شخصيات أمازيغية

شخصيات أوراسية مهمشة اهتمت بتدوين الأمازيغية، عمر نزال نموذجا.

لطالما أنجب الأوراس أقلاما تنفض الغبار عن ساكنته وتدون كل صغيرة وكبيرة عن تقاليدهم وعاداتهم، ومآثرهم، بطولاتهم، وثوراتهم، وانتفاضاتهم، أهم أعلامهم…ومن بينها الراحل عمر نزال الذي سخر قلمه لتدوين وإثراء الأمازيغية بتسعين نصا بالمتغير الشاوي”أه فرح، عين زعطوط حاليا” والذي سنتناول سيرته العطرة من خلال هذا البحث.

عمر نزال بن بلقاسم ولقصير مباركة:

المعروف “بعمر أوبوزڤان” ولد يوم 19/10/1907م [1] بأه فرح تربى وترعرع في حارة أهبوها بالمكان المعروف بالبسان (حاليا) مقر عوائل أهبوزڤان وأهبوها… في بيت صنع من الحجارة والطين والخشب يتكون من طابقين لا زال قائما لحد الأن، كان يعشق الجلوس في بحيرة بيتهم المليئة بأشجار التوت والصفصاف والورد والتين والزيتون… وشرب ماء (ثاعوينت ناعلو رحمون، وماء مازر).

المنزل العائلي لعمر نزال بأه فراح

كما كان يحب أكل التين المسمى عندنا بإِيرِي نْ وَذْبِيرْ (عنق الحمام)، والكلام القديم الصافي الذي لا تختلط مفرداته باللغات الأخرى لذلك كان كثير الجلوس مع كبار القرية يُدَوِنُ كلامهم ومفرداتهم… ينتمي إلى أسرة تُعرف بأهبوزڤان وهم ثلاث عوائل يحملون ثلاث ألقاب (نزال، لقصير، بوزيان) المنحدرين من فرقة أهبوها من أكبر الفرق المشكلة لعرش أه فرح، اشْتُهِرَتْ بطلب العلم وتعليمه على رأسهم والده:

أ- بلقاسم بن أحمد ومريم ملال:

المولود بالبلدة عام 1871م درس في جوامع أه فرح وفي المدرسة الابتدائية التي نال منها شهادة التعليم الابتدائي حيث كانت تعتبر في ذلك الوقت من الأمور الصعبة بسبب سياسة المستعمر تجاه الدارسين الذين يتم طردهم بمجرد وصولهم لنهاية المرحلة الابتدائية. التحق بقسنطينة واستقر عند عمه الذي تكفل به لأنه كان يتيما ودرس مع عبد الحميد بن باديس حيث تخرج بشهادة منها وعاد إلى المنطقة ودرس في المدرسة الفرنسية المتواجدة بالقرية وامتهن الفلاحة والتجارة بعد رفضه العمل مع الإدارة الفرنسية حيث كان غنيا يملك متاجر في أه فرح وجمورة وبلزمة بمروانة وبستان في بسكرة وأراضي بلعبار… توفي عام 1945م ودفن في مقبرة إيڤرن بوزيد رحمه الله.

ب- محمد بن بلقاسم ولقصير مبارﮔة:

المعروف ب “حمَّا أمقران” أو “سي محند أمقران” الأخ الأكبر لعْمَرْ ولد في 1898م درس بالجامع ثم التحق بقسنطينة أين تخرج من مدرسة عبد الحميد بن باديس عاد إلى قريته حيث مارس التجارة في دكانه المتكون من طابقين المتواجد بحارة نهبوها في المكان المسمى الغيران حيث كان خياطا بنفس المكان واستطاع من حر ماله أن يمتلك مكتبة من مختلف الكتب التي كان موهوبا بالاطلاع عليها لا زالت لحد الآن موجودة تحتفظ ببعض منها الدكتورة خديجة نزال وتحصلت على واحد أو اثنين من هذه الكتب عليها خط يده، كان يحظى باحترام كبير من أبناء عرشه كما كان صاحب رأي سديد حتى لقبه الأهالي “بالبحر المالح” الذي لا يرتوي منه العطشان توفي في قسنطينة ودفن بها رحمة الله عليه.

ج- نزال الصادق بن محمد بن بلقاسم ومشلق يمينة (علجية) :

المدعو “علي” ولد بأه فرح في 03/03/1928م،[2]تعلم بالمدرسة الابتدائية الفرنسية بأه فرح ثم انتقل إلى قسنطينة أين واصل تعليمه بها حيث تحصل على شهادة التعليم الابتدائي عام 1945م، بعدها تحصل على دبلوم في علوم المدرسة عام 1946م بقسنطينة، عاد أدراجه إلى بلدته التي دَرَّسَ فيها كمعلم في الطور الابتدائي بأه فرح ثم غادر البلدة وتوقف عن التدريس رفقة أخيه سي مُحند استجابة لنداء جيش التحرير[3] إلى بسكرة معلما فيها ثم إلى قسنطينة حيث انخرط في جيش التحرير كمهندس لصناعة المتفجرات كما كان قبل ذلك عضوا في حزب الشعب الجزائري PPA، وفي عام 1954م تحصل على CAP شهادة القدرة المهنية ثم على شهادة القدرة على التهيئة الزراعية سنة 1961م، بعد الاستقلال عاد للتعليم وارتقى إلى منصب مفتش التربية والتعليم على مستوى الشرق الجزائري آنذاك إلى أن توفي بقسنطينة يوم 21/03/2010م، ودفن في مسقط رأسه أه فرح بمقبرة تيزي تنفيذا لوصيته رحمة الله عليه.

د- نزال الشريف بن محمد بن بلقاسم ومشلق يمينة (علجية):

المولود بأه فرح يوم 04/02/1925م، تعلم في المدرسة الابتدائية الفرنسية بأه فرح ثم انتقل إلى قسنطينة أين تحصل على شهادة Ont-ils الابتدائية، وتابع تعليمه بها، ثم عاد إلى مسقط رأسه أه فرح ودرس كمعلم في المدرسة الفرنسية الموجودة بالقرية، وغادر القرية إلى مدينة بسكرة واستمر بالتعليم بها ثم إلى قسنطينة بعدما سجن إثر إضراب الثمانية أيام المعلن من طرف جيش وجبهة التحرير الوطني، بعد الاستقلال واصل عمله بقسنطينة معلما ومربيا في سلك التعليم، ثم مدير بالعديد من المدارس إلى أن نال تقاعده، توفي يوم 02/07/2006م في قسنطينة ودفن بها رحمه الله.[4]

تعلم عَمرْ القرآن الكريم في جامع نخف نتقليحث (جامع لكبير حاليا) وجامع ناه بوها (عبد لكريم) وبالموازاة درس مرحلته الابتدائية في المدرسة الفرنسية المتواجدة بالبلدة، كان مُولَعا بالدراسة وشغوفا بالعلم منذ نعومة أظافره حيث كان لوالده بلقاسم بقرة كان يرعاها في المكان المسمى “أُورْثِي أَنَدِّي” وكان دائما يأخذ معه كراريسه التي ينشغل بها عن البقرة حتى سقطت عليه ذات مرة من على الحجرة الكبيرة (إِيسْلِي) التي كان يتكئ عليها وأحدثت جرحا بقرنها في جبهته فوق حاجبه بقيت آثاره على مر السنين، وكان شديد الحرص على تعليم أبناء أخيه “بسعو” عندما يَحِلُّ بأه فرح فيجتهد بتعليمهم خاصة (براهيم) المدعو بشير حيث ترك يوما واجبا له أمره بحله ريثما يعود وعندما عاد وجده يلعب في المكان المسمى “إليلان ناه بودونت” رفقة إخوته فأشبعه ضربا لانشغاله باللعب عن الدرس، ومرة في بلدة “ثازوث” بمدينة باتنة حيث كان هناك بشير فزاره عمر نزال وتوجه معه إلى مزرعة ناعلو كزول (مشلق) وأخذ يقرأ له من الجريدة الفرنسية ويبن له كيف يجب أن يكون هذا المقال وما الصحيح وما الخطأ وبينما هما على ذلك الحال سأله بشير عن الكتابة الصحيحة لكلمة “eccetera” أو”et cetera” فضرب على كتفه بيده وضحك مبتسما فقال له: “أنت لا زلت صغير على هذا” … كان يقدم دروس الدعم تطوعا في الأيام التي لا يدرس فيها التلاميذ في المدرسة الفرنسية لأبناء القرية المقبلين على اجتياز الشهادة الابتدائية ومن بين الذين تلقوا الدعم على يده الطاهر لحمر، الطاهر وعمار زرناجي، لبعل محمد بن الحاج، لبعل عمار بن علي أوشيبان، صحراوي عمار، حشاني الهادي واسماعيل، لقصير الشريف، معلم مختار، بوزيان محمد المعروف ب “حمومة أوعلي” بلجبل الصالح المدعو مصطفى… وكان يشرح بالفرنسية والشاوية وكان صارما في تعليمه وفي نفس الوقت لينا مع طلابه كما يصفه الضابط الطاهر لحمر[5]، كما كان كثير النصح في كفية الحفاظ على الأموال وعدم تضييعها حيث التقى يوما بابن أخيه بشير في باتنة فأمره أن يخرج ما عنده من دراهم فحاول بشير أن يعطيه نصف ما عنده لكنه تفطن له وقال له أخرج ما عندك كله (أَوِيدْ الْحَضْحَاضِي[6] غارﮔ أُوكَّلْ) فأعطاه بعضه وأخذه إلى دكان “مشلق” المتواجد بباتنة وأعطى الباقي “لمشلق” لكي يحفظهم لبني أخيه “بشير” وأمره أن يرجع إليه عندما يصرف ما عنده، كان أنيقا في مظهره معتدلا في مأكله ومشربه وكان شديد الحرص على النظافة حيث كان يشدد على أبناء أخيه عندما يبعثهم لجلب الماء له من “ثاعوينت ناعلو رحمون” أن يتجنبوا أن يخالط الماء المملوء في قارورته شيء وذات يوم قام بإفراغ القارورة بعد أن جلبها له “بشير” فسأله كيف عرف بأن الماء ليس صافي فأخبره بوجود المادة اللزجة التي تظهر على سقف الماء دلالة على عدم صفاء الماء، جُنِّد في الحرب العالمية ضد الألمان كان دائما يروي أن الجنود كانوا يحافظون على أسلحتهم ويخافون عليها أما هو فكان يحافظ على كتبه ويخاف أن تضيع منه، كما أصيب بأزمة نفسية حادة في إطار التجنيد الإجباري حينما انفجرت قنبلة أدت إلى فصل رأس صديقه عن جسده أمام مرأى عينيه وأصيب بجروح بليغة في رأسه مما سبب له آلام حادة أثرت على جانبه الصحي فيما بعد، انتقل مع والده إلى قسنطينة عام 1927م أين التحق بالمدرسة الإسلامية للقضاء وتخرج منها عام 1927م وعمره ثمنية عشر عاما (18)، ثم غادر إلى الجزائر العاصمة ليلتحق بالدراسات العليا جامعة الجزائر العاصمة أين تحصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية، وفي بداية الثلاثينيات هاجر إلى فرنسا أين دَرس في المدرسة الوطنية للغات الشرقية وتم تسجيله كمدقق حر من 1932م إلى 1933م أين اجتازوا الإمتحان الخاص بالقبول في جوان 1933/1934 لينال منها شهادة الليسانس في اللغة الأمازيغية والعربية، كما كان مترجمًا مساعدًا في مكتب التجنيد المركزي بوزارة الحرب من فيفري 1937 إلى مارس 1940 وعمره ثمانية وعشرون عاما، بالإضافة إلى أنه كان معيدا بقسم اللغة الأمازيغية بمعهد اللغات الشرقية من 1940م إلى غاية 1951م وهو بعمر واحد وثلاثون سنة (31)، ومدرسا في كلية بونتواز (Pontoise) عام 1940م، ومذيعا في الإذاعة الفرنسية ومترجما من 1945م إلى غاية 1951م وعمره ستة وثلاثون سنة (36)، وكان بروفسورا في اللغة العربية في المدرسة الحديثة والكلاسيكية بباتنة من 1951 إلى 1952م، ومترجم وخبير لدى المحاكم من عام 1946م إلى عام 1956م حيث كان يحظى بتقدير كبير في فرنسا خاصة في المسرح والإذاعة والطلبة الذين درسهم في فرنسا أو داخل ربوع بلده يذكر عمي بشير نقلا عن شملال عْمَرْ المعروف عندنا بـ: “عمر أوالحاج أوالمسعود” أنه في حصار أقامه العدو على أهالي المنطقة كان برفقته بمنزل شملال فدخل العساكر يخرجون الأهالي من منازلهم ورفض عمر الخروج والانصياع لأوامر العساكر فأخبروا قائدهم فدخل ليرى هذا الذي يرفض أوامرهم وما إن رآه حياه وقال لهم: «هذا أستاذي درسني في فرنسا»… كان كثير الرجوع إلى بلدته ويظل بها يتجرع نفس الظروف الصعبة وسوء الأحوال التي تمر بالأهالي حتى يحين وقت رحيله إلى ديار الغربة، وكان يجتمع فيها بكبار القرية لجمع كل ما يتعلق بكلام أه فرح خاصة الكلمات التي قل استعمالها ولم يقتصر عمله على جمع المفردات بل جمع كل ما يتعلق بعرشه كعاداتهم وتقاليدهم… كُلِل عمله بكتاب يحمل عنوان: Textes berbères de l’Aurès (Parler des Aït Frah) جمع فيه تسعون نصا عالج فيها أفراح وأقراح وعادات وتقاليد وأعلام ومعالم بلدته أه فرح… لكن للأسف نسب الكتاب إلى غيره دون إشراكه فيه رغم اعتراف أندري باسي بأن عمر نزال هو صاحب النصوص وحده[7]، وتربط عمر نزال ب أندري علاقة يمكن تحديد معالمها من خلال قراءة لأهم ما نشره أندري باسي نفسه حيث لا يوجد سبيل يقودنا إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين الرجلين، وكذا دور كل واحد منهما في العمل الذي كلل بالكتاب سالف الذكر أفضل من كلام Basset نفسه، الذي نقرأه في أعماله ومقالاته المنشورة. فيقول في مقاله المعنون بـ: “SUR LA TOPONYMIE BERBÈRE”[8]: «أخيرا، اقترحت على معيدي في مدرسة اللغات الشرقية، السيد نزال، أن يجري، خلال إقامتيه الأخيرتين ببلده، شاوية أيت فرح، مسحا طبونيميا بأكبر قدر ممكن من الدقة».

وفي نفس المقال نجد إشارات إلى طبيعة العلاقات القائمة بينهما فيقول في موضع: «مشكلة أساسية في شمال أفريقيا وهي التعريب وطرق التعريب. فقائمتنا غنية بالفعل بالأسماء العربية غير المبربرة: الصطر، الحوش، القصر، إلخ. قد يكون البعض منها قد تم تقديمه من قبل عناصر إدارية أو عسكرية تستعمل اللغة العربية، على سبيل المثال “القصر”، على الرغم من أن السيد نزال لم يتمكن من إخباري بالأصل». وفي موضع آخر يقول: «في بداية الامتحان الذي أجريته مع السيد نزال، كنت متعلقا بشكل خاص بالمصطلحات التي بدت أجنبية بالنسبة له عن اللغة المحلية الحالية، إما لحاجته الشخصية، أو أنها بالفعل غير مألوفة هناك. من بين الأربعين مصطلحا التي تم فحصها، حددت ثلاثة، وأنا أعلم أنه لا تزال

هناك مصطلحات أخرى والتي تعطيني اللهجات الأخرى معانيها. هذه المصطلحات الأخرى هي: سرير عرفها Foucauld (Dict. ab. touareg-franç., t. II, p. 620) بأنها «أرض مستوية صلبة وجدباء، مغطاة بحصى صغيرة بدون حجارة كبيرة أو صخور أو نباتات (من أي حجم)»، تاوريرت، معرفة جيدا بمعنى تلة، نوع محدد من التلال، أڤلمام وتصغير مؤنثه تيڤلمامين، المعروف أيضا بمعنى البُحَيرة … إذا كان السيد نزال لم يخبرنا عن خصائص الأماكن المسماة أسرير وتاوريرت، فإن ما أخبرنا به عن تيڤلمامين مفيد بشكل خاص: إنه مكان للزراعات؛ ونفهم بناء عليه: في هذه المنطقة، الصحراوية تقريبا، حيث لا توجد بحيرة، على الأقل ضمن محيط معين، فإن اسم القطعة المائية انتقل إلى ركن من الأرض مناسب بشكل خاص للحفاظ على رطوبة التربة، وبالتالي أصبح مناسبا تماما للمحاصيل». وقال في موضع ثالث: «على الرغم من أني لم أدرس هذه الأسماء حتى الآن مع السيد نزال، إلا أنها خاضعة للتحقق، لدي انطباع بأن تيط هنا تعني “المنبع”».

وفي دراسته المعنونة بـ: “SUR L’ANTICIPATION EN BERBÈRE”[9]، ذكر أنه أعدها انطلاقا من النصوص الإثنوغرافية التي لم تُنشر والتي أملاها السيد نزال على باسي، في 1941-1942، حول كلامه شاوية أيت فرح التي دام جمعه لها إحدى عشرة عاما أي بدأ عمله في عام 1930م. إذا اعتبرنا أن نزال بدأ عمله في هذه السنة وفقا لما قالته فاني كولونا أن عمله كان لمدة إحدى عشرة سنة ونزال سجل تمدرسه في معهد اللغات الشرقية في 1932/1933م فهل كان نزال على علاقة مع باسي قبل أن يلج إلى المدرسة الشرقية لتعلم اللغات والذي أشرف عليه فيما بعد باسي وبدأ تعاونهما في هذا العمل أم أن هناك خلط في التواريخ المقدمة؟ أم أن العمل كان ينجز فيه نزال وأكمله تحت إشراف أستاذه باسي؟؟ فالكتاب لم يرى النور إلا في عام 1961م بعد وفاة A. Basset وقد مر على إملاء عمر لهذه النصوص على A. Basset ما يقارب عشرون عاما؟؟

أعمال أخرى لعمر نزال:

نقلنا آنفا اقتراح A. Basset على عمر نزال القيام ببحث طبونيمي حول بلده أيث فرح. وفي مقاله ” Sur la toponymie berbère et spécialement sur la toponymie chaouia des Ait Frah”، نجده يستعين ويشاور نزال في تفسير معاني بعض المصطلحات والمفردات الأمازيغية ما يشير ربما إلى أن نزال قد يكون قام حقا بهذه الدراسة دونما أن ندري هل هي موجودة ضمن مجموع أرشيف ووثائق Basset أم أنها مفقودة؟ وهناك من يرى أن Basset لمح من خلال دراسته هذه إلى 300 طبونيم جمعها السيد نزال (ربما أسماء بساتين وأراضي)، ولكنه لم يتطرق فيها إلا إلى حوالي عشرة فقط. ويبقى هذا الكلام مجرد افتراض فقط ربما سيكشف لنا الزمن صدقه من زيفه.

بعد الاستقلال عاد إلى أرض الوطن أين باشر التعليم في ثانوية العمراني بباتنة ثم بثانوية الحرية بقسنطينة، مرَّ بظروف صعبة في حياته بسب المرض العصبي الذي ألم به في بداية الخمسينات ولم يبرحه حتى آخر لحظات حياته، أدخل المستشفى لعديد المرات في أرض المهجر وفي بلده مما جعله يتذوق الأمرين فقد بسببه وظيفته ومكانته وأصبح يصول ويجول في شوارع فرنسا ثم بشوارع بلده يستجدي شفاء لآلامه وأوجاعه التي سكنت فؤاده وأبت أن تبرح مكانها حتى تأخذ روحه إلى بارئها فيرتاح بجوار الرحمن، وهناك من يرجع سبب مرضه بغض النظر عن الأسباب التي تحدث عنها من تناول حياة عمر نزال إلى أنه تعرض للتسميم نظرا لنبوغه وتفوقه وهو الشائع في أه فرح وعند أقاربه المتواجدين بأه فرح. كان لا يكثر الجدال وشديد القلق والانزعاج والغضب عند اللامبالاة وإنكار رأيه حيث يَروى عمي بشير أنه عقد اجتماع في دار المعلم بباتنة لمناقشة موضوع فأعطى رأيه وقوبل بالرفض والاستهزاء وخرج غاضبا وترك الجمع وتوجه إلى حجز التذكرة إلى فرنسا وعندما عاد إلى أرض الوطن أحضر معه المصدر الذي اعتمده في قوله كدليل لمن رفضوا قوله[10] … لم يتزوج ولم يخلف أولادا لكنه ترك لأه فرح خاصة ولكل أمازيغ العالم موروثا لغويا وثقافيا زاخرا حفظ لنا كلمات وعادات وأسماء أماكن وعوائل ستظل ذكراه العطرة في نفوس المنصفين والأحرار تصول وتجول ربوع كل من يتنفس رونق وعبق كلام الأمازيغ (الشاوية أه فرح) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

توفي بتاريخ 06/05/1973م بقسنطينة في الفندق الذي كان يقطنه المجاور لبيت “الصادق نزال” ابن أخيه الأكبر “حَمَّا أمقران” حيث استأجر له غرفة به بعد أن أصبح لا يطيق ولا يقوى على الضجيج أو الهرج… فحُمل إلى المستشفى أين لفظ أنفاسه الأخيرة[11]، على عكس ما هو مدون عند أغلب من كتب عليه أو ما هو شائع بين الناس أنه وجد ميتا بعد ثلاث أو أربعة أيام[12] ووجدت أوراقه ممزقة ومبعثرة وأن موته فيه لغز… والكثير من المغالطات التي يروج لها رواد مواقع التواصل الاجتماعي… وكذا حسب ما نقلته وسمعته من أقربائه، دفن بقسنطينة رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

هذا بعض ما استطعت جمعه عن الراحل الذي أعتبره طفرة في تاريخ أه فرح حيث كان السائد في المنطقة آنذاك تعلم علوم الدين والتوجه إلى قسنطينة للتخرج من مدارس جمعية العلماء المسلمين لكنه اختار تخصص آخر (اللغة الأمازيغية) فكان له الفضل في حفظ موروث ثقافي لأمة نُقِشَ تاريخها على الحجر والجدران قبل أن يكتب على الورق تمنيت أن أجد شيئا آخر عن حياته وهو السبب في توقف علاقته بأندري باسي؟ نوع التعاون الذي كان بينهما، صور أخرى له، وثائق خاصة بشهاداته الجامعية والدراسية والعملية ماذا قال عن نصوصه التي طُبعت دون إشراكه… أسئلة كثيرة وغيرها لم أجد لها جوابا لعل الزمن سيكشف عن بعض منها فيُنفض الغبار على رجل لم ينصف قلمه وهو حي فيرد لعمله الاعتبار حتى وإن كان تحت الثرى… طيب الله ثراه ورحمه وأسكنه جنان الخلد.

الأستاذة: صباح أُوتْبُوزَڤَّانْ (لقصير) في 02/05/2022مأه فرح “عين زعطوط”الأوراس.

المراجع :

[1] مقابلة مع عمي نزال براهيم المدعو بشير يوم 24/09/2021م، ويوم 29/09/2021م؛ كولونا (ف)، آيات الصمود؛ Amar Nezzal (Amar Oubouzaggan) 1909-1973 (مقال منشور بموقع حتنة عبد المجيد الخاص بالتعريف بعرش أه فرح)؛ Khédidja ADEL, “Amor NEZZAL, l’ombre d’André Basset et le porteur d’eau” de Faouzi ADEL, Esquisse d’une communication pas au rendez-vous; In Les ouvrages du CRASC, 2002؛ ماسمعته من جدتي نزال خديجة ابنة عم عمر نزال رحمهما الله؛ عمي لقصير مختار بن عمار؛ نزال فتيحة بنت مبارك؛ الوالد لقصير السعيد؛ بسباس الصادق…[2]– نبذة مقدمة من طرف الدكتور عبد المالك نزال ابن الصادق؛ بشير نزال؛ الكتورة خديجة نزال.[3]– صباح لقصير، المجاهد عمار معكوف ثائر من الأوراس، ص 16.[4] – نبذة مقدمة من طرف ابنته الدكتورة خديجة نزال؛ الدكتور عبد المالك نزال؛ براهيم نزال.[5]– مكالمة هاتفية مع الطاهر لحمر بن محمد يوم 24/10/2021م على الساعة 19:00؛ مليكة نزال نقلا عن والد زوجها بلجبل الصالح المعروف ب “مصطفى”.[6]– هي كلمة أمازيغية معناها الدراهم.

[7]– Basset (A.), Articles de dialectologie berbére. (Collection Linguistique publiée par la Société de Linguistique de Paris, LVII.), Paris: Librairie C. Klincksieck, 1959, p. 97.

[8] Basset (A.), Sur la toponymie berbère et spécialement sur la toponymie chaouia des Ait Frah’ (Département de Constantine) In; Revue internationale d’onomastique, Année 1948, 2-2, pp. 123-126.

[9] Basset (A.), Articles de dialectologie berbére. (Collection Linguistique publiée par la Société de Linguistique de Paris, LVII.), Paris: Librairie C. Klincksieck, 1959, p. 97.

[10]– مقابلة مع عمي بشير في منزله.[11]– الدكتور نزال عبد المالك بن الصادق.[12]– أنظر آيات الصمود لفاني كولونا ص191.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!