شخصيات أمازيغية

العقيد محند اولحاج أول من رفع الراية الوطنية رسميا في سماء الجزائر المستقلة

3 جويلية 1962 … هذا هو أول رجل رفع رسميا العلم الوطني في سماء الجزائر المستقلة ، بعد أن أنزل العلم الفرنسي من ميناء سيدي فرج ….. إنه البطل العقيد محند ولحاج ، أمغار …. حكيم الثورة رحمه الله ، الرجل الذي تصدق بكل ثروته للثورة ….. أسد أكفادو …. الذي قال يوما : ” إن الرتب العسكرية التي أحملها على كتفي نلتها على أرض المعركة في الجبال والغابات بعد 8 سنوات من الحرب ، وأعطاها لي أبطال شعبنا الذين هم اليوم تحت التراب ….. ولم يعطها لي لا الجيش الفرنسي ولا من هم في الحكم اليوم …. ” …… التاريخ المنسي ….

العقيد محند أولحاج وهو يستلم شرف أول رافع للراية الوطنية بعد الاستقلال.

3 جويلية 1962 ….. الجنرال ديغول يعلن رسميا استقلال الجزائر بعد استفتاء تقرير المصير …. قادة و مجاهدوا الولايتين الثالثة و الرابعة التاريخيتين يلتقون في سيدي فرج غرب العاصمة ليقوموا ، رمزيا ، برفع العلم الجزائري الغالي ، علم الشهداء … في نفس المكان الذي دخلت منه فرنسا سنة 1830 ….. أبطال ثورتنا اختاروا ذلك اليوم أحد رموز ثورتنا التي طمس اسمهم للأسف الشديد … إختاروا آنذاك أتقاهم … أكبرهم سنا و رتبة ، أكثرهم حكمة …. الرجل الذي ، من بين الحاضرين ، قاد أكبر عدد من المعارك خلال الثورة … إختاروا العقيد محند ولحاج رحمه الله الذي رفع راية الشهداء ….. تحت أنظار و دموع أبطالنا ، الذين كانت من بينهم أم الشهيد البطل ديدوش مراد رحمه الله تعالى ….. اليوم سنروي لكم قصة العقيد ولحاج …. أسد أكفادو ….

ولد أكلي مقران ( سي محند ولحاج إسمه الثوري ) يوم 7 مارس 1911 بعرش آث ويزڨن ( بلدية بوزڨن ) حوالي 60 كم أقصى جنوب شرق ولاية تيزي وزو ، درس في المدرسة القرآنية و في ابتدائية آث يخلف قرب مسقط رأسه ، ثم انتقل إلى عين الحمام ( ميشلي ) أين تحصل على شهادة الدراسة ( certificat d’étude ) ، اضطر بعدها إلى العمل لمساعدة والده في ورشة للحدادة ، بعد سنوات اضطر الشاب أكلي إلى الهجرة إلى فرنسا من أجل العمل ، لكنه لم يستطع التأقلم مع الأجواء هناك بسبب حبه الشديد لعائلته و لأرض أجداده … فعاد إلى الوطن سنة 1936 ….

قرر أكلي رفقة ابني عمه أمزيان و حميش الذهاب إلى سطيف من أجل العمل ، هناك التحق بحزب فرحات عباس و بدأ عمله السياسي ، لينتقل سنة 1943 إلى العاصمة أين عمل في مؤسسة بجسر قسنطينة ، عقب أحداث 8 ماي 1945 ألقى الفرنسيون القبض على أمزيان و حميش ، مما أجبر أكلي على العودة إلى بوزڨن سنة 1947 للتكفل بإجراءات الدفاع عنهما ، و بالفعل أطلق سراحهما سنة 1948 ، في تلك الفترة أصبح أكلي شخصية مشهورة في المنطقة بسبب حكمته ، تقواه ، ذكائه و وطنيته ، فانتخب أمغار ( شيخ ) ثاجماعت منطقة أكفادو ، و أصبح منذ ذلك التاريخ يكنى بلقب : أمغار ( الشيخ ، الحكيم ) …… آنذاك اشتغل أكلي بالتجارة في منطقة إيغيل ب وامّاس ، أين ولد حكيم قبائلي آخر … الشاعر لونيس آيت منڨلات … 

في بداية سنة 1955 إلتحق أكلي بالجبال رفقة أبنائه الثلاث …. و منح للثورة كل ثروته الشخصية ، التي كانت تقدر آنذاك ب 7 ملايين فرنك فرنسي …. مقتديا بأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، الذي تصدق بكل ماله لجيش المسلمين في غزوة تبوك …. في الجبال كان البطل محند ولحاج من أشهر مجاهدي منطقة القبائل بسبب شجاعته و ذكائه ، مما دفع الفرنسيين إلى تعذيب أسرته و حرق و تدمير منزليه العائليين ….

شارك محند ولحاج في عشرات المعارك و كان اليد اليمنى للبطل العقيد عميروش رحمه الله ، في سنة 1957 عيّن مساعدا لعميروش برتبة رائد ، في سنة 1958 تولى محند ولحاج خلافة عميروش على رأس الولاية الثالثة لما ذهب قائده إلى الشرق ، حاول الفرنسيون القضاء على محند ولحاج بنفس الطريقة التي اغتالوا بها البطل مصطفى بن بو العيد ، فقاموا ( بمساعدة الخونة ) بتفجير مذياع ملغم استشهد إثر ذلك 3 جنود و جرح محند ولحاج جروحا بليغة …. لكن الدكتور بن عبيد تمكن من علاجه و إنقاذه ….

كانت المنطقة الثالثة آنذاك وسط جحيم حقيقي : عشرات الآلاف من الجنود الفرنسيين يطوقونها من كل حانب ، معارك كل يوم ، فتنة لا بلويت التي أشعلها الفرنسيون وسط المجاهدين … و خاصة أزمة التزود بالسلاح بسبب الخطر الجديد الذي بدأ في تهديد الثورة : جيش الحدود الذي كان مقيما في تونس و المغرب ، و الذي كان يخزّن كل الأسلحة التي كانت موجهة للمجاهدين في الداخل ، بهدف إضعاف الثورة و الإنقضاض على السلطة بعد الاستقلال …. نقطة تفطن لها كبار قادتنا : عميروش ، سي الحواس ، سي امحمد بوڨرة .. إلخ الذين اجتمعوا و قرروا التحرك لتغيير الوضع ، تكفل البطلان عميروش و سي الحواس شخصيا بالذهاب إلى تونس و طرح المشكل على الحكومة المؤقتة آنذاك ، حكومة كانت تعاني من بوادر الإنقسامات بين العسكريين و المدنيين ….

يوم 28 مارس 1959 استشهد البطلان عميروش و سي الحواس و هما في الطريق إلى تونس ، في منطقة جبل ثامر جنوب بوسعادة ، بعد أن حاصرتهما قوات العدو بسبب وشاية بكل تأكيد ….. قبل استشهاده سمع عميروش أن البطل عبد الرحمن ميرة ، كان في طريقه إلى منطقة القبائل بكتيبة آتية من الشرق ، أرسلتها قيادة الثورة بقرار من البطل محمدي سعيد لدعم محند ولحاج الذي بقي لوحده في الولاية الثالثة ، فأرسل عميروش رسالة يعين فيها عبد الرحمن ميرة قائدا للولاية الثالثة التاريخية ، لما وصل ميرة إلى منطقة القبائل قرر إطلاق سراح السجناء الفرنسيين و الجزائريين الذين سجنوا عقب أحداث قضية لا بلويت ، في قرار ذكي سمح للمنطقة بكسب عدد من الجنود لمواجهة أكبر عملية عسكرية شنتها فرنسا منذ بداية الثورة : عملية جوميل ( opération jumelles ) … التي شنها الجنرال السفاح موريس شال يوم 22 جويلية 1959 : 60.000 جندي فرنسي ، 10 وحدات مظليين ، عشرات الطائرات …. بهدف القضاء على الثورة بمنطقة القبائل … و إبادة مجاهدي غابة أكفادو عن بكرة أبيهم ……

قاد البطلان عبد الرحمن ميرة و محند ولحاج كل العمليات العسكرية خلال عملية جوميل : معارك ليل نهار ، حرب عصابات ، العمل الإستخباراتي و اللوجيستي … يوم 6 نوفمبر 1959 استشهد البطل عبد الرحمن ميرة قرب تيزي إيشلّاظن ( فج شلاطة ) ، و بقي محند ولحاج الذي رقي برتبة عقيد و قائد للولاية الثالثة يواجه أعتى جيوش العالم بمفرده دون أن يستسلم … حتى أفريل 1960 أين انتهت عملية جوميل باستدعاء الجنرال ديغول للسفاح شال و أمره بوقف العمل العسكري ، لأن ديغول الذي كان يبحث عن حلول سياسية و دبلوماسية للحرب ، بحكم أن فرنسا كانت في أزمة خانقة ، كان ، آنذاك ، في مباحثات سرية مع قادة الولاية الرابعة التاريخية بقيادة البطل سي صالح ( محمد زعموم ) ، الذين رأوا أن عملية شال ، و قبلها عملية كوروا ، كانتا ستقضيان تماما على كل المجاهدين في الولايتين الثالثة و الرابعة بسبب انعدام الدعم ، نفاذ السلاح نتيجة منع دخوله من الحدود ، و استشهاد ثلاثة أرباع مجاهدي الولايتين تقريبا …… مباحثات تطورت إلى ما أصبح يسمى بقضية الإيليزي التي سنرويها لكم بالتفصيل لاحقا ….

واصل البطل محند ولحاج المقاومة بمنطقة القبائل حتى استقلال البلد سنة 1962 … لكنه كان على علم بما كان يحيكه جيش الحدود و استعداده للإستيلاء على الحكم بعد الاستقلال ، يوم 1 جويلية 1962 نُظّم استفتاء تقرير المصير الذي أعلن ديغول نتائجه يوم 3 جويلية …. و صوت الجزائريون لصالح استقلالهم … ذلك اليوم تنقل قادة و أبطال الولايتين الثالثة و الرابعة التاريخيتين إلى سيدي فرج غرب العاصمة ، المكان الذي دخل منه الفرنسيون لاستعمار بلدنا سنة 1830 ، أين قرروا رفع العلم الوطني ، راية الشهداء ، لأول مرة بعد استقلال بلدنا ….. أجمع القادة أن يعطوا شرف رفع العلم للبطل محند ولحاج ، أمغار ثورة التحرير المباركة …… وسط جو رائع مهيب ، زينته دموع الأبطال ، فخرا بالإنتماء إلى وطن استشهد في سبيله حوالي 10 ملايين من الأبطال طيلة 132 سنة …. لكن الجميع كان متوجسا مما هو قادم ، و كانوا ينتظرون قدوم جيش الحدود الذي كانوا يخشون استيلاءه على السلطة …..

بعد الاستقلال ، قدم العقيد محند ولحاج غنائم الولاية الثالثة التاريخية كاملة للدولة الجزائرية …. 46 كغ من الذهب ، 496 لويزة ذهبية و 17 مليون فرنك فرنسي ….. بعد الاستقلال عين محند ولحاج كقائد للناحية العسكرية السابعة ( منطقة القبائل ) ، و عضوا في مجلس الثورة … لكن سرعان ما اندلعت فتنة جيش الحدود ، الذي عارض دخوله و استيلاؤه على السلطة قادة الولايتين الثالثة و الرابعة التاريخيتين ، فانظم محند ولحاج إلى المقاومة المسلحة التي اندلعت ضد بن بلة الذي نصبه جيش الحدود بصفة غير شرعية على رأس الدولة ….. مقاومة سياسية تبناها كبار ثورتنا : كريم بلقاسم ، حسين آيت أحمد ، محمد بوضياف ، لخضر بورقعة ، صالح بوبنيدر ، سي صادق ( سليمان دهيلس ) ، محند ولحاج …. إلخ ، تحولت إلى مقاومة مسلحة بقيادة آيت أحمد و محند ولحاج ، للأسف دبّت الإنقسامات بين المقاومين ، بسبب اختلاف وجهات النظر بين العمل المسلح و العمل السياسي ……

في أكتوبر 1963 اندلعت حرب الرمال على الحدود الغربية ، لما أراد المغرب استغلال النزاع المسلح الداخلي في الجزائر ، و إحتلال مناطق واسعة من جنوب غرب الجزائر بحجة أنها كانت تابعة للمغرب قبل الإحتلال الفرنسي ….. آنذاك قرر البطل محند ولحاج وقف المقاومة المسلحة بمنطقة القبائل و التحق رفقة جنوده بجيش التحرير الوطني استجابة لنداء الوطن …. في موقف سجله له التاريخ …. و بالفعل تمكن أبطال جيشنا آنذاك من حماية حدود بلدنا و لم يتركوا شبرا واحدا من تراب الجزائر للمغرب …. وقام البطل محمد ولحاج بحسم المعركة مع جنوده بعد أن توغل داخل التراب المغربي وأجبر الجيش المغربي على التراجع !!

بعد ذلك بقي محند ولحاج عضوا في مجلس الثورة ، و لعب دورا كبيرا في تقريب الرؤى بين الفرق المتناحرة ، في سنة 1968 و بعد أن صدر حكم بالإعدام في حق كريم بلقاسم ، أسس هذا الأخير في المهجر حركة الدفاع عن الثورة الجزائرية ( MDRA ) ، حركة معارضة للرئيس بومدين ضمت كذلك اعمر أوعمران ( بوقرّو ) ، محند ولحاج و سليمان عميرات رحمهم الله ، لكنها لم تنجح ، و انتهت باغتيال كريم بلقاسم في أكتوبر 1970 ، بينما توفي العقيد محند ولحاج يوم 2 ديسمبر 1972 في فرنسا ، و نقل جثمانه إلى الجزائر ليدفن في مسقط رأسه بيوزڨن ، رحمه الله تعالى ، في زاوية أجداده ، زاوية سيدي عمر ولحاج …. تخليدا لذكراه سميّت باسمه جامعة البويرة : جامعة محند ولحاج …

 

بقلم معمر بن سونة

تعليق واحد

  1. أول من رفع العلم الجزائري هو عبدالرحمان فارس في 3 جويلية 1962 علي الساعة 12:00 بعد تلقيه رسالة إعتراف بإستقلال الجزائر علي يد الجنرال ديغول علي الساعة 11. حيث رُفع علم الجزائر بحضور جُندي و عضو من الكشافة ! و العلم الذي تم رفعه كان من تصميم زوجته في ليلة 2 جويلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!