كان نداء للشعب الجزائري و إلى مناضلي القضية الوطنية اندلاع حقيقي للثورة الذي سينطلق في الفاتح نوفمبر 1954 و تحت ضوء المصباح التقليدي قام العيشاوي برقن النص ثم ذهبنا إلى ايدير رابح كان مناضلا في صفوفنا لسحب النداء كون منزله مزود بالطاقة الكهربائية كان من الصعب تشغيل الآلة دون أحداث ضجيج تجنبا لجلب الشكوك إلينا و كان مستودع ايدير يقع تحت المتجر الذي كنا نسهر دوما و لتغطية ضجيج الالة طلبنا من بعض المناضلين السهر في المتجر مع إحداث الضجيج في لعبة الطمبولا مع مراقبة دوريات الحرس البلدي و نحن طول الليل نسحب نداء الفاتح نوفمبر الذي يعتبر شهادة ميلاد جبهة التحرير الوطني” . كان ذلك في 31 أكتوبر 1954 وتم طبع 1100 نسخة ووزع البيان الى عدة شخصيات (02).
الأخطاء الواردة في الترجمة العربية لبيان أول نوفمبر 1954:
إذا كنا ندرك من خلال الشهادات التاريخية هوية محرر بيان أول نوفمبر بنسخته الفرنسية الاصلية ومكان كتابته وسحبه فإننا نجهل حتى الآن صاحب الترجمة الى العربية، هذا على الأقل ما شهد به المجاهد والمؤرخ الدكتور محمد العربي الزبيري والذي يؤكد كذلك أن الأخطاء الواردة في الترجمة العربية قد أدت إلى تشويه المعنى المقصود، وأحدثت كثيرا من الارتباك في الوثيقة إلى درجة أن البيان أصبح من الصعب تفسير العديد من المواقف المعبر عنها بعكس الصواب. هناك، في البداية، مشكل المصطلحات التي تم تعريبها بدون دقة وبدون كثير من الاهتمام نظرا لضيق الوقت أو لإهمال الدقة والتفاصيل ” (03) ومن بين الأخطاء التي جاءت في النسخة العربية :
1- عبارة : Proclamation في الصفحة الاولى تم تعريبها الى “الإعلان” بدلا من “البيان“
2- عبارة Programme عربت ب المشروع بدلا من البرنامج.
3- عبارة Le bien fondé de nos vues عربت ب مقومات وجهة نظرنا الأساسية بدلا من صواب رؤيتنا.
4- عبارة Après des décades عربت بعد مراحل من الكفاح بدلا من بعد عقود،
5- عبارة Les problèmes mineurs عربت المشاكل الثانوية بدلا من المشاكل الصغيرة.
6- أما في الصفحة الثانية فقد تم تغيب ترجمة نصف جملة بأكملها
7- Les compromissions عربت بالتنازلات بدلا من الشبهات،
8- Les patriotes عربت بالمواطنين بدلا من الوطنيين.
9- في الصفحة الثالثة إغفالات أخرى لم يتم ترجمتها .
10- عبارة Les édits et les décrets عربت بالأقاويل والقرارات بدلا من الأوامر السلطانية والمراسيم،
11- La charte عربت وثيقة بدلا من ميثاق.
هذه الأخطاء التي أوردها الدكتور محمد العربي الزبيري كثيرا ما يتحجج البعض بأنها أخطاء طفيفة، وأن بيان أول نوفمبر ليس قرءآن،وهو كذلك من حيث انه ليس بقرءان، لكن المشكلة أن أصحاب هذا الكلام وأغلبهم من التيار التعريبي هم أنفسهم من جعل من هذه الوثيقة التاريخية قرءآن ودستورا لما يتعلق الأمر بموضوع الهوية التي وردت فيه من عروبة وإسلام دون البعد الأمازيغي لأسباب لها سياقها التاريخي، رغم أن البيان قد ذكر إحترام الاختلاف العقائدي واللغوي والعرقي الذي لا يعترفون به، ورغم أن الأخطاء لم تكون طفيفة على المحتوى والمعنى الأصلي كما يدعون بل إن بعظها قد غير في توجه والمعنى المقصود في النسخة الفرنسية الأصلية مثل عبارة restauration de l’Etat التي تم تعريبها الى إقامة الدولة الجزائرية ذات السيادة بدلا من إعادة بناء الدولة. فالترجمة الحالية جعلت الدولة الجزائرية ولدت في 1962 والغريب في الأمر أن التيار التعريبي هو نفسه من يروج لفكرة ” الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية” فهل الدولة الجزائرية تأسست في 1962 كما جاء في النسخة المعربة لبيان أول نوفمبر 1954 أم في 1832 من طرف الأمير عبد القادر ؟
كذلك عبارة democratique et sociale حيث تم نزع et (الواو) وترجمت الى ديمقراطية إجتماعية التي لها دلالة سياسية أخرى حيث أن العبارة الأصلية في النسخة الفرنسية تجمع بين النظام الديمقراطي والعدالة الإجتماعية وهو ما يجمع بين التيار الاشتراكي المركسي والليبرالي لتفادي الوقوع في الصراع الأيديولوجي السائد آنذاك حول لمن الأولوية للعدالة الإجتماعية أم للديمقراطية؟، خاصة أن الكثير من المتأثرين بالماركسية آنذاك كانوا يرون أن الديمقراطية مرتبطة بالإستغلال الرأسمالي الذي يعارضونه .
و اذا كانت عبارة ” في ايطار المبادئ الاسلامية” التي لا تعني على أسس الشريعية الاسلامية كما يتوهم البعض ، قد وردت في النسخة الفرنسية والمترجمة لاحقا، والتي لا نستبعد أنها جاءت لمغازلة التيار الباديسي (جمعية العلماء المسلمين) الذي لم يتحمس للعمل المسلح قي بدايته ، إلا أن البسملة أضيفت في النسخة العربية ولم تورد في النسخة الفرنسية الاصلية التي يبدوا أن محرري البيان تفادوا ذلك ليس سهوا ولا كرها للدين الاسلامي إنما لإبعاد صفة الثورة الدينية والصراع الاسلامي الصليبي عنها وجعلها ثورة شعبية لتصفية الاستعمار القديم وحق تقرير المصير كما تنص عليه مواثيق الأمم المتحدة، وهو ما قام به مؤتمر الصومام لاحقا، وهذا ما ساهم في جلب التعاطف العالمي للثورة والقضية الجزائرية وشارك فيها مسيحيين ويهود وملحدين من دولة مختلفة.
الشهيد قاسم زردود ليس محرر بيان اول نوفمبر:
في تاريخ 18 نوفمبر 2019 قام موقع الاذاعة الجزائرية الحكومي (www.radioalgerie.dz) بنشر موضوع عنوانه ” استذكار مآثر المجاهد ابراهيم زدور بلقاسم المهاجي المحرر الأول لبيان 1 نوفمبر 1954 باللغة العربية” وكانت هذه الاشاعة قد انتشرت في الفايس بوك منذ 2016 من طرف التاير الذي يعرف نفسه بالباديسي وصدقها الكثير رغم عدم وجود أي دليل عليها، الغريب أن موقع الاذاعة الجزائرية قد نشر الموضوع في عز الحراك الوطني الذي شهدنا فيه استقطاب ايديولوجي واسع مارسه ضباط نافذون في المؤسسات الأمنية لغرض تصفية حسابات سياسية بين أجنحة متصارعة و لبث الفرقة وكسر وحدة الحراك السملي .
الشهيد قاسم زدّور الذي كان مثقف بالعربية والفرنسية ويتكلم الانجليزية والفارسية وهو صديق بلقاسم ناث بلقاسم الذي تكلم عنه كثيرا ولم يذكر انه هو من حرر بيان اول نوفمبر . تم القاء القبض عليه في 2 نوفمبر1954 بعد عودته من القاهرة ثم تم اطلاق سراحه واعادة القبض عليه في 6 نوفمبر في وهران و قتل تحت شدت التعذيب في العاصمة رميت جثته الطاهرة في البحر في نفس الاسبوع ونفت السلطات الفرنسية ذلك وقالت انه فر من السجن. وليس هناك اي دليل على أنه محرر البيان وبالعربية (!!!) كما جاء في موقع الاذاعة الجزائرية (04)
ميثاق جبهة تحرير الجزائر1955 وليس بيان أول نوفمبر 1954:
كثيرا ما يتم الترويج في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المدونات لصورة ميثاق جبهة تحرير الجزائر 1955 للاستدلال بها على عروبة بيان أول نوفمبر ومشاركة جمعية العلماء فيه على أساس أنها بيان أول نوفمبر 1954، رغم أنها مكتوبة بالعربية ومعنونة “ميثاق جبهة تحرير الجزائر” فما هي حقيقة هذا الميثاق وما أسباب الاجتماع عليه وهل تم العمل به ؟
الميثاق جاء في كتاب فتحي الديب (مسؤول المخابرات المصرية) حول الشؤون المغاربية (05)، ولا علاقة له ببيان أول نوفمبر الذي تم في 1954 ، وقد كتب بعد لقاء بالقاهرة في 17 فبراير ,1955 شارك فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ونائبه الورثيلاني ممثلين عن جمعية العلماء ، وأحمد مزغنة ممثلا للمصاليين وحسين لحول ممثلا عن المركزيين وأحمد بيوض ممثلا لفرحات عباس (ليس شيخ بيوض المزابي) ، الشاذلي المكي، محمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد ، وأحمد بن بلة، عن الجبهة . أعلنوا فيه أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل .
أما سبب هذه الوثيقة والاجتماع فقد جاءت بطلب مصري بعد أن ” أعلنت القيادات الحزبية في الجزائر بعد اندلاع الثورة عن عدم رضائها عن الحركة الثورة وأتهمتها بأنها أعمال فردية غير واعية بمصلحة الشعب الجزائري ، بينما اصدرت اللجنة الثورية للوحدة والعمل منشورها الاول الذي يؤكد على سعيهم لوحدة الشعب من أجل العمل على استقلال الشعب ، كما أكد المنشور على عدم وجود اي ارتباط بين قيادة الثورة والأحزاب السياسية في الجزائر ” على هذا الاساس قامت مصر بعقد هذا اللقاء بالقاهرة في 17 فيفري 1955 لغرض توحيد قيادات الثورة مع الاحزاب والتنظيمات في الجزائر ( 06 )
و هذه الوثيقة ليس لها أي قيمة تاريخية لسبب واحد وهو أن الذين جاءت امضاآتهم عليها، بإستثناء اعضاء جبهة التحرير، انقلبوا على اعقابهم وانسحبوا منها . حسب بنيامين ستورا في كتابه عن مصالي الحاج (1898- 1974) يقول ان هذا الاخير اتهم ممثله في القاهرة السيد أحمد مزغنة بالخيانة لما علم بمشاركة جمعية العلماء والبيانيين في ذلك اللقاء وتراجع عن الوثيقة . وبمقارنة تاريخ صدورها 1955 مع الواقع التاريخي الذي يقول أن جماعة فرحات عباس وجمعية العلماء لم يشاركوا في الثورة الا بعد 1956 ، حيث أن العمل المسلح منذ 1954 الى غاية 1956 كان حكرا على جبهة التحرير فقط ، يتضح لنا أن الوثيقة لا قيمة لها . فقد كانت مجرد محاولة لتوحيد صفوف الأحزاب والتنظيمات لأجل العمل المسلح كان مصيرها الفشل .
أما ما ورد فيها من مصطلحات : ( الجزائر العربية المسلمة) ، (الجزائر عربية الجنس واسلامية العقيدة… فهي كذلك تحترم سائر الأديان والمعتقدات والأجناس … ) فهي افكار لها سياقها و كان الغرض منها توحيد الصف للدفاع عن قومية جزائرية سياسية ضد قومية فرنسية سياسية ولم يكن في التفكير الجزائري حينها حديث عن قوميتين (أمازيغية، عربية) مخافة بث الشقاق والفرقة بينهما من طرف فرنسا، اضف الى ذلك أن الفكر الحضاري الاسلامي الجامع للمسلمين هو المسيطر على عقول الشعب قبل تفشي افكار القوميات، كما أن تيار البربريست حينها كان ضعيفا وغائبا تقريبا بعد أن عزله مصالي الحاج من الحزب بعد أزمة حزب الشعب 1949، وحتى آيت أحمد الذي كان قائد المنظمة الخاصة تم ابعاده الى مصر بسبب اتهامه (بالنزعة البربرية) وربما ذلك ما جعله يوقع على ذلك الميثاق لإبعاد تلك التهمة عنه ، وهو الذي قال في كتابه “روح الاستقلال، مذكرات مكافح” صفحة 190، متحدثا عن أزمة 1949، مقولته الشهيرة : ” اذا كنت أنا وبعض الرفاق لم نشهر بالمطلب الثقافي البربري فهذا لأننا أردناها جزائرية عربية كي لا تكون فرنسية في حين أن غيرنا (يقصد التيار العروبي) كان يفضلها فرنسية على أن تكون بربرية “
أما عن سبب عدم مطالبة آيت أحمد عبر حزبه بالأمازيغية بعد الاستقلال الا بعد سنة 1979 فليس لأنه ضدها كما يتوهم البعض بل لإبعاد تهمة الجهوية التي حاول النظام الصاقها بحزبه ، بل اتهمه نظام بن بلة بالعمالة مع اسرائيل في خطاب رسمي من وزير الاعلام آنذاك ، بلعوان، الذي قال انهم القوا القبض على ثلاثين متمردا تابعين لآيت أحمد في ذراع الميزان كانوا على علاقة مع اسرائيل (07) حتى العقيد شعباني الذي تمرد في الصحراء وهو عروبي اسلامي التوجه اتهمه نظام بن بلة انه على علاقة مع عشيقة روسية الاصل تعمل لصالح الكاجيبي قبل إعدامه .
للعودة الى الموضوع نقول أن ما جاء في هذا الميثاق كان كذلك لإقناع جمعية العلماء بالانخراط في العمل المسلح الذي رفضته حيث رفض البشير الابراهيمي حتى وثيقة أول نوفمبر 54 بحجة أنها خالية من أفكار الجمعية ونهجها العروبي الاسلامي كما أكده المؤرخ سعد الله حين علق ناقلا عن الدكتور الطالب الابراهيمي نجل البشير : ” … وأن من يطالع (بيان أول نوفمبر) سنة 1954 يلاحظ، بدون شك، أن هناك غيابًا لمبادئ جمعية العلماء التي رسمتها للجزائر ماضيًا ومستقبلًا، كما يلاحظ أن البيان لا يجيب على بعض النقاط بوضوح كالهوية والإسلام والعروبة، وأنه ليس ميثاقًا أو عريضة مرجعية ذات فلسفة وتصورات حضارية، وإنما هو وثيقة سياسية- صحفية- كتبت فيما يبدو على عجل وصيغت في عبارات بسيطة وعملية. فكيف نتوقع أن يتبنى الشيخ الإبراهيمي ذلك البيان على علاته، وهو الأديب النابغ والممثل الرمز لجمعية أخذت على عاتقها استرجاع الشخصية العربية- الإسلامية للجزائر؟…” (08)
فرغم كل ما جاء في ميثاق جبهة تحرير الجزائر 1955 إلا أن جمعية العلماء كما أكده التاريخ لم تنظم الى الثورة التحريرية بشكل رسمي حينها الا بعد سنة 1956، وان كان الكثير من خرجي مدارسها قد انظموا اليها بصفة فردية وليس باسم او توجيه قيادة الجمعية فإن الشهيد العربي تبسي هو الوحيد الذي انظم من قياداتها و بصفة فردية كذلك ، وقد تم تهميشه وابعاده من طرف رفاقه في قيادة الجمعية بسبب قراره ذلك قبل أن يستشهد على يد قوات الاحتلال بعد التعذيب .
نتسائل اليوم إن كان الذين يسمون انفسهم بالباديسيين يتبنون كل ما جاء في وثيقة اول نوفمبر ومثياق جبهة تحرير الجزائر الذي ولد ميتا ، هل يحترم الباديسي اليوم حرية المعتقد والدين في الجزائر كما جاء في هذه الوثائق أكان المواطن يهوديا أو مسيحيا أو ملحدا… ؟
خلاصة القول أن الرعيل الأول من مناضلي جبهة التحرير لم تكن لهم أي عداوة مع اللغة الفرنسية التي استعملوها لنيل الحرية من الاستعمار الفرنسي، فهذا بن مهيدي وما أدراك ما هو رئيس مؤتمر الصومام ينشر له رسالة في جريدة المجاهد باللغة الفرنسية 1956 يقول فيها أن الثورة التحريرية ليست ضد الشعب الفرنسي بل ضد فرنسا الرسمية والاستعمار ومن اجل نيل الحرية وحق تقرير المصير، فهل أصيبت اجيال ما بعد الشعبوية البومدينية ثم الصحوة الاسلامية في الجزائر بعقدة الاستعمار حتى أصبحت تصبغ كل ما هو جزائري بلون العروبة والاسلام نكاية في فرنسا المسيحية ؟
بقلم الأستاذ: مصطفى صامت
مراجع :
(01) كتاب مهندسو الثورة لعيسى كشيدة صفحة 105
(02) -Jean Vajour, De la révolte à la révolution, éd° Albin Michel, Paris, 1985 P164.
(03) شاهدة المجاهد والمؤرخ محمد العربي الزبيري لموقع الحوار الرابط بعنوان ” مساهمات قراءة متأنية في نداء أو بيان أول نوفمبر 1954″ 2 نوفمبر، 2018
(04) موقع الاذاعة الجزائرية الحكومي (www.radioalgerie.dz)، تاريخ 18 نوفمبر 2019 بنشر موضوع” استذكار مآثر المجاهد ابراهيم زدور بلقاسم المهاجي المحرر الأول لبيان 1 نوفمبر 1954 باللغة العربية”
(05) فتحي الديب، عبد الناصر والثورة الجزائرية، صفحة صفحة 644- 645 .
(06) سيد عبد الرحيم أبو الخير ، سياسة عبد الناصر العربية 1970 – 1952 صفحة 111
(07) Maurice Flory, Jean -Louis Miège, Chronologie 1963, vie politique.
In : Annuaire de l’Afrique du Nord, vol2, CRAM, paris, 1965, pp297- 298
(08) كتاب أثار الامام البشير الإبراهيمي ج05 ص8 تعليق أبو القاسم سعد الله تأليف الدكتور أحمد طالب الابراهيمي