التاريخ القديم

بين إفريقيا اللاتينية و إفريقية العربية … هكذا أصبح افر (Afer) الامازيغي اسما لكل القارة

اشتقاق اسم إفريقية بين الاسطورة و الحقيقة


لنميز اولا و منذ البداية بين افريقية و افريقيا ,ان التسمية الاولى , كانت تطلق على شمال شرق تونس الحالية , و يذكر زوناراس ان الاراضي المجاورة لقرطاجة , كانت تسمى ” افريقية”, اثناء الحرب البونية الثانية ,مما يفسر لنا – ربما –لقب ” افريكانوس ” الذي حمله سكيبيو المنتصر على حنبعل في زاما سنة 202 ق .

كانت هذه الاراضى تابعة لقرطاجة قبل سقوطها في يد روما سنة 146 ق .م , والتى حولها سكيبيو أيمليانوس الى مقاطعة رومانية تحت مسمى “مقاطعة افريقية “( برووانكيا افريكا/Provincia Africa), و احاطها بالخندق الملكي (Fossa Regia) , و التى بقيت بعد الفتح الاسلامي تسمى “افريقية”.

اما إفريقيا , فهى “القارة” التى كانت تعرف عند الاغريق ب: “ليبيا” من هوميروس الى هيرودوت حتى بوليبيوس و سترابون و بطليموس , وبعد ان وضع الرومان اقدامهم في شمال شرق تونس 146 ق .م , اطلقوا على المنطقة التى احتلوها , والممتدة من وادى ثوسكة عند طبرقة حتى هنشير طينة عند خليج قابس اسم إفريقية (Africa) , و بعد قرن من ذلك , وبعد انتصار يوليوس قيصر على يوبا الاول , ملك نوميديا (60-46 ق.م) في معركة تابسوس , حول جزء من مملكته الى مقاطعة رومانية جديدة , سميت افريقية – الجديدة (Africa Nova), تميزا لها عن افريقية القديمة (Africa Vetus) , التى تم احتلالها سنة 146 ق .م .

هكذا بدأ اسم افريقية , يتوسع شيئا فشيئا , حتى اصبح , يطلق على كامل” القارة عوض “ليبيا” بينما تقلص اسم ليبيا في اواخر الفترة الرومانية , فأصبح يطلق على الاراضي الممتدة من خليج سرت (السدرة ) بليبيا الحالية حتى الحدود الغربية للدلتا و وادي النيل التى قسمت الى : ليبيا العليا (اقليم برقة) و تمتد من غرب مدينة درنة الى السرت , اما من درنة حتى حدود الدلتا الغربية , فأصبحت تعرف باسم ليبيا السفلى او مارماريداى , وهي التى عرفت باسم مراقية عند العرب .

اما مصطلح ” افارقة ” المشتق من الاثني ” افر” (Afer) هذا الاثني , الذى تتبعه الصيغ مثل : افريكوس(Africus) و افريكا (Africa) و افريكانوس (Africanus), يبدو انه كان يستخدم للاشارة للسكان الاصليين , الذين يعيشون على الاراضى الخاضعة لقرطاجة , وكان يستعمل بكثرة في الاداب و التأريخ اللاتيني السابق لتدمير قرطاجة و تأسيس مقاطعة افريقية سنة 146 ق.م.

نلاحظ بعض التردد , وحتى الخلط في استخدام مصطلح ” افر ” بالنسبة لتيتوس ليفيوس , نجد ان ” الافريين” يقابلون و ينطبقون مع ” الليبيين” , عند بوليبيوس مايعنى ” الافارقة “الخاضعين لقرطاجة , وفى هذا الاطار , نجد اريانوس يصف حنون , صاحب الرحلة الشهيرة على السواحل الغربية لافريقية ب” الليبي” , بينما نعت هوراسيوس (65- 8 ق.م ), القائد حنبعل برقة ب” الافرى”
بالنسبة لبعض الكتاب اللاتين , كان الافريون متميزين عن النوميديين و الموريطانيين , بشكل يوحي ان ألاثني ” افر” كان يشير الى قبيلة او اتحاد قبائل , كانت اراضيها بصفة عامة تتوافق مع شمال شرق تونس .

اما عن اصل تسمية افريقية , افريقيا , فهى محل العديد من الاساطير بين من ينسبها الى “افر ” الجد الاول , وهذا الجد ايضا , مختلف باختلاف مصدر الاسطورة , و يكون اما ابن كرونوس (Cronos) و فيليرا (Philyra)عند الاغريق عندما تكون الاسطورة اغريقية , او افريق بن ابراهيم عليه السلام من زوجته الثانية قطوري عند اليهود ,حسب الرواية التى ذكرها المؤرخ اليهودى فلافيوس يوسيفوس ,او افريقش بن ابرهة , الذى قام بغزو بلاد المغرب حتى طنجة , وهو الذى بنى “افريقية”و باسمه سميت بناء على البكرى (المسالك و الممالك ) , و بين من قال سميت افريقية و سكانها افارقة , لأنهم من ولد فارق بن مصرايم.

اما حول اشتقاق اسم ” افريقية /افريقيا” فهو محل العديد من الروايات و الاساطير , التى يوردها المؤرخون العرب , وهي لا قيمة علمية لها, حتى ان بعضهم قال انها سميت “افريقية” تنويها بما يفرق بين سكانها , بل ذهب بعضهم الى اشتقاق اسم “افريقة” من مادة “فرق” و هو خطأ بيٌن ناتج عن جهل تاريخي و لغوي , و قد قدم استاذنا محمد حسين فنطر مؤخرا تفسيرا علميا لغويا لا غبار عليه , يزيل كل لبس عن اصل هذه التسمية المشتق من ” افر ” , المتداولة بكثرة في اللغة الليبية (الامازيغية ), و التى مازلت منتشرة في مناطق شتى من البلاد المغاربية , و منها اشتق الرومان اسم افريكا (Africa) في التأنيث و للدلالة على الارض , و افريكوس(Africeus) في التذكير و افريكانوس (Africanus) .

فالكا (Ca) المنقول ” قاف “الى اللغة العربية في افريقية و افريقي و افارقة , لاحق لاتينيى يفيد النسبة , هكذا تكون هذه الاسماء مركبة من عنصرين: عنصر محلى اصيل “افر”, وعنصر لاتيني دخيل , يفيد النسبة “قا” “Ca” ,فالقاف فى افريقة و افريقى و افارقة , لاحق لاتينيى , يفيد النسبة في اسماء الاعلام و المواقع , فقد ادخل الرومان على “افر”لاحق النسبة عندهم فقالوا: افريقوس/افريكوس (Africus) بمعنى الافريقى /افريكا(Africa) بمعنى الارض الافريقية, او الافريقية في التأنيث , وهناك لا حق اخر و هو كانوس / قانوس (Canus), فيقال افريقانوس / افريكانوس (Africanus) من لواحق اللغة اللاتينية للدلالة على النسبة , ولما جاء التعريب , اضيفت “ياء” النسبة و ” تاء” الاعلام , فقيل افريقي و افريقية , ففى افريقى , يوجد لاحقان , الاول لاتينى و هو حرف ” القاف “و الثانى هو “ياء” النسبة عند العرب , و فى جمع التكسير نقول ” افارقة”, مما يبعد كل الاساطير التى حاولت تفسير مصطلح “افريقية / افريقيا “بالعودة الى ” جد” اسطورى , او التفسير الذى يرجع اصل المصطلح الى مادة “فرق”

هكذا نلاحظ ان تاريخنا ما زالت تشوبه الكثير من الاساطير و الخرافات العالقة به , والتى لا قيمة علمية لها , و ما احوجنا اليوم الى دراسات علمية تخلصه من هذه الشوائب و وتعيد له بريقه .

بقلم :أ . د.محمد الهادى حارش
استاذ التاريخ و الحضارات القديمة
جامعة الجزائر 2.
عين البنيان – الجزائر فى 02-02-2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!