أقلام حرة

المؤرخ محمد الهادي حارش : التقويم الأمازيغي محلي ولا علاقة له بالتقويم الروماني

نقاش بيزنطي
بقلم: محمد الهادي حارش
     هناك نقاش بيزنطي، يجري في الساحة الوطنية، كل مرة يركز على نقاط ومواضيع، أحيانا يمس أشخاصا كرموز وأحيانا أخرى أحداث أو معالم في تاريخنا، نتلذذ بالإنقاص من شأنها أو التنكر لها وبل إنكارها.
ونحن نقترب من شهر يناير، وما يعرفه من احتفالات على المستوى الوطني في الأرياف والمدن، تخرج علينا بعض الأصوات الناعقة، من هنا وهناك، لا تنكر فقط هذه الاحتفالات، وإنما تنكر حتى وجود يومية (calendrier) فلاحية ” أمازيغية “، ويتخذون شهور التقويم اليولياني المستخدمة عندنا كدليل على ذلك، ولو كان الأمر من العامة أو متوسطي التكوين فقط، لما حزّ في أنفسنا ذلك، لكن أن يكون ذلك الأمر عند بعض ممن يحملون شهادات عليا، وحتى أساتذة في أقسام التاريخ والآثار، فهذه هي الطامة الكبرى، فهذا أستاذ من معهد الآثار يرسل لي أسماء الشهور السنة اليوليانية، ويتباهى بها في نوع من التحدي لي لأثبت له، أنّه كان لنا تقويم (calendrier)غير التقويم اليولياني، وكأن هناك دول من الخليج إلى المحيط، وبل في العالم، تطبق التقويم اليولياني أو اليولياني المُعدَّل من طرف البابا قريقوار الثالث عشر ( 1502- 1585)، لا تستخدم هذه الشهور، ولا أدري لماذا نشذ نحن؟


الإنكار يركز على شيئين: إنكار وجود تقويم (calendrier) أمازيغي، خارج التقويم اليولياني، ثم إنكار التأريخ 950 ق.م.، الذي تبدأ به هذه اليومية.
أبدأ بالأخير، الأسهل الإجابة عنه، باعتباره مسألة رمزية، أدخلت حديثا على هذا التقويم، باقتراح من عمار نقادي، المدعو أيضا ” عمار الشاوي ” ، على أعضاء الأكاديمية البربرية في اجتماع لها سنة 1968، ضمن اقتراحات أخرى، فتمّ الأخذ باقتراح ” عمار نقادي” ، الذي اختار حادثة اعتلاء شيشنق عرش مصر وتأسيس الأسرة الثانية والعشرين الليبية أي الأمازيغية ( 950- 730 ق.م.)، كبداية لهذا التقويم، وطبعا الأخذ بهذا التاريخ، مثلما كان ممكنا الأخذ باقتراح آخر- رغم رمزيته- فهو مبني على الذاكرة الجماعية للأوراس، التي تسمي هذا اليوم ” يوم الفرعون” ، وأؤكد أن المسألة مسألة رمزية لا غير.
أما بالنسبة للتقويم، فقد سبق لي وأن كتبت في الموضوع أكثر من مرة، آخرها السنة الماضية، حيث قارنت بين ثلاثة تقاويم مدارية في منطقة البحر الأبيض المتوسط القديم: التقويم المصري، التقويم الأمازيغي، والتقويم الروماني، وكان هذا الأخير أسوأ تلك التقاويم، وهي التقاويم الشمسية الوحيدة على حد علمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، على اعتبار أن الإغريق طبقوا التقويم القمري، وهو شأن الكلدانيين والعبرانيين.
أشرت حينذاك إلى أن المصريين طبقوا سنة من ثلاثة فصول:

1- أخت (فصل الفيضان) من منتصف يوليو إلى منتصف نوفمبر، فيه يتم بذر الحبوب.
2- برت ( الانحسار/ فصل الشتاء) من منتصف نوفمبر إلى منتصف مارس، فصل الإنبات وخروج الزرع بالكامل من الأرض.

3- شمو (التحاريق/ فصل الصيف الحار) من منتصف مارس إلى منتصف يوليو، نضج النبات وحصاده، وتصاب الأرض بالجفاف وتشتد الحرارة.


وكان كل فصل بأربعة أشهر من ثلاثين يوما، مما يعطي سنة من اثني عشر شهرا (30*12= 360) تضاف لها خمسة (5) أيام النسي، أيام الاحتفالات، التي تقام شكرا للآلهة على ما أنعمت عليهم من خيرات بعد الحصاد، فأصبحت السنة المدارية المصرية، تتكون من ثلاثمائة وخمسِ وستين (365) يوما، وكانت تبدأ مع ظهور النجم الشُعَري في التاسع عشر يوليو، وهو الذي يتوافق مع بداية فصل الفيضان ” أخت”، وهو تقويم يتطابق مع البيئة المصرية، التي تعتمد أساسا على نهر النيل.
أما الأمازيغ، فقد طبقوا سنة من أربعة فصول:

1- أنبذو أو أويلن (فصل الصيف)

2- أميوان (فصل الخريف)

3- تاقرست (فصل الشتاء)

4- تافسوت (فصل الربيع).
الفصول نظريا من تسعين يوما، لكل فصل، لكن عندما نقوم بحساب دقيق للأيام وفق توزيعها، نجد أن فصلي الصيف والشتاء باثنين وتسعين يوما، وفصلي الخريف والربيع بواحد وتسعين يوما، وهو ما يمكن اعتباره واقعيا في منطقة مناخية، تكاد تتميز بفصلين مناخيين: فصل الصيف الحار وفصل الشتاء البارد، مما يعطينا سنة من ثلاثمائة وستة وستين (366) يوما، وبداية السنة في يناير، يان أيور(الإقمار الأول)، وخلاف ذلك يذكر أبو مقرع (القرن الثالث عشر) في ” الدرر اللوامع” أنّ السنة من أربعة فصول بواحد وتسعين يوما لكل فصل، ويضاف يوما واحدا لفصل الصيف..
هكذا، كان هذان التقويمان (المصري والأمازيغي)، أقرب التقاويم إلى السنة المدارية (الشمسية)، بينما كان التقويم الروماني (تقويم رومولوس)، ذي العشرة أشهر: مارس، أبريليس، مايو، يونو، كوينتيليس (الشهر الخامس/ يوليو لاحقا)، سكستيليس (الشهر السادس/ أغسطس لاحقا)، سبتمبر (السابع)، أكتوبر (الثامن)، نوفمبر (التاسع)، ديكمبر (العاشر)، أربعة أشهر منها بواحد وثلاثين يوما، وستة أشهر من ثلاثين يوما، مما يعطينا سنة من 304 يوما، ما يعني أقصر حتى من السنة القمرية، التي تتكون من 354 يوما، ما أضطر الملك نوما (715- 672 ق.م.)، إلى إضافة شهري يناير وفبراير، وأصبحت السنة تبدأ من مارس إلى فبراير، وتتكون من 355 يوما ما اضطره إلى كبس شهر إضافي من 22 أو 23 يوما كل سنتين، وبقيت مع ذلك اليومية الرومانية، التي تبدأ سنتها بشهر مارس، ناقصة حتى جاء الإصلاح اليولياني سنة 46 ق.م.
عرفنا أن يوليوس قيصر، قد انتقل إلى مصر سنة 48 ق.م.، لملاحقة أتباع بومبيوس، أثناء الحرب الأهلية (49- 45 ق.م.)، وقد بقي هناك في ضيافة كليوباترا السابعة البطلمية، ما لا يقل عن ستة أشهر، ثم انتقل إلى شمال إفريقيا سنة 47 ق.م.، للغرض نفسه، على أن يغادر بعد الانتصار على يوبا الأول في معركة تابسوس في أبريل 46 ق.م.، أي أنّه بقي بها أيضا ما لا يقل عن سبعة أشهر.
هذا ما دفعنا إلى التساؤل، إن لم يتعرف قيصر على التقويمين، المصري الناقص بربع يوم، والأمازيغي الزائد بثلاثة أرباع اليوم، لينطلق في إصلاح التقويم الروماني، وقد تمثل هذا الإصلاح في نقطتين أساسيتين:


1- أقرّ نقل بداية السنة الررومانية من شهر مارس إلى الأول من يناير من كل سنة.

2- كبس سنة كل ثلاث سنوات، فيفي البداية خطأ، الخطأ الذي صححه أغسطس سنة 8 ق.م.، وأصبح مرة كل أربع سنوات ، بإضافة يوم إلى شهر فبراير، ليصبح من ثلاثين يوما مرة كل أربع سنوات في البداية، قبل أن يصبح تسع وعشرين (29) يوما كل أربع سنوات، بعد أن أخذ منه يوما واحدا أضيف لشهر أغسطس سنة 8 ق.م.، حتى يعادل شهر يوليو بواحد وثلاثين يوما.
تلك إذن التقاويم المدارية (الشمسية) التي عرفناها، أما الرد عمن يقول: « السؤال المطروح من أين أتى من يسمون أنفسهم أمازيغ بأسماء أشهرهم، وهم سبقوا الرومان ب 900 سنة، حسب زعمهم، تسمية الشهور كلها بالرومانية، فما معناها بالأمازيغية، إذن أي عاقل يرى التشابه في التسمية ».
ما يريد أن يقوله، أننا نحن ممن نسمي أنفسنا أمازيغ، انتحلنا شهور التقويم اليولياني، ونسبناها لأنفسنا، ونحن ندرك ذلك، رغم التشابه بين أسماء الشهور الرومانية وأسماء الشهور المستخدمة عندنا، هذا التشابه الذي يدركه كل عاقل –ربما- إلا نحن المجانين بشوفينيتنا:


1- طبعا يقصد ” بالأمازيغ ” القبائل، لأنّ مشكل الهوية في الجزائر، حصر واختصر، منذ الاستقلال في منطقة القبائل، التي ركزت عليها السلطة، وجعلتها مشجابا، علقت عليها فشلها، لدرجة أنّ كثيرا من الجزائريين، وحتى الكثير من المناطق الناطقة بالأمازيغية، كانت تعتقد إلى وقت قريب، أنّها غير معنية فعلا، بقضية الهوية في الجزائر، وكانت تذوب وتموت في هدوء، لأن كل أمة تفقد لغتها تفقد حياتها ووجودها.


2- قبل أن أبين للسائل، متى وكيف ولماذا تبنينا شهور التقويم اليولياني، مثلما فعل الكثيرون، قبل أن ينتقلوا إلى التقويم القريقوري، أريد أن أسأل بدوري، هل هناك دول في العالم الآن ، تستخدم أسماء الشهور غير اللاتينية، لأن أسماء الشهور، التي أسميتها أنت باليوليانية، ليست من وضع يوليوس قيصر، وهي سابقة له.


3- لتعلم أيضا أنّ أسماء الشهور اللاتينية تلك قد بدأ استخدامها عندنا في حدود القرن الحادي عشر- الثاني عشر الميلاديين، وقد أدخلها الكُتّاب الأندلسيون، الذين عرّبوا أسماء الشهور اللاتينية وقام علماء الرياضيات والفلك المغاربة بتدوين الفصول وأقسامها من التراث الشفوي الأمازيغي، لتثبيت التواريخ الدقيقة للفصول وأقسامها على أسس علمية، مع تنضيدها على التقويم اليولياني، وذلك بهدف قياس الوقت لممارسة الشعائر الدينية كتحديد مواقيت الصلاة والأعياد والمواسم الدينية بدقة، وكذا كبس أيام للاحتياجات الفلاحية.


4- نحن لا نسمي أنفسنا أمازيغ، وإنما نحن ” أمازيغ” أصلا وفصلا، إن كنت أنت تتنصّل من أصلك، واسم ” تابلاط”، الذي تنتحله، وتختفي وراءه جدير بالاستناد إليه لمعرفة أصلك.


5- تتساءل من أين أتى، الذين يسمون أنفسهم أمازيغ بأسماء شهورهم؟ وأنت ماذا تسمي نفسك، أتحداك أن يقبل بك الذين تريد الانتساب إليهم، إذن احترم نفسك، يحترمك الآخر، ولن تجد بقربك عند الضرورة إلّا من بجنبك.


6- تقول استهزاء بالآخر ” وهم سبقوا الرومان ب 900 سنة حسب زعمهم….”، ألا تعرف أن روما تأسّست سنة 753 ق.م.؟ وهل تعتقد فعلا أن روما سابقة لنا، سابقة للحضارة العاترية، للحضارة الوهرانية، وللحضارة القفصية، ولمهد الحضارات التاسيلي والأهقار، يا سيد لا تتطاول، وتعتز بما أنجزه الآخر، وشمّر على سواعدك لبناء بلدك.


7- أعلم أنّك تريد القول أنّه لا تقويم لكم ولا هم يحزنون، ولا شك أنّك جامعي، وما أكثر الجامعيين الشبه أميين للأسف في عصرنا – حتى لا أقول الأميين- وربما حتى أستاذ جامعي، وقريب من التخصص التاريخ أو الآثار، وتستهزئ وبل تقع في لعبة الاستهزاء بأبناء بلدك التي لعبها الاستعمار البارحة عليك وعلي ويلعبها الطائشون الآن، وأنت جاهل لعواقبها.


8- لو عدت إلى عديد المخطوطات في الفلك والرياضيات، التي كتبها ” الأمازيغ” – وقد لا تحلو لك الكلمة وأنا أقصد بالأمازيغ كل الأمازيغ ، وليس القبائل كما تعتقد وتقصد أنت- في العصور الوسطى الإسلامية – وليس الأوروبية وأنت تعرف الفرق- والمكتوبة باللغة العربية، والتي مازال الكثير منها ينتظر أمثالك ليكشف عن أسرارها، لما احتجت إلى طرح مثل هذا السؤال الذي طرحته، وأنت تعتقد أننا لا نملك تقويما (Calendrier)، ندير به حياتنا في الاجتماع والاقتصاد، وأننا انتظرنا الرومان لنأخذ أو ننقل تقويمهم، لتسيير به حياتنا وننظم به مواسمنا الفلاحية، معتقدا أنّ لك سبق في مثل هذا السؤال، لا يا أستاذ ” المازوخيون” أمثالك، الذين يفتون للفتنة كُثُر.


9- ليس لنا من الوقت والحيز هنا، لنقدم لك اليومية الفلاحية(Le calendrier agraire)، الأمازيغية، بكل ملاحظاتها الفلكية، حساب الوقت، ونسق تنظيم النشاطات الفلاحية وأوقاتها، وشعائر بعض الاحتفالات الزراعية لمختلف مناطق بلادي، التي نجدها في بعض مخطوطات كُتَّاب مغاربة، ومحاولاتهم مطابقة التقويم الفلاحي الأمازيغي، بصبه على التقويم اليولياني، بهدف التدقيق في تحديد مواقيت الصلاة ، وكذا المواسيم والأعياد الدينية كما أشرنا، للأسف أنّ هذا التقويم الذي يُعدّ إرثا، يدخل ضمن مهارات أسلافنا، يعود لآلاف السنين خلت، لم يكن محل دراسات من أبنائه ولا نملك حوله الآن إلاّ دراسات قليلة ومغرضة، وبعض المخطوطات، التي تعد مصادرنا الأساسية، إلى جانب الرواية الشفوية، التي تعد هي الأخرى عرضة لآفة النسيان، لولا بعض الأقوال المأثورة، وطقوس الاحتفال بيناير.


10- أكتفي بتقديم لك أسماء الفصول وأجزاء الفصول، وبعض المعلومات الفلكية، لتعرف أنّنا لم ننتظر لا الرومان ولا غيرهم، للوصول إلى معرفة التقويم، الذي ندير به نشاطاتنا الفلاحية وحياتنا اليومية:
1.10- لا شك أنّك تعرف أنّنا عرفنا الفلاحة في الشمال منذ الألف الخامسة- الرابعة قبل الميلاد، وفي الجنوب قبل ذلك منذ الألف الثامنة (آثار أمكني بالأهقار)، وبالتالي لم ننتظر ميلاد روما سنة 753 ق.م.، لنعرف الفلاحة ولننظم مواسمنا الفلاحية.


2.10- تقول الذين سبقوا الرومان بتسعمائة (900) سنة، وتقصد بداية تأريخ التقويم الأمازيغي (950 ق.م.)، والمفروض أنّك تعرف أنّ الحوادث، التي تؤرخ بها الشعوب أو التي تتخذها بدايات لتأريخها، مسائل رمزية، ولا علاقة لها ببداية التقويم ذاته، ومعروف أنّ هذا التأريخ لم يبدأ العمل به عندنا إلاّ في القرن الماضي (1968م)، وكدنا ننسى آنذاك حتى التقويم ذاته، لولا بعض الفلاحين، الذين ظلّوا يفلحون الأرض بالطرق التقليدية، معتمدين على ما تناقلته الذاكرة الجماعية للأمة.


3.10- شرحت لنا معاني أسماء الشهور اللاتينية، وأنت مشكور على ذلك، لكن انتبه، عندما تتحدى يجب أن تتأكّد من صحة المعلومات التي تقدمها، وتتحرى الحقيقية:
1.3.10- يناير نسبة إلى يانوس (Janus)، إله الضوء، صاحب الوجهين، فاتح الأبواب، وليس إله الشمس (Dei solis) كما تقول.


2.3.10- كوينتيلس (Quintilis)، الشهر الخامس سمي باسم يوليوس قيصر سنة 44 ق.م.، لدور هذا الأخير في إصلاح التقويم، وليس لكونه ولد فيه (شهر ميلاده)، والاختلاف واقع حتى في سنة ميلاده سنة 101 أو 100 ق.م.، كما سمي سكستيليس (الشهر السادس) باسم أغسطس أكتافيوس، الذي جعل السنة الكبيسة سنة 8ق.م.، مرة كل أربع سنوات، عوض ثلاث سنوات، التي اعتمدها قيصر خطأ، وليس للانتصارات التي حققها كما تقول، ولو تنورنا بهذه الانتصارات التي حققها سنة 8ق.م.؟
3.3.10- سمي شهر يونيو (يونيوس Junius)، على شرف الآلهة يونو (Juno/Junon)، زوجة الإله يوبتر (Jupiter)، وهي حامية النساء، وآلهة إيطالية وليست قبيلة إيطالية كما تقول، ومعروف أن يونو (Juno/Junon)، كوكب صغير يدور بين مارس ويوبتر(Jupiter)، وهنا العلاقة بين يونو ويوبتر.
4.3.10- معروف أيضا أنّ اسم أبريليس Aprilis، محل نقاش (شهر خروج البراعم وتفتح الأزهار والنباتات)، أما مايوس (Maïus)، إله النمو والتكاثر، نستغرب كتابته مايا (Maya)، ونحن نعرف أنّه لا يوجد أصلا حرف y في اللغة اللاتينية، و ” المايا” حضارة في أمريكا اللاتينية ازدهرت ما بين القرن السادس- التاسع الميلاديين.


11- كنت قد ذكرت سابقا كتاب ” الدرر اللوامع” لأبي مقرع، فبفضل هذا الكتاب المختصر، نجد كتابات كثيرة في بلاد المغرب حول التقويم الفلاحي، إذ تمّ التعليق عليه لأوّل مرة من طرف عالم الرياضيات والفلك ابن البناء ( 1256- 1321م) والجاديري بعد ذلك (ت 1415)، كما يمكن ذكر المقري التلمساني (ت 1349) والأخضري البسكري ( 1512- 1585)، صاحب السراج، الذي يقدم لنا تواريخ محددة لبدايات فصول التقويم الفلاحي، وتحديد اليوم الأول من يناير بعمليات حسابية.
وقد اشتغل هؤلاء وغيرهم كثيرين على هذا التقويم، وقد أبدعوا مناهج وطرق الحساب لتحديد بداية السنة وبدايات الفصول، وفترات الحرث والبذر وأوقات الغرس، وقدموا معلومات هامة تخص الزراعة، الصحة، النظام الغذائي لكل شهر، تنبؤات بالأحوال الجوية (أول المناخات وضعت في الأندلس والمغرب) قبل أن تنتقل إلى أوروبا في القرن الخامس عشر (1455)، وأمريكا في القرن الثامن عشر (1730)، ولا أدري إن كنت تعرف أنّ المناخات أشمل من التقويم أم لا؟
ووضعوا أيضا تقنيات حساب لتحديد الأيام الأولى لكل فصل والاعتدالين والانقلابين في التقويم الشمسي الفلاحي، وطرقا لتحديد بداية كل شهر، وأخرى لتحديد السنوات الكبيسة، إذ يذكر ابن أبي منصور يعقوب أنّ عالم الفلك والرياضيات ابن البناء ( 1256- 1321)، قد وضع رموزا لبدايات الفصول في التقويم الأمازيغي، لكل فصل رمز من أربعة أحرف، تسمح بحفظ التواريخ الدقيقة لبداية كل فصل، وهو الشأن بالنسبة لأجزاء الفصول (الصمايم، الليالي…) والاعتدالين والانقلابين والسنوات الكبيسة، إذ وضعوا بالنسبة للفصول رموز من أربعة حروف، نجد الحرف الأول يرمز إلى الشهر، ويشير حرفا الوسط إلى أرقامهما في حساب الجمل العربية، والحرف الأخير يشير إلى الفصل المعني مثال ذلك:
1- مزيص: الحرف الأول “الميم” يشير إلى شهر مايو، الحرف الثاني هو “ز” يقابل رقم 07 في حساب الجمل، والحرف الثالث هو “الياء” يقابل عشرة “10” في حساب الجمل، والحرف الرابع “الصاد” إشارة لفصل الصيف ما يعني أنّ فصل الصيف يبدأ في السابع عشر( 7+10=17) من شهر مايو.


2- أزيخ: الحرف الألول “الألف” هو الحرف الأول من شهر أغسطس (أوت)، الحرف الثاني “ز” يساوي رقم7 في حساب الجمل العربية، الحرف الثالث “الياء” يساوي رقم10 في حساب الجمل، والحرف الرابع “الخاء” إشارة لفصل الخريف، ما يعني في السابع عشر (7+10=17) من أغسطس يبدأ فصل الخريف.


3- نويش: الحرف الأول “النون” إشارة لشهر نوفمبر، الحرف الثاني “الواو” يقابل رقم 6 في حساب الجمل، الحرف الثالث “الياء” يساوي 10 في حساب الجمل، والحرف الرابع والأخير “الشين” يشير إلى فصل الشتاء، ما يعني في السادس عشر (6+10=16) نوفمبر بداية فصل الشتاء.


4- فهير: الحرف الأول “الفاء” يشير إلى شهر فبراير، الحرف الثاني “الهاء” يساوي رقم 5 في حساب الجمل، والحرف الثالث “الياء” يساوي10، “الراء” يساوي ربيع، ما يعني في الخامس عشر (5+10=15) فبراير بداية فصل الربيع.


كما أبدعوا طريقة فريدة لتحديد السنوات الكبيسة بوضع رمز من سبع حروف كل حرف يشير ليوم من أيام الأسبوع، لتحديد اليوم الذي تحل فيه السنة الكبيسة كل أربع سنوات، والرمز هو: “حجر لسخت” “الحاء” إشارة ليوم الأحد، “الجيم” إشارة ليوم الجمعة، “الراء” إشارة ليوم الأربعاء، “اللام” إشارة ليوم الإثنين، “السين” إشارة ليوم السبت، “الخاء” إشارة ليوم الخميس، و”التاء” إشارة ليوم الثلاثاء.


هكذا إذا كانت السنة الكبيسة لسنة 2020، يوم السبت 29 فبراير، فإن السنة الكبيسة لسنة 2024 تكون يوم الخميس 29 فبراير(مادامت الخاء تأتي بعد السين)، بينما ستكون السنة الكبيسة لسنة 2028 بناء على الترتيب نفسه يوم الثلاثاء 29 فبراير، وهكذا.
ومن الرموز الأخرى، ما يرمز للانقلابين الصيفي والشتوي والاعتدالين الربيعي والخريفي مثال ذلك:
1- داير: الحرف الأول “الدال” إشارة لشهر ديسمبر (دجنبر) الحرف الثاني ” الألف” يقابل رقم 01 في حساب الجمل، الحرف الثالث “الياء” يقابل رقم 10 في حساب الجمل، الحرف الرابع والأخير ” الراء” يشير إلى ” الرجوع”، أي في الحادي عشر (1+10=11) ديسمبر، رجوع الانقلاب الشتوي = توغالين – ن- تفوكت بالأمازيغية.


2- مايع: الحرف الأول ” الميم” إشارة لشهر مارس (مغرس)، الحرف الثاني ” الألف” يساوي رقم 01 في حساب الجمل، والحرف الثالث ” الياء” يساوي 10 في حساب الجمل، والحرف الرابع والأخير “ع” إشارة للاعتدال أي في الحادي عشر (1+10=11) من مارس بداية الاعتدال الربيعي.
ونعرف أنّ بعض الفترات من السنة إما أن تكون شديدة البرودة في فصل الشتاء، ولها تأثير كبير على حياة الإنسان والحيوان والنبات، وهي الفترة التي تعرف ب “الليالي” وتقسم إلى الليالي السوداء، والليالي البيضاء “أوضان إسماضن/ إملالن”.


وتعد هذه الفترة ” فترة الليالي”، أصعب فترة يجتازها الفلاح، تنقص فيها المؤونة للإنسان، والكلأ بالنسبة للحيوانات، وكنتيجة لذلك عمل الإنسان، على تحديد بداية هذه الفترة ونهايتها، وهو شأن فترة الصمايم، التي تقسم أيضا إلى صمايم الصيف، وصمايم الخريف، والفترة تمتاز بحرارتها الشديدة، وقد وضعوا لذلك رموزا، لمعرفة أوقاتها بالضبط:


1- دايل: الحرف الأول “الدال” إشارة إلى شهر ديسمبر، الحرف الثاني ” الألف” يساوي رقم 01 في حساب الجمل، الحرف الثالث “الياء” تساوي عشرة (10)، والحرف الرابع والأخير “اللام” إشارة إلى “الليالي” ما يعني في الحادي عشر (1+10=11) ديسمبر تبدأ “الليالي” الباردة.


2- فكهل: الحرف الأول “الفاء” إشارة لشهر “فورار” فبراير، الحرف الثاني ” الكاف” يعادل رقم 20، والحرف الثالث “الهاء” يساوي خمسة (05) في حساب الجمل والحرف الرابع “اللام” يشير إلى ” الليالي”أي في الخامس والعشرين (20+5=25) من فبراير، تنتهي الليالي الباردة.


هكذا تبدأ الليالي الباردة السوداء (أوضان إسماضن إبركانن) من الحادي عشر ديسمبر إلى العشرين من يناير، والليالي الباردة البيضاء (أوضان إسماضن إملالن) تبدأ من الواحد والعشرين يناير إلى الخامس والعشرين فبراير، وهذا في التقويم الأمازيغي وليس القريقوري، الذي يضاف ثلاثة عشر (13) يوما للحصول عليه.
بينما تمتد فترة الصمايم، التي يسود فيها القيظ (الحرارة الشديدة) من الثاني عشر (12) يوليو إلى السادس عشر (16) أغسطس وتمتاز بالحرارة الشديدة.


2- صمايم أميوان (صمايم الخريف)، تمتد من السابع عشر (17) أغسطس إلى الثلاثين (30) من الشهر نفسه، وتمتاز هذه الفترة،ببداية تساقط الأمطار الأولى (ثيروايين الخريف)، وتبدأ الحرارة في التناقص.
هكذا نلاحظ، كيف طوروا مناهج حساب وتقنيات ترميز، لا نجدها في تقاويم أخرى، كما نلاحظ أيضا الاختلاف في بدايات الفصول بين التقويم الفلاحي الأمازيغي، والتقويم اليولياني، والمعدل في التقويم القريقوري، وذلك يعود إلى اختلاف مناخ المنطقتين، مما يعني أننا لم ننقل هذا التقويم نقلا، كما هو حاصل عند معظم الشعوب، وكما تعتقد، وتعرف أيضا أن التقويم الروماني يقسم الشهر إلى ثلاث فترات غير متساوية: كالندا، نونة، عيدس، ولا نعمل به، ولنا تقسيم خاص نعمل به، لا يسمح المجال لتفصيله.
إن التقسيم كما تلاحظ وطرق الحساب والترميز في هذا التقويم، كان محل دراسات مغاربية صرفة، وأن هؤلاء لم يأخذوا إلا أسماء شهور التقويم الروماني، التي أدخلها الكتاب الأندلسيون، الذين عربوا أسماء الشهور اللاتينية، أما طرق ومناهج الترميز والتقسيم إلى فصول وأسماء الفصول وأقسامها وحساب تحديد يناير والفصول الأربعة لهذا التقويم، كلها أمازيغية بما فيها الانقلابين والاعتدالين، تظهر أساسا في نصوص الكتاب المغاربة، ولا نجدها في غيرها من اليوميات.


إذن نلاحظ أنّ أسلافنا، كان لهم تقويمهم (تافادا/ تامسيرت)، وطرق إدارة حياتهم، ولم ينتظروا تأسيس روما لإدارة شؤونهم الاجتماعية والاقتصادية، وأنكم أنتم من تعطلتم، وتعقدتم بتأثير المدرسة الكولونيالية التي أنكرت لكم أي مساهمة في الحضارة البشرية، وكلما وجدت تقنية عندكم إلا وحاولت أن تسندها للأجنبي، حتى ولو كان افتراضا باطلا وصدقتم، وهذا حتى تكرس وترسخ في أذهاننا، حتى لا أقول في أذهان أمثالك فكرة القصور والعجز وضرورة العيش في ظل الأجنبي.
أصحوا يا ناس، يا من تعتبرون أنفسكم نخبة، أصحوا التراث، تراثنا جميعا، التاريخ، تاريخنا جميعا، والوطن، وطننا جميعا، إما أن ندرك ذلك ونتعاون جميعا في بنائه، أو يتنكر كل منا للآخر، وندمر أنفسنا، وندمر هذا الوطن، الذي لا وطن لنا غيره.


محمد الهادي حارش
عين بنيان في 03/08/2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!