سؤال وجواب حول تاريخ الملك الفرعوني ششناق وعلاقته بتاريخ الجزائر والأمازيغ

الفرعون شيشنق ولد في مصر فما علاقته بالأمازيغ ؟

    إن المثير للدهشة في الجدل الواقع حول أصول شيشنق أن الذين يدافعون على فكرة “شيشنق مصري ولا علاقة له بالأمازيغ” فقط لأنه ولد بمصر هم أنفسهم من يرجعون نسبهم الى السعودية واليمن رغم أنهم ولدوا في الجزائر الأمازيغية التاريخ والهوية، و يمارسون ثقافة وعادات أمازيغية محلية لا مثيل لها في السعودية والحجاز، وهم أنفسهم كذلك من يقولون أن حنيبعل بطل فينيقي مشرقي رغم أنه ولد في مدينة برقة الليبية من عائلة برقية (double discours) ! فالفرق بينهم وبين شيشنق هو أن قبيلة المشواش وكذلك شيشنق قد حافظوا على خصوصيتهم الثقافية حيث أن صور شيشنق على الأثار المصرية تصور بشكل دائم ريشة النعام التي يضعها زعماء المشواش على رأسهم كعلامة النبل والزعامة، هذا رغم أن شيشنق من الجيل السادس للمشاوشة في أرض مصر كما نجد أن لقب “رئيس المشواش” او لقب ” الزعيم العظيم للمشواش” وهو لقب ليبي خاص بالمشواش قد استمر عند هذه الجالية الامازيغية التي استوطنت مصر و حتى عند خلفاء ششناق ، كما حافظت هذه الجالية على اسمائها الليبية :ششناق، اوسركون، نمروت، باثوت، تكلوت، أمازسيس … ) وحتى والدة شيشنق كانت تسمى تينتشِپيه Tentshepeh وهو إسم أمازيغي يبدأ “تين tin” التي تعني في الأمازيغية ” ذات” أو “صاحبة” مثل الملكة تين هينان أو أسماء المناطق في الحنوب الجزائري مثل تين زاوتين، تيندوف … كذلك نجد أن عائلة شيشنق قد حافظت على الوشم واللباس الأمازيغي وهي أدلة أركيولوجية تؤكد لنا أن ششناق وقبيلته كانوا يرجعون هويتهم الى الخصوصية الماشوشة (الامازيغية) الليبية وربما لأسباب ايديولوجية فرضتها الذكريات الموروثة للصراعات القديمة بين الشعبين (راجع موسوعة أوكسفورد العلمية الجزء الخاص بالحضارة المصرية القديمة) فششناق إذا حتى ولو كان من الجيل الذي ولد بمصر إلا أنه أمازيغ الأصل والثقافة لأنه حافظ على خصوصيته الأمازيغية .

شيشنق تذكره كتب التاريخ على أنه من أصول ليبية فما علاقته بالجزائر ؟

مصطح ليبيا، الليبي في كتب التاريخ القديمة وأهمها هيرودوت الإغريقي كان يقصد بها شمال إفريقيا وإنه لمن العيب الكبير أن نستمع إلى مؤرخ بدرجة دكتوراه (محمد الأمين بلغيث) يصرح في قناة تلفزيونة أن ششناق ليبي ولا علاقة له بالجزائر! فإذا كان أستاذ جامعي في تخصص التاريخ لا يتحكم في المصطلحات الأكاديمية فماذا سننتضر من عامة الناس غير متخصيين؟

فمصطلح “ليبيا” إذا كان يقصد به شمال افريقيا من غرب مصر الى غاية الأطلسي غربا ، وقد استعمل في المؤلفات الاغريقية الكلاسيكية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ونفس الشيئ لمصطلح الليبي والليبين اللذين كان يقصد بهم الجماعة الاثنية التي كانت تسكن في ليبيا (شمال افريقيا) حسب ما اكده هيرودوتوس في الكتاب الرابع الذي خصصه للحديث عن الشعب الليبي وهو سبب تسميته بالكتاب الليبي (الفقرات 145-205 ص ص. 101-137) ، كما قام أبو التاريخ بتخصيص الفقرتين 42-44 (ص ص.50-53) لتحديد الاطار الجغرافي لكلمة ليبيا التي كانت تمثل عنده القارة الثالثة في العالم القديم الى جانب اوروبة واسيا .
على هذا الأساس اطلق المؤرخون على الأبجدية التي ظهرت في شمال افريقيا في تلك المرحلة بالكتابة الليبية ، حيث ترجع الدراسات الأكاديمية اقدمها الى النصف الثاني للالف الثانية ق.م ( مليكة حشيد، 2001) وبعضها الى القرن السادس ق.م ( نقيشة أعزيب نكيس بالمغرب ، غبريال كامبس وسالم شاكر 2007) .

خريطة العالم القديم حسب هيرودوتوس
خريطة العالم القديم حسب هيرودوتوس

هل شيشنق هو من وضع التقويم الأمازيغي ؟

شيشنق لا علاقة له مع التقويم الأمازيغي، والحركة الأمازيغية لم تقل يوما أن ششناق هو من وضعه، التقويم الأمازيغي فكرة حديثة ظهرت عند نشطاء الأكاديمية البربرية ، كل ما فيها هو أن المناضل الأمازيغي الشاوي عمار نقادي قام بجعل تاريخ وصول الملك ششناق الى السلطة في مصر سنة 950 ق.م عبر انقلاب ناعم تم عبر الزواج، كنقطة الصفر لبداية التقويم الفلاحي الأمازيغي الذي نجهل تاريخ بدايته والمعمول به في كل الشمال الافريقي. و تكمن رمزيته في اعتبار وصول هذا الفرعون المصري ذو الاصول الأمازيغية الى الحكم كنهاية لسلسلة من الحروب بين الشعب المصري القديم والليبي (الشمال افريقي) التي بدأت منذ فجر التاريخ المصري كما جاء في (لوحة الحصون، متحف القاهرة تحت رقم je 27434) الى غاية حروب الفرعون ستي الاول ضد تحالف كبير للقبائل الليبية (الشمال افريقية) سنة 1308 ق.م وحروب رمسيس الثاني سنة 1289 ق.م التي خلد انتصارته على الليبين في معبده أبي سمبل ثم الغزوة الكبرى لقبائل الريبو الأمازيغية بقيادة Merey son of ded على مصر خلال حكم الفرعون مرنتباح سنة 1219 ق.م . ثم رمسيس الثالث الذي خاض حربين ضد الامازيغ حسب ما وصلنا من آثار معبده “هابو” حيث قاد زعيم الريبو “themer” جيشا قوامه 30 الف مقاتل لغزو مصر سنة 1194 ق.م ، والحرب الثانية كانت في 1188 ق.م التي قاد الزعيمين keber و meshesher الأمازيغيين جيوش المشواش للثأر من هزيمة الحرب الأولى وقد تصدى رمسيس الثالث لها ايضا لكنها كانت بداية لتوغل العنصر الأمازيغي في دولة مصر حتى بلغ بهم الأمر الى السيطرة التامة على السلطة العسكرية والدينية هناك وهو ما عبد الطريق للششنق الاول نحو كرسي فرعون مصر ليحكم الأمازيغ فيها من الاسرة 22، 23 ، 24 و الاسرة 26 .

وهذا ما ينطبق مع الأسطورة الشعبية بمنطقة الاوراس “أس ن فرعون” التي تأثر بها نقادي بحكم انه ابن المنطقة. وتجدر الاشارة هنا إلا أن تاريخ هذه الحروب بلغتنا من المصدر المصري فقط وإرجاع الانتصارات الى الفراعنة في كل المعارك محل شك، وبسبب غياب المصدر التاريخي الليبي فإن التاريخ المقارن يؤكد لنا أن الانتصارات المنسوبة للفارعنة في حروبهم ليست كلها حقيقة تاريخية وعلى سبيل المثال نذكر أن قصة معركة قادش 1274ق.م بين رمسيس الثاني و الحيتيين بقيادة الملك مواتللي الثاني في سوريا حيث خلد رمسيس الثاني انتصاره في المعركة، و قام بنقش تفاصيلها بالكامل على جدران معبد الرمسيوم و معبد الأقصر، وكذلك معبده بأبو سمبل (ما يعرف بأنشودة معركة قادش) بقيت على هذا الحال حيث يذكر التاريخ هزيمة الحيتيين على يد المصريين الى غاية سنة 1906م حينما اكتشف عالم الآثار الألماني هوجو فينكلر عدد كبيرا من لوحات طينية مجفّفة منقوشة بحروف آشورية تحدثت عن تفاصيل معركة قادش (تل النبي مندو بسوريا حاليا) وعن الهزيمة التاريخية لرمسيس الثاني فيها واضطراره لعقد اتفاقية صلح مع الحيتيين عكس ما قام بتسجيله على اهرمات مصر التي كانت تمثل الاعلام الرسمي الموجه الى الشعب ( 100 Battles, Decisive Battles that Shaped the World, Dougherty, Martin, J., Parragon, p.10–11)

هل شيشنق ليبي أم جزائري ؟ 

تتفق كل المراجع التاريخية على أن ششناق ينحدر من قبيلة المشواش وهؤلاء حسب جل المؤرخين المختصين في تاريخ المنطقة هم أنفسهم الماكسيون Maxyses الذين تحدث عنهم المؤرخ هيرودوت في القرن الخامس ق.م وارجع اصلهم الى غرب نهر تريتونيوس (شط الجيرد التونسي حاليا) وهنا نحن نتحدث عن دليل تاريخي يعود الى القرن الخامس ق.م ، ونحن نعلم من خلال المؤرخ الروماني justinus أن هذا الأخير وصف الملك  (هيرباس Hiarbas) الذي استقبل اللاجئة الفينيقية عليسة سنة 814 ق.م في تونس حاليا بملك الماكسيتاني maxitani ، و مازيكس Mazikes هم انفسهم الأهالي الذين أطلق عليهم justinus تسمية ماكسيطاني حسب إستفيان أغزال ( تاريخ افريقيا الشمالية، ج 1 ص 308) و الماكسيتاني تحور لغوي لاتيني لاسم مازيغ حسب غبرييل كامبس (البربر ذاكرة وهوية ، ت، عبد الرحيم حزل , ص 58) وحسب المؤرخ دونالد ريدفورد : “الماكسيس هم انفسهم المشواش ” ( مصر وكنعان واسرائيل في العصور القديمة، ت، بيومي قنديل، ص 373) ،ناهيك عن اتفاق كل من عالم المصريات الأمريكي ” برستد” والإنجليزي ” “جاردنر ” بأن المشواش هم اصل الامازيغ الذين عمروا شمال افريقيا (تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي، برستد، ت، حسن كمال، ج. ه، ط2، ص. 381، و آلن جاردنر، مصر الفراعنة، ت، نجيب ميخائل، ط2، 1987، ص.312) . فإذا كانت المصادر المصرية ترجع موقع قبيلة المشواش إلى أقصى الغرب مقارنة بالقبائل الاخرى التي عرفتها : تحنو، تمحو، ليبو، ريبو، واعتمادا على هيرودوت الذي جعل موقعهم غرب بحيرة “Tritonis” فنحن لدينا أدلة أركيولوجية قاطعة تأكد أن أصل قبيلة المشواش التي ينحدر منها ششناق هو الجنوب الجزائري في طاسيلي ناجّر حيث نجد هناك رسومات مماثلة للتي بمصر والتي تشير الى المشواش من حيث اللباس وريشة النعام على الرأس.

صور الأمازيغ في الآثار المصرية :

صورة ششناق في الأثار المصرية
صورة للشعوب التي كان المصريين يتعاملون معها ومن بينهم الأمازيغ
صورة من أهرمات مصر تظهر الريشة التي كان يضعها التجنو الأمازيغ

 

صور الأمازيغ في آثار التاسلي ناجر :

من آثار الطاسيلي ناجر بالجزائر يظهر فيها رجلان بنفس لباس المشواش على رأسهما ريشتين ويرلبسان عباءتين تماما كما يظهر في صورة المشواش على قبر ستي الاول في الآثار المصرية

 

صور من تاسيلي ناجر لرجلان يرتديان جراب العورة وذيل الحيوان وعلر رأسيهما ريش مسلحين بعصا الرماية تماما كما يظهر لنا من موصفات الليبيين القدامى في الأثار المصرية

كل هذا يأكد لنا أن أصول ششناق تعود الى الأراضي التي سيطلق عليها في التاريخ الحديث بالمغرب الأوسط ثم الجزائر وأن الذين يتهجمون على كل ما له علاقة بالتاريخ الأمازيغي ليس لهم أي نقاش أكاديمي في كتباتهم بل مجرد أفكار عاطفية مؤدلجة غالبا ما يكون مصدرها من مواقع التواصل الإجتماعي وليس من كتب التاريخ المتخصصة.

أجوبة من مقال للأستاذ : مصطفى صامت

Exit mobile version