أميل فيليكس غوتييه ( 1864 – 1940) عالم جغرافي بارز قادته الجغرافيا إلى التاريخ، والتاريخ مال به لدراسة الإنسان. اعتمد غوتييه في أبحاثه مختلف الوسائل العلمية وتوزعت نشاطاته بين زيارة الأماكن ومراجعة الكتب القديمة وغربلتها، فتوصل على ضوء ذلك لأعمق الاستنتاجات. بدأ المؤلف حياته أستاذا في مدغشقر قبل انتقاله للجزائر ليستقر فيها, وقد عرف ببعده عن روح لتقليد وامتاز بنزعته التجديدية.
وكتابه «ماضي أفريقيا » من المؤلفات النادرة التي وضعتها بين يدي الباحثين الغربيين ليفتح أمامهم طريق البحث العلمي الشاق في شؤون الشمال الإفريقي منذ أقدم العصور. وقد حرص المؤلف على عرض شؤون الشمال الإفريقي منذ أقدم العصور. وقد حرص المؤلف على عرض فرضياته حيث لم تتوفر لديه البراهين اللازمة لاستجلاء بعض
الغوامض التي سعى إلى كشفها. ذلك ل يجنيه لوقوع في الخطأ والإجحاف بعض لأحيان، فهو على سبيل المثال لم يقر
الجزائر كدولة قائمة بذاتها لا يمكن أن يكون جزءا من فرنسا.
وكتاب غوتيه لم يفقد أهميته بمرور الزمن، وإذا كان يحتاج لبعض الإضافات والمعلومات التي تفسر فيما بعد، فان المؤلف نفسه لا يمانع في الإفادة منها وهو الذي دعا لتجنب التأويلات السطحية ونادى بضرورة التسليم بحقيقة الوقائع حين توفرها.
البلاد: إذا شئنا أن نفهم تاريخ المغرب علينا ألا ننسى الإلمام بطبيعة هذه البلاد ذات الماضي المميز.
جزيرة المغرب:كثيرا ما يتردد على مسامعنا التعبير العربي، جزيرة المغرب، مع أن المنطقة ليست محاطة بالماء إلا من ناحية الشمال، في حين نحاصرها الصحراء جنوبا وتعزلها أكثر مما بعزلها البحر الأبيض المتوسط.
أن البلدان القارية التي تتصل اتصالا حرا بما يحيط بها من شأنها أن تؤثر بلا هوادة في حياة الكرة الأرضية . أما بالنسبة للمغرب فتختلف الحال نظرا لعزلته البعيدة. ففيه امتد العصر الحجري أكثر من امتداده في أوروبا، وفيه المغربي تأخر عن ركب الحضارة أكثر مم تأخر غيره من سائر شعوب الأبيض المتوسط البيضاء. يضاف إلى ذلك، أن أي حديث جديد في بلده هذه سماته،ومن شانه أن يحدث تغييرا بعيد المدى فيه نحو من الاتساع لا نعرفه في أوروبا. ولنلاحظ المناظر الطبيعية لنتأكد من ذلك. ففي فرنسا مثلا لم تتغير الطبيعة كثيرا عما كانت عليه في الطور الرابع، وإن تغيرت فليس إلى حد زالت فيه معالم الماضي تماما. وبوسعنا أن نتعرف في فرنسا اليوم إلى ملامح بلاد الغال القديمة من حيث وجود النبات وحياة الحيوان.
أما في المغرب فلا نجد اليوم سوى نبات الصبار على أنواعه وقد استورده الإنسان من القارة الأمريكية منذ قرون أو أربعة. أو بساتين البرتقال بأثمارها الذهبية وهي من أصل صيني عرفتها البلاد في القرون الوسطى. يضاف إليها الزهور الاستوائية التي تزرع في حائق لاختبار وجل أسمائها لاتينية. في بلادنا أيضا تطورت أزهار الحدائق منذ قرنين أو ثلاثة لكنها ظلت متواضع تعيش في الدور السفلى أو على موائد الحفلات أو في أنية قاعات الاستقبال. وفي المغرب وحده نر الزهور تعلو البيوت في أنحاء المدينة عل وتذكرنا بلندن يعشعش فيها نبات المريخ كما
تصوره رواية ويلز: «حرب العوالم .» وإن شئنا أن نتمثل منظر أفريقيا الروماني، ينبغي لنا أن نحف أنواع النباتات التي تثيرها في أذهاننا ذكر المغرب. وسنتحدث فيما بد عن الصعوبة التي نجدها في تصور حيوان أفريقيا الرومانية حيث كان كل يحل محل الجمل – الذي لم يعرف في ذلك الوقت- قطعان من الفيلة البري.
تلك القفزات المفاجئة نجدها أيضا في التاريخ البشري. فيالها من هوة سحيقة بين قرطاجنة البونية والروماني ! بين أفريقيا الرومانية والمغرب المسلم! كذل بينه وبين أفريقيا الفرنسية!
كل شيء يتبدل عل حين غرة: اللغة والدين والمفاهيم السياسية والاجتماعية. انه تاريخ شديد التقطع إلى أجزاء منفصلة بعضها عن بعض. ففي أوروبا تطور متكامل حسب خط متصل. أما المغرب فسلسلة من التبدلات المفاجئة.
إلى أن هناك مجموعة من الظواهر تدفعنا دائما لتذكر عبارة «جزيرة المغرب ». فقد حافظت بعض أنواع الأزهار والحيوان على بقائها إلى جانب شكل من أشكال الحضارة رغم جميع التغيرات. ذلك لأنها في عزلتها لم تتعرض لصراع البقاء. ثم جاءت الحياة الجديدة لتطغى على معالم الأشياء لأولى الباقية الباقي.
طبع هذا الكتاب سنة 1970 ولم يصدر منه أي طبعة أخر ى
حتى قامت مؤسسة تاوالت الثقافية بإعادة طباعته وتصفيفه