كتب المخرج الجزائري محمد اوقاسي* عن الفنان الراحل إيدير:
” أعتقد أن الموهبة هي أساس الإبداع في كل الميادين. ومن المبدعين في ميدان الأغنية نجد المطرب إيدير رحمه الله كان فعلا يطرب المستمعين إليه حتى وإن لم يفهموه فكان يستحق اسم مطرب عن جدارة. فأي مغني في الجزائر سواء ينهق أويعوي يطلقون عليه درجة مطرب. كل المغنين عندنا مطربون وهم لا يطربون إلا القليل.والمطرب إيدير كان من الوجوه الفنية الذين خطوا معي أول خطوة في مسيراتهم الفنية وأنا أعتز أني كنت وراء أول ظهور لهم على الشاشة مثل الفنان صالح أوقروت (صويلح) ، محمد عجايمي، بهية راشدي وغيرهم في التمثيل كثيرون.وفي الغناء أذكر المرحوم جمال علام، كريمة (أسا نزهى)، محمد لامين، زهرة نسومر، حسيبة عمروش والقائمة طويلة جدا. كنت أبحث عن الوجوه الجديدة في الأغنية القبائلية وقد كانت مغبونة في ذلك الزمن لأقدمها إلى الجمهور وأساعدها على النجاح. كنت أختار بعناية في مكتبة الأغاني بالإذاعة الأغاني الجميلة الجديدة التي أشم فيها رائحة النجاح .
وهناك عثرت على شريط به أغنيتان إثنتان : ثسكورث بمعنى الحجلة. وأفافا إينوفا بمعنى يا أبي. أما (فا) في الأخير فقد أضيفت للضرورة الموسيقية أخذت من فافا أي (أفافا إنو) + فا.قال لي موظفو مكتبة الأغاني أن الشريط سجله شاب هاو يسمي نفسه إيدير. بحثت عنه حتى التقيت به في دكانه قرب فندق السفير، أين رفض رفضا قاطعا الظهور على شاشة التلفزيون. كان يبيع البرنوس و la rose des sables وأشياء تقليدية في أوقات فراغه من الدراسة بالجامعة وكان يصغرني ب3 سنوات إذ كنت أنا في بداية مشواري الفني. لم أيأس وعدت لأقنعه يعد 3 أو 4 أيام وكان جوابه الرفض أيضا. لكنني بعد أسبوع عدت أليه بأسلوب بيداغوجي وقلت له : ما جئت لأطلب منك التصوير للتلفزيون. جئت فقط لأرضي فضولي وأنصرف. فابتسم مستغربا وقال لي : كيف ؟ فقلت : كل الشباب يستعملون المعريفة وشتى الطرق للظهور على شاشة التلفزيون وأنت يأتيك التلفزيون فترفضه. أرجوك أن تصارحني فقط ما سبب رفضك؟ اعتدل في جلسته وقال :
1 – إني أحب والدتي وأحترمها كثيرا. هي محافظة وتحتقر مهنة الفن وأهله لذلك سجلت شريطا باسم مستعار لأرضي رغبتي دون إغضاب والدتي. وهي معجبة بالأغنية وأحيانا ترددها عند سماعها لكنها لا تعلم أن المغني أيدير هو أبنها حميد. لذلك أريد أن أبقى في الخفاء احتراما لها.
2 – أما الفتاة التي سجلت معي الأغنية لو يعلم بها أبوها، إنه قطعا سيذبحها من الخلف.
ضحكت واسترسلت في الضحك فتعجب من ضحكي وقال : وهل هذا أمر يضحكك؟ فقلت نعم. أتعلم أننا نعيش نفس القصة. أنا كنت أدرس الموسيقى والعزف على الكمنجة في معهد الموسيقى ومازلت. وأدرس الرسم في معهد الفنون الجميلة وأشتغل في الإخراج في التلفزيون خفية عن والدي. قد كان يعتقد دائما أني معلم فالفن عنده (شطيح ورديح) وعيب إلى أن شاهد في أول نوفمبر الماضي أوبرات وطنية أعجبته. وفي الغد هنأه جارنا الذي شرفت به أبناء حينا. فغضب والدي وظن أن الجار يمزح معه. فأجابه لا تسخر مني. أبني يشتغل في التعليم ولا علاقة له بالفن. ثم قدم جار ثان بيده جريدة وقال لوالدي : العمل الذي قدمه أبنك البارحة شكروه في الجريدة وكتبوا عنه فقرة طويلة. ومنذ ذلك اليوم تغيرت فكرته حول التلفزيون. وهذا ما يجب عليك أنت فعله كي يتغير رأي والدتك بشهرتك بين جيرانها بعد أن تدخل على قلبها الفرحة والفخر بك. أخذ يفكر ثم سألني : طيب . وما العمل مع الفتاة؟ فقلت له :
قل نعم أما الفتاة فحلها عندي.جئت بفتاة جميلة عمرها 16 سنة كاملة القد وشعرها طويل اسمها زهرة غنت معه في الصورة فقط بنجاح في المركب السياحي بتيبازا بدلا من الفتاة نصيرة صاحبة الصوت الأصلي. وهي أيضا تحولت منذ تلك المناسبة إلى مغنية مشهورة اسمها (زهرة نسومر). وبثت الأغنية في حصة ألحان وشباب ليلة 5 جويليا عيد الإستقلال سنة 1974.نالت الأغنية نجاحا كبيرا وترجمت لعدة لغات. وشق إيدير طريق النجاح علنا أمام والدته في أغان قبائلية أطربت الجميع من كل الأطياف والأعراق باختياره للجمل الموسيقية الجميلة جدا في أغانيه” .
*محمد أوقاسي Mohamed Oukaci مخرج جزائري . اخرج العديد من الافلام اشهرها كرنفال في دشرة و العديد من الحصص و الومضات الإشهارية و البرامج التاجحة التي نالت سبع 7 جوائز دولية، منها حصة مسك الليل في تونس 2002. ساعة من ذهب جائزة الابداع الذهبي بالقاهرة 2007 . اختر سؤالك . عد النجوم مع الشروق tv . جائزة أحسن برنامج مسابقات القاهرة 2012.