أقلام حرة

متى و أين و من هو مصمم الراية الأمازيغية التي يحملها الأمازيغ اليوم ؟

من هو مخترع الراية الأمازيغية

سؤال : هل الفرنسي اليهودي جاك بينيت هو من صمم الراية الأمازيغية العرقية لتقسيم الشعب الجزائري ؟

الأستاذ مصطفى صامت : لا يوجد أي دليل على أن جاك بينيت هو من صنع الراية الأمازيغية ومن له دليل فاليقدمه ، ثم أنه حتى ولو إفترضنا أنه هو من صنعها، فأين الإشكال في الأمر أليست الفرنسية إيميلي بيسكان هي من صنعت لنا الراية الوطنية التي نعتز بها اليوم ؟ وكيف يعقل أن يصنع لنا شخص أجنبي، يضمر الشر لأمتنا حسب إعتقاد البعض، راية ستوحد كل سكان شمال إفريقيا المتحدثين بالأمازيغية بمالكيتهم، إيباضيتهم في غرداية ونفوسة ، ومسيحييهم في جزر الكناري، ويهودهم في جزيرة جربة التونسية … كل هؤلاء الأمازيغ المختلفين في الديانة وحدتهم هذه الراية الجامعة فهي إذا عامل وحدة وليس تقسيم.
ثانيا الراية الأمازيغية ليست راية عرقية فالحركة الأمازيغية تعتبر كل سكان شمال إفريقيا أمازيغ إما بالدم أو الأرض ، وهي لم تفرض على أحد، ولم يقل أي أمازيغي كان أنها من صنع ماسينيسا أو يوغرطة حيث يعتبر بعض العروبيين أنهم هم من إكتشافوا (السر العظيم) من أنها حديثة الصنع!
في كتاب مارك بينيت الذي يحمل عنوان “جاك بينيت محند أعراب بوسعود، تاريخ صداقة” ومن الصفحة 185 الى 187 نجد في المرفقات رسالة المجاهد محند أعراب بسعود الى والد مارك بينيت بتاريخ 25 أكتوبر 1980 يقول فيها لصديقه جاك أنه سمع بأن شباب الأمازيغ قد إخترعوا راية ترمز لأرض الأمازيغ وأنهم يستعملوها في تظاهراتهم الثقافية والسياسية ويحملها شباب في الجزائر والمغرب وليبيا وأن مصممها يشتغل سائق أجرة كان قد حضر إحدى محاضرات محند أعراب حينما طرح فكرة عن الألوان التي يجب أن تحملها الراية الأمازيغية والتي عليها أن تمثل ألوان جغرافية شمال افريقيا وطلب من صديقه بينيت رأيه في الراية الجديدة للشعب الأمازيغي المتداولة بين الشباب الشمال الإفريقي .
وقد جاءت لاحقا تصريحات الناشط يوسف مدكور الذي أكد أنه هو صانع الراية و تحدث عن تفاصيل بلورة الفكرة.

وهذا ما يؤكد أن جاك بينيت لا علاقة له بالراية الأمازيغية وأن هذه الأخيرة صنعت في بداية السبعينات من طرف نشطاء الحركة الأمازيغية ثم إنتشرت في شمال افريقيا أكثر بعد انعقاد أشغال المؤتمر الأول للكونغريس العالمي الأمازيغي (تجمع دولي لهيئات ومنظمات مدافعة عن الأمازيغية) عام 1996 بمحافظة “تافيرا” الواقعة بجزر الكناري الأمازيغية، حيث تبنى المؤتمرين الراية الأمازيغية كرمز هوياتي للشعب الأمازيغي .
أما جاك بينيت هو فرنسي من إقليم النورماندي الذي يتكلم أهله لغة غير اللغة الفرنسية التي هي لغة أجنبية عن ما يسمى اليوم فرنسا كون أصولها من قبائل الفرانك الجرمانية التي استوطنت منطقة باريس ففرض حكامها لهجتهم على كل بلاد الغال (فرنسا اليوم) وهذا موضوع آخر .
جاك بينيت النورماني الذي كان من المعمرين الفرنسيين بالجزائر الفرنسية، موظف سامي، و شخصية مثقفة مولع بالتاريخ، كرس حياته للدفاع عن اللغات الأصلية المظلومة كالباسكية ، والهونغارية وحتى الأمازيغية التي كان يتابع دراسات العالم اللساني الفرنسي أندري باسي الذي درس المتغيرات الأمازيغية وألف قوامس لها . كما تعلم جاك بينيت كذلك اللغات القديمة اللاتينة ، الإيطالية، الأنجليزية والإغريقية والألمانية والمجرية. فإهتمامه بالأمازيغية اذا لم يكن وليد الاستقلال ولغرض الانتقام من الجزائر المستقلة (العربية) كما يروج له البعض، وما أوردناه عنه ليس كلام إنشائي بل هي إستنتاجات على ضوء وثائق جاءت في كتاب إبنه مارك بينيت المعنون : Jacques Bénet Mohand Arav Bessaoud, histoire d’une amitié”
حيث ذكر فيه أنه وجد مقالا في وثائق والده له إمضاء لأول روائية في شمال افريقيا ، وهي المناضلة الأمازيغية طاوس عمروش بعنوان ” ماذا نحن فاعلون باللغة الأمازيغية ؟ والذي نُشر ضمن وثائق شمال إفريقيا بتاريخ 17 ديسمير 1956 . كما ذكر مؤلف الكتاب أن والده راسل الإدارة الاستعمارية سنة 1957 يعارضها في سياسة تدريس اللغة العربية في المناطق الأمازيغوفونية كمحاولة منه لإنقاذ الإرث اللغوي الأمازيغي من الاندثار .
والكتاب تحدث عن صداقة والده جاك مع المجاهد محند أعراب بوسعود اللذان إلتقيا أول مرة بفرنسا سنة 1965 وتشكلت صداقتهم بسبب إهتمام الإثنين بالأمازيغية وحقوق الشعوب الأصلية .
وفي كتاب صدر سنة 2014 عن أحد المدارس الفرنسية الكبرى التي تخرج منها بينيت (BIBLIOTHÈQUE DE L’ÉCOLE DES CHARTES) صفحة 667 جاء في سيرة جاك بينيت حبه لمساعدة الأخرين منذ شبابه حيث أنه إنخرط في أعمال خيرية مع فرق مسيحية كاثوليكية وهو ما يفضي إلى اعتباره مسيحي وليس يهودي الديانة ولا صهيوني الأيديولوجية كما روج له العروبيين دون تقديم أي دليل على إدعائتهم هذا!
هذا رغم أنه حتى ولو كان يهودي الديانة فهذا ليس فيه أي إشكال إلا عند جماعة التفكير الأحادي المقوقعين على حالهم. فالكثير من الأجانب المسيحيين واليهود خدموا اللغة العربية الكلاسيكية في العصر الحديث منهم ألمانيون مثل زيجريد هونكه و كارل بروكلمان، يوهان فك… وفرنسيون أمثال إرنيست رينان و وليم مرسيه، ريجي بلاشير، و جاك بيرك وآخرون منهم مسيحيين ويهود مثل هوينرباخ، هيرشبورج ، هوخهايم ادولف، هابخت مكسميليان ، هارمان اولريخ … كل هؤلاء وغيرهم يسميهم العرب اليوم وبكل فخر “أصدقاء العرب والعربية” لكن لما يتعلق الأمر بشخصية أجنبية أحبت الأمازيغية وخدمتها يصبح صهيوني ماسوني جاسوس … !!!؟
فالمسألة كلها تكمن إذا في عقلية بعض الجزائرين اليوم الذين أصبحوا يتوجسون من كل ما هو فرنسي وهذه العقدة من الإستعمار صناعة المدرسة الرسمية الجزائرية وإعلامها فقط، فحينما نراجع وثائق قادة الثورة التحريرية وتصريحاتهم لا نجد حجم الكره الذي يكنه الجزائريون اليوم لكل ما هو فرنسي فيهم، فوثائق الثورة التحريرية كلها دون استثناء كتبت بالفرنسية دون أن يشعر أصحابها بأي عقدة إتجاهها ، و في رسالة لبن مهيدي نشرت بمجلة المجاهد سنة 1956 قال فيها أن جبهة وجيش التحرير لا يحاربان الشعب الفرنسي بل فرنسا الرسمية فقط، وهو ما نلمسه حتى من تصريحات فرحات عباس ومقالات عبد الحميد إبن باديس ! فالعقدة من الاستعمار ظهرت لاحقا في أجيال اليوم المخدرة بأفكار مؤدلجة .
أما نحن معشر الأمازيغ المعتزين بهويتهم فمن واجبنا النضالي الامتثال لوصية المناضل والمجاهد محند أعراب بسعود في رد الإعتبار لذاكرة صديق الأمازيغية ماس جاك بينيت الذي وحسب أعراب بوسعود كان وراء تذليل كل الصعاب الإدارية على نشطاء الحركة الأمازيغية حتى حصلوا على الإعتماد لأكاديميتهم كما أن جاك بينيت هو من ساعد أعراب بوسعود على حصوله للجوء السياسي في بريطانيا حينما قامت السلطات الفرنسية بطرده من التراب الفرنسي وتجميد نشاط الأكاديمية البربرية تحت ضغط السلطات الجزائرية والمغربية . حسب ما جاء في كتاب “تاريخ الأكاديمية البربرية” .
في الأخير علينا أن نفهم أنه لم يكن للراية الأمازيغية أن تظهر إلى العلن لو لا وجود قمع وطمس للبعد الأمازيغي من طرف النظم السياسية الحاكمة ، فصنعها كان لغرض التعبير عن الذات الأمازيغية فقط، وإذا كان هناك من يعتقد أن الأكاديمية البربرية أو الراية الأمازيغية صنعتها فرنسا لمحاربة الإسلام والعروبة كما يتوهم البعض فإن الجهة الملامة الوحيدة هنا هى حكومات دول شمال إفريقيا التي منعت النشاط الأمازيغي وسعت إلى طمس البعد الامازيغي في أرضه وبين أهله مما دفع بأبنائها اللجوء إلى الخارج للنشاط هناك بحرية وهو نفس الخطأ الذي تكرره نفس الأنظمة اليوم مع المعارضين السياسيين .
منقول من صفحة الأستاذ: مصطفى صامت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!