العلم الحديث يحطم نظريات الاصول المشرقية والغربية لسكان شمال إفريقيا الامازيغ

     لقد بقي الحديث عن أصول سكان شمال افريقيا الأمازيغ محل خلاف وجدال بين المؤرخين طيلة عقود من الزمن، وربما لن نجد أفضل مما قاله غبريال كاميس حول الموضوع في أنه ليس من الصعب إيجاد الموطن الذي قدم منه الأمازيغ بقدر صعوبة إيجاد الموطن الذي لم يأتوا منه ، ويقصد بكلامه أن المؤرخون لم يتركوا أي منطقة في العالم الا وقالوا أنها أصل سكان شمال افريقيا الامازيغ ، وهو ما سنحاول الحديث عنه في هذا المقال المتواضع بإبراز هذه النظريات التاريخية التي إعتمدت أغلبها على اللسانيات ومرويات قدماء المؤرخين قبل نقدها في إرجاع أصل الامازيغ شرقا وغربا ومن أهمها :

نظرية الاصول المشرقية :  بدأت فكرة الاصول المشرقية (اليمن، وفلسطين) للامازيغ مع وصول العرب المسلمين الى شمال افريقيا حيث إدعى بعض مؤرخيها أنهم من العمالقة وقال أخرون أنهم أبناء بر ابن قيس ، وقال كل من الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي وغيرهم بأن قبائل صنهاجة وكتامة من حمير أي من اليمن ، وقيل من ولد لقمان بن حمير بن سبإ بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه ، وقيل من لخم وجذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه، وذهب قوم إلى أنهم من ولد نقشان بن إبراهيم الخليل عليه السلام‏ ،وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام، وأنه ارتكب ذنباً فقال له أبوه: البر البر، اذهب يا بر فما أنت ببر، قيل أيضا إنهم من ولد بربر بن كسلاجيم بن حام بن نوح، وقيل من ولد ثميلا بن ماراب بن عمرو بن علماق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح، وقيل أخلاط من كنعان والعماليق، وقيل من مصر والقبط، وقيل من ولد جالوت ملك بني إسرائيل وإنه لما قتله داود تفرقوا في البلاد، فلما غزى أفريقش المغرب نقلهم من سواحل الشام إلى المغرب… وعلى هذا النهج سار القوميين العرب فيما بعد في إرجاع أصل الأمازيغ الى المشرق وخاصة اليمن بالتحديد ومنهم الخشيم ، وعثمان سعدي، وأحمد بن نعمان،محمد المختار الغرباوي ،سعيد بن عبد الله الدارودي وآخرون إعتمد هؤلاء على اللسانيات لاثبات الاصول العربية للامازيغ فقدموا بعض الكلمات الامازيغة وأرجعوها الى العربية وقد أبدع عثمان سعدي في هذا الجانب حيث كتب كتاب قال أنه أفرغ فيه القاموس الامازيغي وأرجع أصله الى العربية وبطرق بسيطة جدا كان بإمكانه أن يواصل نفس المنهج لارجاع كل لغات العالم الى العربية كما تجرأ الى ذلك الدكتور مصطفى محمد ، وكما قلنا فالامر لا يحتاج الى جهد فيكفي فقط إتباع طريقة عثمان سعدي في إرجاع “ثمطوث ” التي تعني المرأة الى الطمث كي يصبح أصلها عربي أو ” أخام ” التي تعني المنزل الى الخيمة ، أو ” أرڨاز” التي تعني الرجل الى ركز يركز ركيزة ، ركيزة المزل … حتى تصبح عربية كذلك .

    إضافة إلى هذا كله ذهب المؤرخون نظرية الاصول العربية للامازيغ الى أن الكتابة الليبية القديمة التي جاءت منها الأبجدية الأمازيغية المسمات تيفيناغ هي عربية أيضا وقالوا أنها فينقية الاصل ودليلهم على ذلك تيفيناق = تيفيناغ على شاكلة نظرية القذافي شيكسبير = شيخ الزوبير ، رغم أن علماء الأثار أكدوا أن خط التيفيناغ يتعدى تاريخه 10000 سنة قبل الميلاد خاصة في نقوش التاسيلي بينما الفينقية كلغة وكتابة حديثة جدا لم تظهر إلا في سنة 1200 ق.م ، وكلمة تيفيناغ مكونة من كلمتين ” تيفي ” التي تعني إكشاف وإختراع و “ناغ” التي تعني ضمير متصل ملكنا لنا أي إكتشافنا (معلومات أكثر عن التيفيناغ )

نظرية الاصول الأوروبية :  كان المؤرخين الفرنسيين أيام الاستعمار الفرنسي للجزائر أول من خاض في هذا الكلام حيث نظروا للاصول الاوروبية للامازيغ وكانت فكرتهم يومها إستعمارية مبنية على أساس أن الجزائر بلد خالي من السكان يعيش فيه بعض البربر الذين تعود أصولهم الى أروبا وبعض القبائل العربية التي هجرت مع التغريبة الهلالية وعلى هذا الاساس فإن كل سكان الجزائر التي كانت قديما مقاطعة رومانية مهاجرين ولا يحق لأي جزائري أن يطالب بالأرض “لأننا نحن الفرنسيون هم ورثة الرومان الشرعيون” ، وكان ذلك خطاب إستعماري إيديولوجي لاعطاء شرعية دولية لجرائم الابادة التي نفذتها فرنسا في حق الجزائريين ، وقد أرجعوا الامازيغ الى أصول جرمانية وندالية (Vandale) إعتمدوا على تاريخ غزو الوندال لشمال إفريقيا في القرن الخامس للميلاد وكذلك وجود تشابه بعض المعطيات اللغوية والبشرية بين الامازيغ والجنس الجرماني رغم وجود الأمازيغ (النوميديين) في شمال افريقيا قبل وصول الوندال اليها، كما ذهب البعض إلى أن البربر ينتسبون إلى “يافت” بن نوح عليه السلام (الذي انبثقت من سلالته كل شعوب أوروبا) إذ كانت هجرتهم من الهند إلى فارس، إلى القوقاز، فالشمال الأوروبي بفينلاندا واسكندينافيا، ثم فرنسا وإسبانيا قبل أن يستقروا بشمال إفريقيا، وهو ما  يفسر حسبهم التشابه في النطق وبياض بشرة القوقازي وزعورة الشعر المتصف بها الشماليون والتي نجدها عند العديد من أبناء البربر. ويستدلون على ذلك بالمعالم الميغالينية أو معالم الحجارة الكبرى من المصاطب (الدولمين) والمسلات (المنهيد) والمستديرات (الخرومليكس) التي بثوها على طول هذه الطريق، وهي توجد بشمال أفريقيا وتنتهي بالمفيضة،كما يستدلون بتشابه أسماء قبائل الكيماريين بفينلاندا والسويد وبني عمارة في المغرب وخميس بتونس فالأسماء متشابهة جدا، أو بالحرف الروني المنقوش على المعالم الميغالينية فإنه يشبه الخط اللوبي المنقوش على الصخور بشمال أفريقيا .

     وذهب بعض المؤرخون  الى وجود صلة بين الامازيغ والبسكيين ومن بين هؤلاء المؤرخ الفرنسي (L. de Gèzeen) سنة 1885 ثم تبعه الألماني (G. Von der Gabelenz) سنة 1894 من خلال كتابه المعنون “البسكية والبربرية” كما كتب (HANS G. Mukarovsky) بعض المقالات عن الامر أورد فيها أنه كانت هناك لغة قديمة سماها ” اللغة الموريتانية كانت قد إنتقلت من الصحراء حيث بلاد الطوارق الى بلاد الباسك في أروبا وأستعرض بعض الحروف المتشابهة بين الابجدية الليبية (التيفيناغ) والأبجدية البسكية (للتوسع في الموضوع راجع هذا المقال من هنا )

نظرية الأصول المحلية للأمازيغ : لابد وأن النظرتين السابق ذكرهما التي حاول روادها إعطاء تفسير للأصول المشرقية والاروبية للأمازيغ من خلال المعطيات التارخية واللغوية والبشرية وإرجاعها الى كل بقاع العالم تقريبا سيقودنا الى فكرة ثالثة لاطالما كانت معتمدة عند مثقفي الامازيغ أنفسهم بشكل نظري على الاقل والتي إنطلقت من فكرة مفادها لماذا علينا البحث في أصول الامازيغ خارج شمال افريقيا ؟ لماذا لا يبدأ البحث من موطنهم الذي وجدوا فيه قبل تاريخ قديم ؟ اليس تضارب النظريات والافكار المفسرة لاصول الامازيغ هي نفسها التي تبطل هذه النظريات ؟

    بقيت نظرية الأصول المحلية للامازيغ حبيسة عقول بعض المثقفين الأمازيغ الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الجهد لاثبات ذلك علميا لاعتبارت كثيرة في حين واصلت آلة الأدلجة والترهيب بتوهماتها (Fantaisies) التي تحاول التأسيس لافكار إستعمارية في المنطقة بإرجاع كل الحضارة الامازيغية القديمة الى التواجد الفنيقي لاعطاء شرعية لسياسة التعريب التي أتت على الحجر والشجر وأضرت بتاريخ وثقافة المنطقة كثيرا ، حتى جاء العلم الحديث وأثبت صحة الفرضية المحلية لأصل سكان شمال إفريقيا .

     فبعيدا عن جدل خلق الإنسان ونظرية التطور نبدأ الحديث من الأبحاث التي تكلمت عن ظهور الانسان العاقل ، حيث نجد إجماع للعلماء والباحيثين و التي أصبحت من المسلمات العلمية بسبب الدعم العلمي التي أضافته الاكتشافات العلمية الاخيرة في شتى المجالات مثل التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا والحفريات، ترجع أصل كل البشر الى الاصول الإفريقية في زمن موغل في التارخ يطلق عليه ( Paleontologists) إنبثقت منها فرضية الأصل الافريقي الواحد(Out of Africa Hypothesis) وفرضية التنوع (Multi Regional Hypothesis ) .

     ويرى أنصار الفرضية الأولى (الأصل الواحد للإنسان) أن الأبحاث العلمية تؤكد أن الإفريقي هو أصل البشرية في العالم كله ومن بين علماء هذا الاتجاه نجد عالمي الآثار المشهورين ( Richard Leaky ) و (Roger Lewin) :

“ Of all existing populations, Africans have the deepest genetic routs suggesting that an African population was the source of all other populations ”

المرجع : (Origins Reconstructed in Search of What Makes us Humans, p 220)

      حيث تؤيد الأدلة الآثارية  والعلمية هذه الفرضية، فإن أقدم جمجمة ذات ملامح حديثة للانسان عثر عليها في افريقيا، تليها في القدم ما عثر علية في الشرق الأوسط و أوروبا مؤيدةً أن الانسان ظهر أولا في افريقيا ثم انتقل بعد ذلك إلى الشرق الأوسط و أوروبا فباقي أنحاء العالم (Richard Potts, “Human Evolution” Encyclopedia Encarta 2000 Online p 16 ) .

     الفرضية الثانية  ( تعدد أصل الانسان الحديث) يرى مؤيدوها أن الانسان الحديث لم يظهر أو يتطور في مكان واحد بل يرون أنه تطور في أماكن مختلفة، إلا أنهم يقولون بأن الانسان الافريقي القديم (Homo Erectus) الذي هاجر إلي الأقطار الأخرى هو الأصل الذي تطورت منه سلالات الإنسان الحديث في مختلف أقاليم العالم. (نفس المرجع السابق) .

    وكما تلاحظون فإن كلا الفرضيتين أرجعتا أصل الانسان إلى افريقيا إما بطريق غير مباشر كما يرى أصحاب الفرضية الثانية أو بطريق مباشر كما يرى أصحاب الفرضية الأولى الأصل الافريقي الواحد وهي الفرضية لتي تسندها الأدلة العلمية الأقوي والتي وجدت القبول من أكثر الباحثين ، وأكثر الادلة التي دعمت هذا الطرح هو الاكتشاف الاخير للانسان العاقل من جنس الاومو سابيان (Homo sapiens) في جبل أرحود بمقاطعة شيشاوة الأمازيغية بالمغرب والذي إشتغل عليه كثيرا العالم البليونتولوجي جون جاك هوبلن ( Jean-Jacques Hublin ) الذي أكد أن الاكتشاف يعود الى أكثر من 315 000 سنة وبهذا يكون بني البشر قد عثروا على أقدم أثر لجدهم العاقل حتى الآن . راجع هذا المرجع في موقع جريدة  (le monde) .


دراسة إنسان جبل إغود بمنطقة آسفي باستعمال تقنية التصوير الطبقي المبرمج بالأشعة السينية
x-ray synchrotron microtomography

     إن هذا الإكتشاف العظيم هو في الحقيقة بمثابة مفتاح للحلقة المفقودة لفهم كل الاكتشافات التي تم التوصل اليها في شمال افريقيا حيث يفسر هذا حقيقة تواصل وإنحدار الانسان العاقل الذي يحمل مواصفات الانسان الحالي الذي عاش في شمال افريقيا بداية من التاريخ الذي يسميه علماء التاريخ بالباليوليثي الأعلى ، وهذا الانسان هو صانع الحضارة العاترية التي إمتازت بالثقافة الشبيهة بالموستيرية ، أكتشف الإنسان العاتري في موقع دار السلطان في المغرب كذلك وله صفات مشابهة وقريبة جدا بالانسان جبل إغود/أرحود مما يؤكد أنه منحدر منه مباشرة ، عاش الانسان العاتري الى قبل 200 الف سنه الى العشرين الف سنه قبل الميلاد وقد اعتبر كل من الكروموزمين (A1b) و (A1a) أفضل ممثلين له نظرا لعمرهما الذي يتوافق مع تواجد الانسان العاتري في شمال الغرب الافريقي – مع العلم ان أقدم تحورات هاتين السلالتين هي عند امازيغ الجزائر و المغرب مما يرجح الكفة لصالح الامازيغ كقوميه مستقلة و متجانسه –

و اكتشاف ال (A1b) و (A1a)عند سكان شمال إفريقيا الامازيغ ينهي بذالك أسطورة أن الافريقي كان أسودا البشرة ، وهو ما أكدته الحفريات التي أكدت أن إفريقيا لم تكن صحراء قبل 300 الف سنة (نفس المرجع السابق) .

Il y a plus de 300000 ans, le Sahara était vert et ne constituait pas une barrière géologique.

     بعد إنسان الحضارة العاترية يأتي خلفه وهو الانسان المشتوي (Mechtoïde) الشبيه بالانسان كرو-مانيون (Cro-Magnon) في الخصائص الطبيعية (الطول 1,74م في المتوسّط للذكور، سعة الجمجمة 1,650 سنتم3) وقلّة الانسجام ما بين الوجه العريض والمحجر ذي الشكل الطولي وهو ما يؤكده كل من العالم شاملا(M. C. Chamla) و وفرمـباخ ( D. Ferembach) الذين إهتما بفكرة الانحدار المباشر والمتواصل منذ النياندرتاليين شمال-أفريقيين (إنسان جبل إيغود بالمغرب ) ثم إنسان دار السلطان العاتري إلى الكرومانيونيين (إنسان المشتى) .


Reconstruction of homo sapiens – Mechta Afalou type from North Africa. his skull (25.000 years b.p) was discovred on the site of afalou in algeria in 1963

   كان إنسان المشتى في البدايات يصنع أدوات صنّفت تحت اسم الإيبرومورية (Ibéromaurusiens) التي توجد آثارها في كلّ المناطق الساحلية والتلّية ، وكانت الإيبرومورية هذه معاصرة للمغداليني (Magdalénien) والأزيلي (Azilien) الأوربيين ولها نفس الخصائص التي تحملها صناعة العصر الحجري القديم المتأخّر (صغر الأدوات الحجرية) وفي اغلب الأحيان تكون عبارة عن نصيلات صغيرة ذات الظهر (Lamelles à dos)، وهذه الأشياء هي عناصر أدواتية في شكل قطع منفصلة يمكن تركيب مقابض خشبية أو عظمية عليها ممّا يجعلها أدوات وأسلحة فعّالة.(كتاب الأمازيغ عبر التاريخ . العربي عقون)

      وقد عرف العالم موجات للهجرة أهمها موجة الشعوب الموستيرية بين سنة 160.000 التي ظهر فيها الانسان الحديث في شمال إفريقيا و 50.000 سنة و الثقافة الموستيرية لها علاقة بالنندرتال للانسان العاقل ثم الموجة الثانية وهي للشعوب العاتيرية بين 40.000 و20.000 سنة تلك الشعوب قد تكون غادرت شمال إفريقيا ضمن الهجرات الكبرى التي عرفتها أفريقيا في اتجاه القارات الأخرى والتي تعرف عند الباحثين ب (Out of Africa migration) أعقبتها موجة رجوع الى إفريقيا والتي تسمى ب (back migration to africa) سببها التغييرات المناخية الجدرية الراجعة للحقبة الجليدية وفي حدود 20.000 سنة تظهر في شمال إفريقيا الحضارة الأيبيروموريسية أو إنسان مشتى أفالو وتفورالت التي لها استمرارية من خلال الساكنة الحالية وبعدها سجل التاريخ ما سمي بالحضارة القفصية ( capsienne) بحدود 9000 و 6000 سنة وكل من الانسان القفصي و الأيبيروموريسي يكون من أسلاف الإنسان الأمازيغي الحالي والى غاية هذه الفترة كذلك لم يكن الإنسان الشمال إفريقي من العنصر الزنجي كما يدعي البعض (راجع هذه الدراسة ) ، فأقدم إكتشاف لجمجمة الانسان الزنجي عثر عليها تعود الى 6000 الاف سنه قبل الميلاد فقط تم إكتشافها في جنوب الصحراء أطلق عليه إسم الانسان الأسيلار .

علم الجينات والوراثة البشرية يؤكد إستقلالية العرق الأمازيغي :  بالاضافة الى الاكتشاف العظيم لأنسان (Homo sapiens) في جبل إيغود  الذي حطم نظريات الاصل العربي والأروبي للأمازيغ فقد سبقه إكتشاف كبير أكثر دقة وعلمية أيضا تعلق بالتحليل الجيني للحمض النووي لمجموعات متنوعى لسكان الارض ، أجرته شركة”ناشيونال جيوغرافيك” عام 2005  أطلق عليه مشروع “جينوغرافيك” الذي يستخدم أخر تقنيات العلم الحديث للإجابة عن أسئلة عديدة حول العرق وأصل البشر وأكد هذا العلم أن هناك فوارق جينية للحمض النووي للمجموعات العرقية وأكد تميز سكان شمال افريقيا الامازيغ بالهابلوغروب (Haplopgroup E1b1b (Y-DNA والذي يختلف تمام عن الهابلوغروب (J1) الذي تتمز به السلالة العربية و (J2) الممثل للسلالة الفينيقية ، وقد أظهرت الدراسة التي شملت دولتين عربييتن (لبنان والكويت) ودولتين من شمال افريقيا (مصر وتونس ) وكانت النتيجة صادمة جدا حيث تبين أن نسبة العرب في لبنان هو 44% فقط بينما سجلت نسبة 11% من سكان لبنان هم من الامازيغ ، وفي دولة الكويت كانت نسبة العرب فيها 84% و 04% شمال افريقيا ، مصر كذلك كانت النتائج صادمة وغير متوقعة بالنسبة للكثير حيث كانت نسبة العرب فيها 17% بينما شكلت نسبة الامازيغ فيها أو سكان شمال افريقيا الذين يشتركون في نفس السلالة ما نسبته 68% كما توضح الصورة التالية :

    تؤكد المعادلة أنه كلما إتجهنا غربا إرتفعت نسبة الأمازيغ لتصل أقصاها في المغرب وتقلصت نسبة العرب كذلك ، ومن مصر الى تونس ورغم تعرب الأمازيغ فيها بنسبة كبيرة جدا مقارنة بدول شمال إفريقيا الاخرى الامازيغية فإن نسبة العرب فيها لم تتجاوز 04% ولم يظهر هناك أي أثر للجينات الفينيقية وهو ما يحطم أسطورة قرطاج الفينيقية ويؤكد ما ذهب إليه باحثون ومؤرخون في كون الحضارة القرطاجية حضارة أمازيغية محلية بتأثير فنيقي ثقافي فقط ، وهو ما يفسر وجود نسبة 88 % من الأمازيغ وأقلية من العرق الاوروبي بنسبة 05% والعرق الزنجي بنسبة 02% كما توضحه الصورة التالية :


وهو ما يدعوا الى تصحيح التاريخ وإعادة قراءته بمنظور محلي علمي بعيدا عن الأدلجة والسياسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو الشيئ الذي يعطي الثقة أكثر لأصحاب نظرية الأصول الإفريقية للأمازيغ ويمنح لأعمالهم مصداقية أكثر والذين أكدوا أن البربر أو الأمازيغ الذين يعود ظهورهم بهذا الإسم (إيمازيغن) الى الألف الثانية قبل الميلاد (راجع مقلنا حول هذا الموضع عبر هذا الرابط من هنا )

خلاصة القول : أن العلم الحديث في صالح الأمة الأمازيغية التي تصارع من أجل البقاء والحفاظ على خصوصيتها وثقافتها التي تعتز بها وترفض الإنصهار والذوبان الحضاري في الغير ورغم ذلك فهي لا تنفي وجود روافد وافدة اليها من هنا وهناك عبر فترات متفاوتة من الزمن لكنها في المقابل لا ننسى  أن المنطق والعلم والواقع يأكدون بأن الوافد لابد أن يذوب في الأغلبية المحلية التي تشكل النواة الصلبة وليس العكس ورغم ذلك فالهوية تعود للأرض التي تسكنها المجموعات البشرية لهذا فكل سكان شمال إفريقيا أمازيغ بالارض قبل الدم والعرق لأنهم يشتركون في نفس الثقافة والعادات حتى وإن إختلف اللسان أو تغير لاسباب حضارية ، دينية أو سياسية ، فالسكان المكسيك مثلا لا يعتبرون أنفسهم إسبانيون رغم أصولهم الاروبية الاسبانية ولسانهم الاسباني، وكذلك كل دول الولايات المتحدة التي تتحدث الانجليزية والسينيغاليون الذين يتحدثون الفرنسية ورغم ذلك لا يعرفون أنفسهم بانهم فرنسيون ، لإنهم يرجعون الهوية الى الأرض كما قلنا وهو ما يجب فعله في الجزائر ودول شمال إفريقيا الأمازيغية لإن الترويج لخطاب وجود عرقين (أمازيغ ، عربي) أمر خطير جدا ومهدد للوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي إذا ما تم تغذيته بالخطاب السياسي ،الاديلوجي والطائفي . فليس هناك أعراق في شمال إفريقيا وإنما شعب أمازيغي واحد يشترك في الثقافة والعادات والتاريخ ويختلف في اللسان الامازيغي ، العربي (العامية المغاربية) ، الاسباني.

بقلم الأستاذ : مصطفى صامت .

هوامش:

– independent

Origine d’Homo sapiens, cas d’Irhoud Wilaya de Safi 

– maghress

الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية

Saami and Berbers–an unexpected mitochondrial DNA link.

تحليل الحمض النووي يثبت أنّ العرب ليسوا عرباً!

Exit mobile version