أقلام حرة

وضعية اللغة الأمازيغية في مسودة مشروع الدستور 2020 : قراءة في المادتين الثالثة والرابعة

تعوّد المشرع أن يترك بعض الغموض في مواد تشريعيه، حتى يترك هامش التصرف والتفسير للقضاة، وقد لاحظنا هذا الغموض في بعض مواد مسودة الدستور 2020م، لا ندري ، إن كان واضعو هذه المسودة ومن كان قبلهم، قد تعمدوا أيضا ذلك ام لا؟
لاحظنا أولا عدم تطابق النسخة العربية والنسخة الفرنسية، مثال ذلك في الصفحة الخامسة من الديباجة ، ” الجزائر أرض الاسلام وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي وأرض عربية وبلاد متوسطية وإفريقية تعتز بإشعاع ثورتها ثورة أول نوفمبر ويشرفها الاحترام الذي أحرزته وعرفت كيف تحافظ عليه بالتزامها إزاء كل القضايا العادلة”.
هذا في النسخة العربية أما في الوثيقة الفرنسية فنجد :
« l’Algérie terre de l’Islam ,parti intégrante du grand Maghreb ,pays Arabe, méditerranéen et Africain, s’honnore du rayonnement de sa révolution du 1er novembre et du respect que le pays a su acquérir et conserver en raison de son engagement pour toutes les causes juste dans le monde »
أولا النص العربي ” جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير”، بينما في النص الفرنسي ” جزأ لا يتجزأ من المغرب الكبير” و “أرض عربية وبلاد متوسطية وإفريقية” في النص العربي و” بلد عربي متوسطي وافريقي” في النص الفرنسي و”الجزائر أرض الاسلام لا نقاش فيها، وذكرنا العربية لا إشكال، لكن تناسينا، مكون آخر من مكونات الهوية وهي ” الأمازيغية”.
وإذا كانت الديباجة هي القاعدة المتينة التي ينبني عليها الدستور، وإذا أردنا أن نتصالح فعلا مع تاريخنا، لماذا لا نرجع إلى تاريخنا البعيد ونستلهم من ميلاد الفن في صحرائنا ومن أحداث المقاومة والذود عن الحرية والوطن، منذ العصور القديمة، حتى ثورة التحرير المباركة مرورا على نوميديا ومقاومة الاستدمار الأوروبي (الروماني، الوندالي، والبيزنطي) إلى الحركة الوطنية وثورة التحرير المباركة.
التعدد اللغوي في الجزائر، واقع لا يمكن نكرانه أو تجاوزه : اللغة الأمازيغية بمتغيراتها واللغة العربية والتعايش بين هاتين اللغتين الوطنيتين، يعود إلى أربعة عشر قرنا خلت، ولم تكونا في يوم من الأيام مصدر خطر على هويتنا أو وطننا، بل بالعكس كانتا دائما مصدر تبادل وتناقح وتأثير متبادل وبناء، لكن الآن مع ظهور القوميات وبداية التشنج والتطرف علينا أن نحصن شبابنا.
وهو الهدف من تقديم هذه الملاحظات، وأنا لست رجل قانون، بل هدفي إضافة بعض الركائز التاريخية التي يجب أن تكون محل اعتزاز من كل الجزائريين، أود إقتراح ـ “أقول إقتراح” ـ حذف ما يمكن أن يكون مصدر إستفزاز لهذا الطرف أو ذاك، وإضافة ما يمكن أن يدعم وحدتنا، ونحن محكوم علينا بالتعايش، الذي مضى عليه الآن أزيد من أربعة عشر قرنا.
هكذا أقترح إعادة صياغة الفقرة الرابعة من الصفحة الخامسة من الديباجة بواحد من الاقتراحين التاليين:
الاقتراح الأوّل :” الجزائر أرض أمازيغية عربها الاسلام، وهي جزأ لا يتجزأ من المغرب الكبير والوطن العربي وبلاد متوسطية ذات عمق إفريقي”، أو ” بلاد متوسطية إفريقية”.
الاقتراح الثاني : ” الجزائر أرض الاسلام، بمكنونيها الامازيغي و العربي , وهي جزأ لا يتجزأ من المغرب الكبير والوطن العربي وبلاد متوسطية وإفريقية”.
ومقاربتنا هنا، هو مسايرة الواقع التاريخي، وتجنب الإثارة والتعابير المستفزة، التي لا سند ولا قاعدة تاريخية لها، ومن المنطق والمعروف والصائب المتداول، أن الجزائر ” أرض أمازيغية عربها الاسلام” وهي فكرة نجد صداها راسخا في الأذهان وفي تاريخنا القديم وفي الطبونيمية، وتكون بذلك القاعدة المشتركة لكل الجزائريين ، او هي القاعدة التي يمكن اعتبارها بإفتخار واعتزاز كبدايات لثقافة الانسان ومهد آخر للانسانية في افريقيا، يجعل كل الجزائريين يؤمنون بهذا العمق التاريخي، نكوّن قاعدة صلبة لمواجهة كل الاغراءات.
وفي الفصل الأوّل من الباب الأوّل حول المبادئ العامة، التي تحكم المجتمع خاصة المادة الثالثة والرابعة نلاحظ أن المادة الثالثة المتعلقة باللغة العربية، واضحة كل الوضوح وهي بالشكل التالي:
البند الأول: اللغة العربية، هي اللغة الوطنية الرسمية.
البند الثاني: تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.
البند الثالث: يحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة العربية.
البند الرابع: يكلف المجلس الأعلى للغة العربية على الخصوص بالعمل على ازدهار اللغة العربية وتعميم استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية والتشجيع على الترجمة إليها لهذه الغاية.
أما المادة الرابعة المتعلقة بالأمازيغية فيشوبها الكثير من الغموض:
البند الأوّل: تمازيغث كذلك لغة وطنية ورسمية تم حذف ” هي” الضمير الدال على التنصيص في المادة الثالثة وتعويضها بـ ” كذلك” في البند الأول من المادة الرابعة، وكذلك ” تتكون من كلمتين باقيتين على أصلهما وهما ” كاف” التشبيه و”ذلك” الدالة على الاشارة، مما يعني تشبيه ” اللغة الأمازيغية” باللغة الوطنية الرسمية، وكذلك، وهي أيضا من ألفاظ الكنايات، يكنى بها المجهول، أو عما لا يراد التصريح به.
في البند الثاني من المادة الثالثة: ” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة” نجد في البند نفسه من المادة الرابعة، “تعمل الدولة لترقيتها ( أي تمازيغث) وتطورها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني”.
أما البند الثالث في المادتين الثالثة والرابعة، فنجد في الأولى ” يحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة العربية” وتحدد مهام هذا المجلس في البند الرابع بوضوح وتنتهي المادة.
أما في المادة الرابعة ” يحدث مجمع جزائري للغة تامزيغث، يوضع لدى رئيس الجمهورية، يستند المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغث، قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد”.

  1. تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد، نعود إلى تأكيد ” كاف” التشبيه المشار إليه في البند الأول، مما يعني أنها في وضعها الحالي، ليست لغة رسمية.
  2. يجب إحداث هذا المجمع، ثم يوفر الشروط اللازمة؟ وما هي هذه الشروط اللازمة، حتى تترقى؟
  3. بعد ذلك تجسيد وضعها كلغة رسمية ونضيف فيما بعد؟ متى فيما بعد؟ !.
  4. ربط ترقيتها بعمل الهيئة ” المجمع”؟ ليس من المعقول ربط ترسيم اللغة الامازيغية بعمل هيئة ” المجمع” ما يعني ان ” فشل”او ” افشال” عمل , هذه الهيئة و يعود كل شيئ الى غابر الزمان .
    أما البند الخامس، فيضيف شيئا، وهو تحديد كيفيات تطبيق هذه المادة ” الرابعة” بموجب “قانون عضوي”، متى يصدر هذا القانون العضوي؟
    ولاشك أن واضعي مسودة المشروع هذا، قد تعمدوا هذا الغموض لحاجة في نفس يعقوب
    مما يعني أن من يطلع على المادتين يلاحظ إجحافا في حق مكون من مكونات الهوية، وفي حق لغة “وطنية” وهي رسمية وغير رسمية في الواقع، إذ هي مشروطة بعمل هيئة ـ ربما ولدت ميتةـ
    إذن إذا كانت لدينا النية لمعالجة الموضوع، وتشجيع المصالحة ” اللغوية” في الجزائر، بخطاب مهدئ للخواطر، معتمد على التعايش في إطار التنوع اللغوي والصراحة، بعيدا عن الحقد والإقصاء والتطرف والاستفزاز، نقترح واحدا من الحلين التاليين:
  5. يبقى الفصل بين المادتين الثالثة والرابعة، على أن تكون المادة الرابعة بالشكل التالي:
    البند الأول: الأمازيغية هي لغة وطنية و رسمية .
    البند الثاني: يحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة الأمازيغية.
    البند الثالث: يكلف المجلس الأعلى للغة الأمازيغية بتطوير ” اللغة الأمازيغة” باستخدام كل المتغيرات ، للوصول إلى أمازيغية جامعة، والعمل على تعميم استخدامها.
  6. الجمع بين المادتين (الثالثة والرابعة) بالشكل التالي:
    البند الأوّل: العربية والأمازيغية هما اللغتان الوطنيتان والرسميتان للدولة الجزائرية.
    البند الثاني: يحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة العربية، يكلف المجلس الأعلى للغة العربية على الخصوص بالعمل على ازدهار اللغة العربية، وتعميم استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية، والتشجيع على الترجمة إليها لهذه الغاية.
    البند الثالث: يحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى للغة الأمازيغية ، يكلف المجلس الأعلى للأمازيغية بتطوير اللغة الأمازيغية، باستخدام كل المتغيرات للوصول إلى أمازيغية جامعة، والعمل على تعميم استعمالاتها.
    الاقتراح ينبني على تأكيد مبدأ العدل بين اللغتين الوطنيتين والرسميتين، رغم إدراكنا أن الأمازيغية بوضعها الحالي مازالت بعيدة، لكن غلقا لباب الاستخدام السياسوي، وبذلك، نحمي الأجيال الصاعدة من المزالق والمطبات، المرتبطة بالنزاعات ذات العلاقة بالهوية والتمييز والتهميش وخطاب الكراهية، مع وضع سياسة لغوية، تعبر عن الحقيقة السوسيو -ثقافية للجزائر، التي تتصف بالإزدواجية اللغوية: العربية – الأمازيغية وتشجيع الترجمة بينهما، ما يسمح بتقريب الجزائريين وتخفيف حدّة النزاعات، التي يمكن أن تظهر نتيجة اللاعدل في الموضوع اللغوي.
    هذه المساهمة، هي وجهة نظر خاصة، لا تعبر إلا عن وجهة نظري، لحل مسألة اللغة في الجزائر ولا أدعي الصواب المطلق، الذي لا يكون إلا بتظافر جهود كل المخلصين من أبناء هذا الوطن.

أ‌. د/ محمد الهادي حارش
عين بنيان- الجزائر في 30- 05- 2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!