كشف اكتشاف مدينة واد بهت، الواقعة على بعد حوالي 100 كيلومتر من الرباط، والذي ازدهر بين عامي 3400 و 2900 قبل الميلاد، عن مجتمع زراعي معقد كان يعيش في هذه المنطقة خلال فترة لم تكن معروفة الكثير عنها من قبل. يكشف هذا المجتمع عن تفاعلات معقدة مع الثقافات المحيطة في البحر الأبيض المتوسط، مما يقدم نظرة جديدة على الدور المركزي لشمال إفريقيا في نشوء الحضارات المتوسطية.
باختصار:
اكتشف فريق دولي من علماء الآثار من جامعة كامبريدج والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في المغرب في عام 2024 مجتمعًا زراعيًا معقدًا في واد بهت يعود تاريخه إلى حوالي 3000 قبل الميلاد.
كشفت الحفريات عن بقايا حيوانات مستأنسة وأدوات طحن للحبوب وأوانٍ فخارية مزخرفة، مما يشير إلى تبادلات تجارية عبر البحر الأبيض المتوسط.
يظهر واد بهت، وهو تقاطع تجاري استراتيجي، أن المغرب كان يلعب دورًا محوريًا في التبادلات الثقافية والاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط القديم.
التاريخ القديم لإفريقيا، وخاصة المغرب، ظل لفترة طويلة بمثابة نقطة عمياء في تاريخ البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة الواقعة بين الصحراء والبحر الأبيض المتوسط. كشف فريق دولي من علماء الآثار من جامعة كامبريدج والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في المغرب مؤخرًا عن وجود مجتمع زراعي معقد في موقع واد بهت، يعود تاريخه إلى حوالي 3000 قبل الميلاد.
يكشف هذا الاكتشاف، الذي نشر في مجلة Antiquity، عن معلومات جديدة حول العلاقات بين شمال إفريقيا وأوروبا، حيث يوضح وجود روابط تجارية وثقافية أقدم وأعمق مما كان يُعتقد سابقًا. يظهر واد بهت، شأنه شأن المواقع الأوروبية في نفس الفترة، الدور المركزي للمغرب في تطور المجتمعات المتوسطية.
مجتمع زراعي واسع النطاق:
كشفت الحفريات في واد بهت عن واحد من أكبر المجمعات الزراعية في إفريقيا القديمة. يعود تاريخه إلى حوالي 3400 إلى 2900 قبل الميلاد. يشهد هذا الموقع، الاستثنائي خارج وادي النيل، على وجود تنظيم اجتماعي متقدم. في الواقع، تم العثور على بقايا حيوانات مستأنسة، مثل الماعز والأغنام والأبقار. تم العثور أيضًا على أدوات طحن للحبوب ومجموعة متنوعة من الفخار المزخرف.
تشير هذه الأشياء، إلى جانب الحفر لتخزين الطعام المشابهة لتلك الموجودة في إسبانيا، إلى وجود تبادلات عبر البحر الأبيض المتوسط. كانت هذه الحفر تستخدم على الأرجح لحفظ المحاصيل على المدى الطويل، وهي ممارسة أساسية لتطوير مجتمع زراعي مستدام. تؤكد هذه الحفر أيضًا دور واد بهت في شبكات التجارة في ذلك الوقت، لا سيما عبر مضيق جبل طارق.
يضاهي حجم المدينة حجم طروادة في ذروة عصر البرونز. يؤكد هذا أهمية واد بهت في نشر التكنولوجيات الزراعية والابتكارات الثقافية بين شمال إفريقيا وأوروبا. يثبت هذا المجتمع المعقد، على الرغم من أنه كان مجهولًا حتى وقت قريب، وجود ديناميكية تنمية محلية. ولكن تم تجاهلها بشكل غير عادل من قبل علماء الآثار. يقول البروفيسور بروودبانك: “تثبت اكتشافاتنا أن هذه الفجوة في معرفتنا كانت بسبب نقص البحث، وليس لعدم وجود أنشطة ما قبل التاريخ الرئيسية”.
اتصال متوسطي غير متوقع:
يبدو أن المغرب، الواقع عند تقاطع إفريقيا وأوروبا، كان بمثابة تقاطع ثقافي وتجاري ذو أهمية قصوى في نهاية العصر الحجري الحديث. توضح الأدلة الموجودة في واد بهت هذه التبادلات. فهي تؤكد أن شمال إفريقيا كان يلعب دورًا مركزيًا في شبكات التجارة والثقافة في ذلك الوقت مثل المناطق الأكثر شهرة، مثل مصر أو كريت.
تشير الأشياء الأفريقية النموذجية، مثل بيض النعام والعاج، إلى هذه التفاعلات بين المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية. وبالتالي، لم يكن المغرب منطقة معزولة، بل كان جزءًا من نظام للتبادلات عبر البحر الأبيض المتوسط، مما شكل الديناميكية الثقافية والاقتصادية للمنطقة.
كشفت الحفريات في واد بهت عن مجموعة متنوعة من الأدوات التي تعكس مستوى عالٍ من الحرفية والتطور التكنولوجي لدى سكان هذه المنطقة. من بين هذه الأدوات:
الفؤوس الحجرية المصقولة: كانت هذه الفؤوس تستخدم في مجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك قطع الأشجار، وحفر الأرض، وتجهيز الأخشاب لبناء المساكن والأدوات الأخرى. تدل دقة الصنع والتشطيب على مهارة عالية لدى صانعيها.
أدوات الطحن: تم العثور على مجموعة متنوعة من أدوات الطحن، مثل الرحى والأحجار اليدوية، والتي كانت تستخدم لطحن الحبوب والبذور وتحويلها إلى دقيق. يشير وجود هذه الأدوات إلى أهمية الزراعة وطحن الحبوب في حياة سكان واد بهت.
* أدوات القطع: شملت أدوات القطع مجموعة متنوعة من الشفرات الحجرية والعظمية، والتي كانت تستخدم لقطع اللحوم وتجهيز الجلود.
الأدوات الزراعية: تم العثور على أدوات زراعية بسيطة، مثل المناجل الحجرية، والتي كانت تستخدم في حصاد المحاصيل.
الأدوات الفخارية: تم العثور على مجموعة واسعة من الأواني الفخارية، بما في ذلك الجرار والأواني والأكواب. كانت هذه الأواني تستخدم لتخزين المياه والطعام والطهي. بعض هذه الأواني كان مزخرفًا بنقوش هندسية، مما يدل على اهتمام السكان بالجماليات.
يشير تنوع الأدوات التي تم العثور عليها في واد بهت إلى أن سكان هذا الموقع كانوا يتمتعون بمهارات حرفية عالية وقادرين على إنتاج مجموعة واسعة من الأدوات التي تلبي احتياجاتهم اليومية.
المواد الخام المستخدمة في صناعة الأدوات:
* الحجر: كان الحجر هو المادة الخام الأساسية لصناعة معظم الأدوات، خاصة الفؤوس والمناجل وأدوات الطحن. كانت الأحجار المستخدمة تشمل الصوان والبازلت والكوارتز، والتي كانت تختار بعناية لتناسب الاستخدام المقصود.
* العظم والعظام: استخدم العظم والعظام لصنع أدوات أصغر وأكثر دقة، مثل الإبر والمخارز وأجزاء من المقابض. كانت هذه المواد متاحة بسهولة وقابلة للتشكيل.
التقنيات المستخدمة في صناعة الأدوات:
* الصقل: كانت عملية الصقل تستخدم لتحسين حدة الأدوات وتسهيل القبض عليها. كانت تتم عن طريق فرك الحواف الحادة على حجر ناعم أو عظم.
* التشطيب: بعد الصقل، كانت الأدوات تخضع لعملية تشطيب لإزالة الشوائب والحواف الخشنة. كانت هذه العملية تجعل الأدوات أكثر متانة وأقل عرضة للتلف.
* التثقيب: تم استخدام تقنية الثقب لصنع الثقوب في العظام والعظام لإدخال المقابض أو لربط أجزاء الأداة معًا.
مقارنة أدوات واد بهت بأدوات مواقع أخرى:
تتميز أدوات واد بهت بعدة خصائص تميزها عن أدوات المواقع الأخرى في نفس الفترة:
* التخصص: تشير التشكيلة الواسعة من الأدوات إلى وجود تخصص في صناعة الأدوات، مما يدل على وجود مجتمع من الحرفيين المهرة.
* الجودة: تتميز أدوات واد بهت بجودة عالية ودقة في الصنع، مما يشير إلى اهتمام كبير بالتفاصيل.
* التنوع: تتنوع الأدوات الموجودة في واد بهت بشكل كبير، مما يعكس تنوع الأنشطة التي كان يقوم بها سكان الموقع.
أهمية هذه الأدوات:
تعتبر الأدوات التي تم العثور عليها في واد بهت شهادة على مستوى التطور التكنولوجي الذي وصل إليه سكان هذه المنطقة في العصر الحجري الحديث. كما أنها توفر لنا معلومات قيمة حول طبيعة الحياة اليومية لسكان هذا الموقع، بما في ذلك أنشطتهم الاقتصادية وعلاقاتهم الاجتماعية.
المصدر: مجلة science et vie