أقلام حرةشخصيات أمازيغية

الملك النوميدي أرابيون.. لمحة حول التاريخ الثوري ودلالة الاسم السامي له

ظهر الملك النوميدي الامازيغي أرابيون/عرابيون الى مسرح تاريخ شمال افريقيا مباشرة بعد انهزم المبيايوسيون من حلفاء يوبا الأول في افريقية بعد معركة ثابسوس الشهيرة (Thapsus) سنة 46 ق.م. بعد ان تغلب عليهم حلف قيصر الذي كان يتكون من أبناء بخوص و الروماني سيتيوس، قام هؤلاء بتقسيم مملكة يوبا الاول، وفر بعد تلك الهزيمة أنصار بومبي الى اسبانيا، وكان عرابيون ابن ماسينيسا الثاني من اللاجئيين الى اسبانيا يعد العدة ويستعد للفرصة السانحة لاعادة الهجوم على نوميديا لتحرير مملكة أبيه واجداده من الرومان وقوات بوخوص المتحالفة مع قيصر.

في سنة 44 ق.م سيقتل قيصر في روما وتشتعل حرب أهلية بين الجمهوريين والقيصريين هناك، شغلتهم تلك الحرب عن شمال افريقيا ، ورفع الدعم على انصار قيصر ( بخوص الثاني والثالث مع سيتيوس ) فأغتنم عرابيون الفرصة ونزل بجنده في جبال نوميديا السطيفية وما ان رآه أهله من الأمازيغ حتى ابتهجوا به، ورأوا العزة والشجاعة في سيفه ورغبوا الثأر والحرية تحت رايته ، فكون بهم الكتائب ورص الصفوف ونظم الجيش الذي قاده ضد بخوص الثاني والثالث فدحر جيوشهم غرب واد الصومام في قبائل الحلف الخماسي (منطقة القبايل حاليا) ومملكة أبيه نوميديا السطيفة .

تخلص أرابيون من سيتيوس واسترجاع نوميديا الوسطى :

وكان سيتيوس قائد روماني من حلفاء قيصر قد حارب ضد يوبا الاول وحلفاءه من البومبيين فورث نوميديا الوسطى بعد معركة ثابسوس، و كانت سلطته تشمل سيرتا، ميلة، سكيكدة ، لكنه لزم الحياد بعد عودة أرابيون من اسبانيا وتحقيقه لانتصارات في موريطانيا الشرقية ضد ورثة بوخوص ، فلم يشارك في المعارك خوفا من ثورة الأمازيغ الذين بث أرابيون الحماس فيهم ، لكن أرابيون ثأر ليوبا الاول فقتل القائد سيتيوس وأسترجع بذلك نوميديا الوسطى .

بقي لأرابيون نوميديا الشرقية وافريقيا الجديدة وكان يأمل أن تطول الحرب الاهلية في روما أكثر لتضعف قوتهم ويسمح له الوقت بترتيب صفوفه أكثر للزحف نحو الشرق لكن ذلك لم يتحقق له، فالقيصريين والجمهوريين أقاموا الصلح وعاد اهتمامهم بإفريقيا الجديدة ونومديا الشرقية، وكان خطر ثورة أرابيون سببا يكفي لتوحيدهم لحماية أمن روما، رغم ذلك فقد تجنبت روما خوض حرب مفتوحة ضد الثائر النوميدي الجديد لأن ذلك ستكلفها الكثير من الخسائر فلجأت كعادتها الى حياكة المكائد والخدع فاوعزت الى من يغدر بعرابيون، فاغتاله والي افريقية سكسيوس في سنة 42 ق.م بعد أن عمر عهده في الملك نحو سنتين فقط حقق فيها انتصرات على خصومه .

استولى الرومان مرة أخرى على نوميديا الوسطى، وهجم بوخوس الثاني و بوكوس الثالث على نوميديا الغربية فصارت مملكتهم تبدأ من الاطلسي غربا الى غاية سيرتا شرقا . بينما بقيت جبال جرجرة والبابور والاوراس مستقلة عن الموريطانيين وكذلك الصحراء خاضعة لأهلها من أحرار الجيتول (أجداد الطوارق) فسميت جيتوليا . وكان أرابيون آخر ملوك نوميديا الثائريين ضد روما .

دلالة الاسم أرابيون (Arabion) السامية :

الاسم السامي لهذا الملك جعل بعض انصار القومية العربية في شمال افريقيا يحاولون صنع نسب مشرقي له دون أي دليل يذكر، فهل يمكن أن يكون اسمه السامي البونيقي دليل على مشرقية (فينيقيتة) هذا الملك ؟

تاريخيا لم يذكر أي من المؤرخين المتخصصين في تاريخ المنطقة أن الملك عرابيون من أصول أجنبية كما يحاول التعربيون في شمال افريقيا فرضه، بل هناك اجماع كلي على أصوله الماسيلية الامازيغية، فهو إبن الملك ماسينيسا الثاني الذي عاصر يوبا الاول، وأكثر من هذا، وهو ما يجهله او يتجاهله هؤلاء القومجيون ، هو أن إسم عرابيون (Arabion) هو اسم ثاني له نعت به، اما اسمه الحقيقي الاصيل فهو ماسينيسا نفس اسم والده كما يؤكده المؤرخ غبريال كامس وقزال وغيره ، فيكون بذلك هو ماسينيسا الثالث، حمل اسم عرابيون تأثرا بالثقافة البونيقية، حيث كان بعض ملوك الماسيل الامازيغ يحملون أسماء بونيقية سامية أمثال الملك أذربعل .

ماذا يعني إسم أرابيون (Arabion) وما علاقته بالاسم الأمازيغي ماسينيسا؟

كان هناك جدل بين بعض المؤرخين المهتمين بتاريخ المنطقة حول دلالة اسم ماسينيسا الذي وصلنا عبر النقوش القديمة من خلال عبارة Msnsn أو ⵎⵙⵏⵙⵏ ولأن الليبية/الأمازيغية القديمة كانت تكتب بدون حروف العلة مثلها مثل البونيقية وكل اللغات القديمة فقد وقع الاختلاف في دلالة هذا الأسم فمنهم من قال أنه يعني :

1- ماس (سيد) ن (نون الملكة) سين (الاثنين) : أي سيد الاثنين وهما الربين الأمازيغين تنايت وآمون اللذان كان الأمازيغ يعبدونهما .

2- ماس (سيد) ن (نون الملكية) سن (هم) أي سيدهم : وهو الافتراض الأكثر رواجا وقبولا .

3- مسن المسنين : هناك افتراض آخر قدمه العروبي عثمان سعدي الذي حاول كعادته ايجاد صيغة عربية لاسم ماسينيسا لاستكمال مشروعه في تعريب المجرات فقال أن اسم ماسنيسا هو اسم “بونيقي عربي” يعني “مسن المسنيين ” أي شيخ الشيوخ ؟؟ وهي خزعبلات معروفة عنه . لكننا سنناقشها ونرد عليه من خلال المدلول اللغوي السامي لاسم أرابيون .

دعونا الأن نرى ماذا يعني مصطلح أرابيون (Arabion) ونشير الى ان المؤرخين يرجعون هذا الاسم الى البونيقية المشتقة من الفينيقية ولهذا علينا البحث في اللغة العبرية التي هي شقيقة اللغة الفينيقية وأكثرها قربا منها بدليل ان رموز الكتابة الفينيقية تم تفكيكها وقرائتها عن طريق اللغة العبرية (راجع مقالنا : الدوافع السياسية والايديولوجية وراء سعي القوميين العرب لتعريب الفينيقيين والأمازيغ) . وبعد تجريد اسم أرابيون من صيغته الممزغة، الألف للمفرد المذكر في بداية الكلمة، والنون اللتان تستعملان في الاسماء الامازيغية، حسب الدكتور سالم شاكر ، نجد في العبرية أن مصطلح רב [rab] يعني القائد أو الرئيس العظيم ، وهو ما سينتقل لاحقا الى اللغة العربية في صيغة “رب” التي تعني “السيد” و”الكبير” او “الله”، حيث يقال “رب العائلة” للأب و كبير العائلة وحاميها، وهو نفس المعنى الذي ينطبق تماما مع الاسم الامازيغي ماسينيسا ويأكد الافتراض الثاني الذي يقصد به “سيدهم” ويبطل افتراض عثمان سعدي لأنه قدم اسم ماسينيسا على انه بونيقي في نفس الوقت الذي تأكد وجود صيغة بونيقية سامية مرادفة لهذا الاسم تمثلت في أرابيون أو عراربيون .وهي صفة سامية أطلقت على ماسنيسا إبن ماسنيسا الثاني وحفيد الأقليد ماسنيسا الأعظم .

بقلم مصطفى صامت

هوامش :

Appien, Guerre civiles, IV, 54 à 56 et 83.

Camps G., « Les derniers roi numides : Massinissa II et Arabion», Bull, archéol. du C. T.H.S. nlle série, fasc. 17 B 1984, pp. 303-311.

S. Chaker, Onomastique berbère, cahier n° 7

Forum Babel

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!