أقلام حرة

إن صالح أم عين صالح … ما هي التسمية الطوبونيميا الصحيحة ؟!


   لابد وأن الجميع لاحظ الهستيريا الشعبوية التي يعبر عنها البعض في التعليقات كلما ذكرت صفحة اعلامية على وسائط التواصل الاجتماعي إسم “إن صالح” !! حيث إستفاق البعض منهم من نومه ووجد أن تسمية (عين صالح) التي إعتاد عليها قد تغيرت في رمشة عين وفي كل القنوات الاعلامية الخاصة والرسمية ودون اي سابق إنذار فما هو السبب وكيف حدث ذلك ؟

منذ الاستقلال والكثير من التسميات الطوبونيميا* في الجزائر وخاصة في الجنوب تنطق وتكتب بالخطأ في الكتب والوثائق والإعلام الرسمي، بعد إستحداث الولايات العشر الجديدة العام الماضي عاد النقاش حول ضرورة ضبط هذه التسميات وإيجاد مرجعية موحدة للطوبونيميا الوطنية، التي تجاوز إشكال التسمية لبعض البلديات والولايات للايطار الوطني إلى العالمي مع وسائل الإعلام الدولية والانترنت حيث أن ولاية تقرت، التي تعني المكان المرتفع في لسان الإيموهاغ، مثلا نجد لها عشر تسميات مختلفة تكرت، توكرت، توكورت، توقورتToukourt، Toukkort، Toukôrt ، Touqqourt، Touqourt… وهو ما يخال عند الكثير خاصة في التقارير الأجنبية أنها أسامي لمناطق مختلفة .

هذا الإشكال وغيره دفع بعض هيئات الدولة الى عقد ندوة في مارس الماضي بمقر وكالة الانباء الجزائرية حضرها باحثون في المجال أبرزهم فريد بن رمضان, وهو دكتور في علوم اللغة وباحث مشارك في مشروع حول الطوبونيميا بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران (كراسك)، كما شاركت فيه المحافظة السامية للأمازيغية، وقد رفعوا إشكالية إنعدام مرجعية وطنية لطوبونيميا مع بيان حدد فيه التسميات الصحيحة للولايات الجديدة المستحدثة (01) قصد توحيد التسميات لكل الاشكال والاختلاف، وهو ما جعل السلطة. تتبنى مخرجات الندوة بفرض التسميات الصحيحة لهذه الولايات. ولابد أن إنحدار رئيس الجمهورية من تلك المناطق ومعرفته الجيدة لثقافة الجنوب التي تولى فيها مناصب ادارية مختلفة في مسيرته كان لها دور في ذلك . حيث صردت برقية من سلطة الضبط السمعي البصري الى وسائل الاعلام في البلاد بضرورة إحترام التسميات الصحيحة لهذه الولايات (02) . منها إن صالح بدل (عين صالح)، إن ڨزام بدل (عين ڨزام) ، إن أميناس بدل (عين أم الناس !) …

هذا القرار الجريئ أثار حفيظة التيار التعريبي في الجزائر وبدا تناوله على أساس أنها مؤامرة كونية ضده حيث ، نشر يوتوبور يدعى دومير في قناته، فيديو تسائل من خلال عنوانه عن من يقف وراء تغيير هذه الاسماء حديثا وفي كلامه ما يوحي بمؤامرة كونية ضد مقِومات التيار الباديسي ، الشيئ الذي جعله يعبر في التعليقات بتلك الهستيريا .

خلال (التحقيق التاريخي ) المزعوم الذي أجراه صاحب الفيديو حول المسألة، أراد تصحيح ما هو صحيح بما هو خطأ، وأول ما بدا به هو تكذيب تصريح كتابي لمحمد حمزة وهو باحث في التراث الأمازيغي من أبناء الجنوب، قال أن التسمية الصحيحة هي إن صالح وليس (عين) صالح ، اما الرد الذي استعمله المدعو دومير فهو جلب مراجع من الكتب الفرنسية تسمي المنطقة بعين صالح ، وكذلك وثيقة قديمة لأحد أبناء منطقة الجنوب دون فيها عين صالح أيضا ، اضافة الى مرجع من رحلة الاغواطي تم تنقيحها من طرف أبو القاسم سعد الله ذكر فيها “عين صالح” دون البحث إن كان سعد الله قد نقلها من رحلة الاغواطي بتلك الصيغة أم أنه قد غيرها الى عين صالح ظننا منه ان الفرنسيين قد أخطؤوا في عبارة (in ) .

و الحقيقة أن هذا الأسلوب غير علمي تماما لأسباب وجيهة، وهي أن إنتقاء شهادة المؤرخين كما فعل دومير لا تكفي في هذا الموضوع للأسباب التالية :
– توجد مراجع فرنسية كثيرة تسمي الولاية إن صالح بدل عين صالح على سبيل المثال لا الحصر كتاب : In-Salah et le Tidikelt كتب في 1903 (رابطه من الارشيف الفرنسي ( https://cutt.us/uxFMq) فعلى أي أساس نصدق كتاب فرنسي كتب (عين صالح) ونكذب آخر اقدم منه كتب إن صالح ؟

– على أي أساس نكذب باحث في اللغة والتراث الأمازيغي الجنوبي(03 ) بحث فيها بكل ما توصلت اليه الأبحاث اليوم في مجال الامازيغية ونصدق آخر من القرن الماضي ربما لم تتح له وسائل اليوم للحصول على العلم اللازم ، وقد تحدث فقط على (عين) صالح دون بقية الاسماء ؟

– ولماذا ركز دومير على تسمية (عين صالح) فقط دون بقية الاسماء الاخرى التي تم تصحيحها والتي تنتشر بكثرة في الجنوب بصيغة “إن” ؟ هل لأنه لم يجد وثائق قديمة ذكرتها بالصيغة المحرفة ؟ .

المؤكد منه أن البحث العلمي في الطوبونيميا لا يكتفي بذكر ما قاله المؤرخين فقط، بل الأهم كله هو التسمية التي لازالت حية في لسان سكان تلك المنطقة الى غاية اليوم وكذلك ومدلولها اللغوي في لغتهم المحلية المرتبطة بالثقافة الممارسة ، حيث يمكن لأي منا اليوم أن يسئل سكان الجنوب عن التسمية الصحيحة التي ينطقون بها : إن صالح، إن ڨزام، إن أميناس…. (هذا تصريح لأستاذ الامازيغية من الطوارق شارك في الندوة التي طالبت تصحيح هذه الاسامي يؤكد في هذا الفيديو بلسانه أن التسمية الصحيحة هي إن صالح وليس (عين) صالح :



ثانيا وهو امر مهم جدا كذلك، وهو ضرورة الايجابة على سؤال: ماذا تعني “إن” في أسماء المناطق بالجنوب عبر اللغة الأمازيغية لأهل المنطقة ؟

والاجابة هي أن “إن” ظمير الملكية في الصنهاجية، نقول إن صالح أي ملكية صالح، ” celui de salah” . في أمازيغية كتامة وزناتة عند أمازيغ الشمال تستعمل عبارت مختلفة من قبيل “آث” و ” أت” و ” أيت” و “أه”. آث أومالو، آث مناصر، أت مزاب ، أه فارح …

في الجنوب نجد إن صالح ، إن ڨزام ، إن أدق (برج باجي مختار حاليا) ، إن زغمير (بشار) ، إن غار (في ولاية تمنغست) ، إن أمجل (تمغست) ،إن أميناس (في إليزي) ، إن صفراء (في النعامة) ،إن حمو، إن أزارو، إن زغلوف، إن أزواوا، إن طلمين…

وما يدل على صحة وأقدمية ومحلية هذه التسميات هو عندما نعرف المؤنث منها ، حيث يتحول “إن” في المذكر الى “تين” في المؤنث، فنجد تسميات كثيرة في الجنوب في صيغة المؤنث مثل :

تين زاوتين، تين أدوف (تيندوف) ، تين ميمون (بشار) ، تنيركوك الأصل هي تين يركوك (بشار) ، تين ڨنتورين (بدل تڨنتورين)، تين هينان ( أرض او ملكية الملكة هينان الشهيرة واسم هنين عرفناه من خلال كتب التاريخ أنه كان إسم إبنة الخليفة الموحدي ابن تومرت كذلك . لانه اسم شائع عند صنهاجة، تيمياوين (بشار)، تين مياوين (بدل تيمياوين) ، تين بكتو (بدل تمبكتو) …. يمكنكم مراجعة القاموس الخاص بالطوبونيميا الجزائرية الذي صدر مؤخرا عن الدكتور فضيل شريڨن (F. Cheriguen, Dictionnaire de toponymie algérienne des lieux habités, HCA, 2021)

أما (عين صالح) فالتسمية القديمة لها هي “إن تدكلت” والتي يتداولها سكان الولاية اليوم هي “ان سالغ” كما ينطقها أهلها الأمازيغ وهم أدرى بشعابهم .

بقلم مصطفى صامت


هوامش :

* الطوبونيميا هو علم يهتم بدراسة الأصل اللغوي الأنتروبولوجي لأسماء الأماكن والمناطق الجغرافية في كل منطقة من مناطق العالم.
1- لقاء بمقر وكالة الانباء الجزائرية دعى الحاضرون فيه إلى تأسيس مجمع علمي جزائري للطوبونيميا لتسيير أسماء الأعلام والأماكن في الجزائر وهذا بهدف “تنظيم” هذا المجال وإيجاد “مرجعية” في الأسماء في مارس 2021 : https://cutt.us/sEkhl
2- منشور الاذاعة الوطنية نقالا عن سلطة الضبط السمعي البصري حول ضرورة إحترام التسميات الصحيحة للولايات الجديدة من طرف وسائل الاعلام الوطنية : https://cutt.us/N5iEx
3- شهادة الباحث في التراث الأمازيغي محمد حمزة الذي إستهجن تسمية عين صالح وبقية أسماء المناطق المحرفة : https://cutt.us/9eVbs

تعليق واحد

  1. شكرا للأستاذ مصطفى صامت على هاذ التوضيح الجميل
    فعلا يجب استدراك الوضع وتصحيح هاذ الجريمة البشعة والعنصرية القذرة التي تم ارتكابها ضد أسماك المناطق الأمازيغية والتي تم طمسها وتعريبها تحت تلك السياسة التعريبية التعسفية الظالمة
    Tanmirt-ik mass Moustafa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!