التاريخ القديم

عباقرة الأمازيغ وأعلامهم قبل الإسلام و ظلم المؤرخين القدماء لتاريخهم

عباقرة الأمازيغ وأعلامهم قبل الإسلام

ان البربر من الأمم التي سبقت إلى الحضارة، وتثقفت وتعلمت. وقد انشأ البربر قبل الميلاد دولا كبيرة، ونبغ منهم رجال في مختلف الميادين. ونحن لا تستطيع ان ذكر كل من ورد ذكره في كتب التاريخ من ملوكهم وعلمائهم، ورؤسائهم، ولكن نقتصر على طائفة منهم. لتعلم صدق ما قلناه وقاله ابن خلون من عظمة الأمة البربرية وسبقها إلى الحضارة والعلم، واتصافه بكل الخلال الحميدة، لما كانت اغلب الأمم قبل الميلاد على سذاجة البداوة وعلى الجهل والفوضى. كان البربر عباقرة في كل فن، في السياسة وفي الحروب، وفي مختلف العوم. فمن شخصياتهم العبقرية في السياسة الملك غولة، وصيقاقس، ومصينيسا، ومصيبسا،

ومن أبطالهم في الحروب وفي الدهاء يوغورطة، ويوبا الأول، وتقفاريناص، وفرموس، وجلدون. هؤلاء الصناديد الذين قارعوا امة الرومان، وركبوها بالهزائم في كل أنحاء المغرب. ولولا تحاسد البربر وتنافسهم لكانت أمام قواتهم كجدار الطين في وجه البحر الهائج، ولولا تفرقهم وعم اتحادهم ما استطاع الرومان ان يحتلوا المغرب ويستعمروه. ومن عباقرة البربر في العلوم يوبا الثاني. لقد كان من العلماء الكبار في عصره وكن لرومان والإغريق يجلونه ويفتخرون بنبوغه، وقد أقاموا له التماثيل في الميادين
الكبرى تخليدا له، واعترافا بجميله. وقد ألف يوبا الثاني باللاتينية كتبا في التاريخ وفي الطبيعة وفي النحو والموسيقى كانت من المراجع لكبرى عند الإغريق والرومان. «ومن رجال العلم أيضا فرنطونس. كان أستاذ الإمبراطور مرقس اوراليوس (الروماني) وله سمة بين جميع الطبقات في الفن الهندسي. وهو مولود بقرطة .» ومنهم ابوليوس كان مخترعا كبيرا قال بيروني: «هو من أكمل الرجال وأعظمهم فائدة في عصره، وأحسن وصف له وأصدقه ان تقول: هو رجل مخترع مؤسس لمبان كثيرة » واصل ابوليوس من «مداوروش » في شرق الجزائر.

ومن رجال العلم والدين الذين نبغوا بعد الميلاد وبلغوا الذري الرفيعة في العلم،وفي الفصاحة والبلاغة، وفي التضلع في اللغة اللاتينية، القديس اغسطين. ولد بتغاست (سوق هرس) في شرق الجزائر، في القرن الرابع المسيحي وتعلم بمدوروش، وفي قرطاجنة، وعين قسابهبون (عنابة) في شرق الجزائر: قال بيروني : »ان اغسطين اخطب خطيب لطيني، واكبر مفكري كل زمان
ومن علماء البربر وأعلامهم في الدين دونتوس مؤسس المذهب المسيحي الذي زاحم مذهب الارثوذوكس في المغرب، وانتشر انتشارا كبيرا في البربر.

وقد بلغ البربر بطموحهم وعلمهم ودهائهم ونضوجهم في السياسة ان كان منهم أباطرة جلسوا على عرش روما. وهي لدولة المتعصبة لجنسها، الشامخة على غيرها، سيما الأمم التي تستعمرها مثل البربر. لقد كان (سبتمس سورس) البربري إمبراطورا لرومة في سنة 193 ميلادية. وقد خلفه على العرش روما ابنه (ثرقلا) وقد اعتنى هذان الإمبراطوران بالمغرب كل لاعتناء، وأنصفا البربر وساووهم بالرومان، فازدهر المغرب في عهدهما، وأقبلت عليه الأيام البيضاء. هذه هي بعض الشخصيات البربرية قبل الإسلام. أم في العصور الإسلامية فان علماءهم، وشعرائهم، وساستهم،وملوكهم، وزهادهم، ونبغائهم في كل فن لا يحصون. ان كتب الطبقات والتاريخ ملأى بهم. سيما السير للشماخي، والطبقات للدرجيني، وسير الأئمة لأبي زكرياء، ومعالم الإيمان للدباغ، ورياض النفوس للمالكي وغيرها كثير.

ظلم المؤرخين القدماء للأمازيغ البربر

تلك هي شخصية البربر وبعض أعلامهم الذين يمثلون تلك الشخصية، وقد وقفنا في هذا الباب الذي يصور حقيقة لبربر وقفة، لان البربر امة مظلومة في التاريخ. ان ثوراتهم لتحريرية على الدول التي استعمرتهم، الرومان والوندال، والروم، وقد أطلقت
السنة هؤلاء المستعمرين في البربر فوصفوهم بما ليس فيهم من العيوب، وقال فيهم مؤرخوهم قول المحنق المغتاظ والعدو الكاشح، وملأوا كتبهم بالأكاذيب على البربر فجاء أحفاد الرومان، هؤلاء المستعمرين اللاتينيون الذين تسلطوا على المغرب في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين الميلاديين فرددوا تلك الأكاذيب، وتلك الدعاوي على البربر، وزادوا فيها، وصوروا ثوراتهم التحريرية الشريفة على غير حقيقتها وعللوها يغير سبابها، وقالوا أنهم ثاروا حبا للفوضى،وميلا إلى التخريب، ورغبة في السلب والنهب، وصوروهم كما يسول لهم حقهم الموروث، وغيظهم على هذه لجبال المغربية التي يرون حتوفهم وزوالهم عن المغرب كامنا فيها. وثار البربر على الأمويين والعباسيين في المغرب، لما ظلموهم وتجبروا عليهم وحادوا عن دين الله في سياسة المغرب، ثار عليهم البربر ثوراتهم العارمة، وضربوهم الضربات القاصمة، وتحرروا منهم، واستقلوا. وأنشأوا دولهم الإسلامية العادلة التي تتمسك كل التمسك في السياسة بالدين، وتعمل لإسعاد لمغرب وازدهاره فحقد هؤلاء العباسيون والأمويون وغيرهم على البربر، وبسطوا فيهم السنة السوء،وصورهم على غير حقيقتهم، وملأوا كتب التاريخ بالأكاذيب على البربر والدول البربرية العادلة. وجاء من بعهم فاغتر بما ورد في كتب التاريخ القديمة المسمومة، فقلد أولئك المؤرخين المغرضين في دعاويهم الباطلة على البربر، فصار البربر هم الأمة الكريمة الصالحة المظلومة في كتب التاريخ الإسلامية القديمة، وفي الكتب الحديثة المقلدة أيضا.

ومما جعل الدعاية السياسة المغرضة تؤثر في البربر قضاء الدول المستبدة على تراث الدول البربرية الإسلامية الأدبي والتاريخي بالخصوص، فانعدم جل المصادر التاريخية النزيهة التي تصور حقيقة البربر وتخلد أمجادهم ومآثرهم التي جعلهم من أكرم الأمم التي يفتخر بها العالم الإسلامي.

بقلم محمد على دبوز 

كتاب تاريخ المغرب الكبير الجزء الأول

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!