ما نعرفه عن الشريف محمد الأمجد بن عبد الملك الذي عرف بإسم (بوبغلة) أنه من منطقة الغرب الجزائري (بايلك الغرب) ، الوثائق التاريخية لا تشير الى اي منطقة كمسقط رأسه، لكن المؤكد انه انتقل الى غليزان ثم الى منطقة القبايل، ليستقر في شلالة العذاورة، ويبدوا انه كان من المرابطين لهذا اجتمع حوله اهل زواوة وأيّدوه كما كان معروفا عن سكان المنطقة وعن أسلافنا الأمازيغ بصفة عامة، لكن نسبه الادريسي محلّ شك، نعرف من خلال سيرة عظماء تاريخ منطقتنا أن هذا النسب استعمل لأجل نيل الحضوة والجاه، فقد ادّعى البعض أن عائلة المقراني من الأشراف ومن الهلاليين لو لا فضح اسمهم الامازيغي (أمقران) لذلك الادعاء ، كما كذّب ابن خلدون ادعاء ابن تومرت نفسه انه من الأشراف الأدارسة . فيكفي أن تتعلم علوم الشرع والحديث وتحفظ القرآن لتنسبك الناس الى الأدارسة والأشراف بمفهوم ذلك الوقت .
أول عمل عسكري قام به محمد الأمجد كان في 10 مارس 1851 عندما هجم على بن علي شريف شيخ زاوية شلاطة في بجاية المتعاون مع السلطة الاستعماريّة .انظمّ الى ثورة محمد الأمجد سكان آث يجار، إيلولة ، زاوية بن ادريس، قشتولة ، معاتقة، آث منداس، مشراس، آث كوفي، فريقات، آث سماعيل، امليكشن … واستبسلوا القتال معه.
وبعد معارك طاحنة وغير متكافئة العدد والعدة ضد النقيب بيشو و الجنرال بيليسي و بوسكي أصيب محمد الأمجد خلال معركة ضد قوات بوبريط في 19جوان 1852 في إيواضين (واضية) بجروح لم يستطع اكمال القتال على اثرها، قامت فاطمة نسومر بمعالجته بينما وصل القتال كل من أحمد بن بوزيد المنحدر من عائلة بورنان من أولاد مقران و محمد بن مسعود المنحدر من ونوغة .
هناك روايات تقول أن محمد الأمجد قد توفي متأثرا بهذه الجروح التي اصيب بها ، لكن كتب أخرى تقول أنه قتل في معركة مع الجيش الفرنسي الذي حاصر المنطقة من طرف لخضر بن دراجي الذي يخدم فرنسا (01)
رواية أخرى تقول أن العميل بومزراق من فرقة القومية هو من قتله وقطع رأسه (02) و روايات أخرى تقول أن الباشاغا لخضر بن أحمد المقراني الذي كان يقاتل الى جانب فرنسا قام بقطع رأسه بسيفه (03) وهذه الرواية الاخيرة هي التي قام بعض المؤدلجين المناوئيين لكل ما هو قبائلي بإستغلالها هذه الايام ضد خصومهم من منطقة القبايل وقالوا أن محمد بن أحمد المقراني هو من قتل الشريف محمد الأمجد وكأنه إكتشاف عظيم أو حدث جلل ! دعونا نساير كلامهم ونترك كل الرويات الاخرى ونسلم بالاخيرة فقط لتسليط الضوء على بعض الحقائق .
أولا لخضر بن أحمد المقراني الذي قتل محمد الأمجد (إن صحت الرواية الاخيرة) ليس هو محمد بن أحمد المقراني قائد الثورة الكبرى بمنطقة القبايل سنتي 1872- 1871 ، بل هو شقيقه .
ثانيا لفهم الأمور على سياقها التاريخي يجب أن ندرك أنه في تلك الفترة كانت كل العائلات الكبرى في البلاد إما تابعة لفرنسا وتخدم مصالحها في ما عرف بعائلات القيّاد والبشاغات، أو في صف المقاومة ، والتي تم التَغلب عليها بعد المعارك تصبح خادمة لفرنسا وفي صفّها او الموت أو السجن أو النفي .
عائلة المقراني تاريخيا كان لها إمارة كبيرة في المنطقة و مستقلة عن الاتراك منذ 1561 و منافسة لإمارة كوكو. في سنة 1563 قادت هذه العائلة جيش مكون من 12 الف مقاتل في محاولة تحرير وهران من الاسبان في تحالف مع الاتراك (04) .
بعد وفاة أحمد أمقران (العهد التركي) انقسمت العائلة الى فروع وعائلات مقرانية كثيرة ساهم الاتراك في بعث الفرقة والتناحر بينها لإضعاف قوّتهم وهي كل من فرع اولاد الحاج، اولاد عبد السلام، اولاد بورنان، اولاد بلقندوز. (05)
خلال العهد الفرنسي كانت هذه العائلات لازالت في صراعات طاحنة بينها، الحاج أحمد باي كان صهر لعائلات المقرانيين من فرع ولاد عبد السلام حيث تزوج من عيشوش ابنة الحاج محمد عبد السلام العايب المقراني . وقد شاركوا احمد باي في حروبه بالرجال والسلاح ضد فرنسا .
قام أحمد باي بتعيين أحمد المقراني (من فرع اولاد الحاج) قائدا على منطقة مجانة وهو الأمر الذي أغضب ابن عمه محمد عبد السلام العايب الذي زوّج ابنته لأحمد باي، فقام بالإنظمام الى فرنسا في فيفري 1831 مع كل من فرحات بن سعيد بن بوعكاز (الذي سيكون خليفة الامير عبد القادر في الشرق رغم انه كان متحالف مع فرنسا ويحارب في أحمد باي) و كذلك صالح بن يلّس . لهذا قام أحمد باي بإعتقاله (محمد بن عبد السلام) وسجنه في سجن الكدية بقسنطينة حتى سنة 1837 حيث اغتنم فرصة الهجوم الفرنسي على المدينة وهرب من السجن .
وفي هذه السنة سيأتي الأمير عبد القادر الى منطقة وانوغن بسور الغزلان حيث كل من محمد بن عبد السلام و غريمه أحمد المقراني الذي كان يقاتل مع أحمد باي وهذا من أجل الفوز بمنصب خليفة الامير عبد القادر في منطقة مجانة، لكن الأمير قام باختيار محمد بن عبد السلام المقراني الذي كان عميل فرنسا بدل من أحمد المقراني الذي كان مع أحمد باي بسبب الكره الشديد الذي عرف عن الأمير لكل ما له صلة بالأتراك والكراغلة الذين حاربهم غرب البلاد .
وهذا ما سيجعل أحمد المقراني الذي كان يقاتل مع أحمد باي بالإنظمام هو كذلك الى فرنسا نكاية في ابن عمه (06)
خدمت عائلة أحمد المقراني السلطة الفرنسية ومات على ذلك سنة 1853 بعد عودته من الحج، ثم جاء إبنه محمد ليواصل مهام والده ثم ينقلب على فرنسا ليقود ثورة شعبية عظيمة سنة 1871 شاركت فيها كل المنطقة وكان لها امتداد خارج القبايل حيث إغتنم فرصة انشغال فرنسا بحروها في اوروبا من أجل اخراج جيوشها من الجزائر وللثأر منها على تقويض صلاحيات عائلته وتهميشه .
راسل المقراني العائلات الكبرى في الجزائر ودعاها الى الجهاد لكنها رفضت ومن بين هذه العائلات أولاد بن قانة في الشرق حيث رفضوا طلبه وارسلوا رسالة في 18 مارس 1871 الى القائد روستان بقسنطينة وأكدوا له أنهم عازمون على محاربة “المجنون” محمد المقراني ، وكذلك فعل محمد بن هني بن بوضياف قائد منطقة بسكرة في رسالة له الى روستان كذلك يوم 21 ابريل من نفس السنة . أما باي التيطري (المدية) فقد سلم رسالة المقراني الى الحاكم الاعلى الفرنسي في المنطقة ، وكذلك علي بن عبد الرحمان . شيوخ قسنطينة كذلك وجهوا رسالة الى السلطة الاستعمارية في 21 مارس استنكروا فيها “أعمال” المقراني واخوته من الحداد الرحمانيين الذين نعتوهم بالبدويين المحبين للتخريب وسفك الدماء وطالبوا من فرنسا انزال العقوبات عليهم وكان من بين الموقعين على هذه الرسالة من وجهاء قسنطينة القاضي المكي بن باديس جد شيخنا العلامة عبد الحميد والمفتي الحنفي سليمان بن ساردو والمفتي المالكي الطيب وادفال. (07)
خلاصة القول إذا أن صاحب ثورة منطقة القبائل محمد بن أحمد المقراني في 1871-1872 برئي من دم الثائر بوبغلة ، غير أن مصرعه على يد عملاء محليين راجح، فقد اتسمت فترة الثورات الشعبية بولاء الطبقة الغنية المالكة للاراضي بالولاء للسلطات الفرنسية في ايطار وضائف القياد والبشاغات على النمط التركي سابقا، وهذا لتفادي الصدام مع السلطات الفرنسية وللحفاظ على مصالحها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية .فقدة حاربت فرنسا كل العائلات الحاكمة المعارضة وقامت بنفي الكثير منها ممن رفض الاستسلام لها ، وقد كانت الطبقة الكادحة عماد الثورات الشعبية كما اشار اليه مصطفى الاشرف في كتابه الجزائر الأمة والمجتمع.
بقلم الباحث مصطفى صامت
المراجع :
01- Notes chronologiques pour servir à l’histoire de l’occupation française dansla région d’Aumale, 1846- 1887, par G. Bourjade. P 62- 63.
02- Les français en Afrique récit algériens (1948 – 1968) tome II, édition : 1886-1887 ,Page 38
03- En kabylie : voyage d’une parisienne au djurjura. joseph VIlbort. Page 20
04- Le Djurdjura à travers l’Histoire,Amar Boulifa , Pp. 160-163
05- MERCIER: Le Bachaga Mokrani et les causes de Vinsurrection de 1871. (Paris, 19 Août 1900) pp. 11-14
06- الأمير محمد، تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر . 1803. ج1، ص200
07- جريدة المبشر، العدد 745 ، 6 ابريل 1871 و كذلك العدد 746، 21 ابريل 1871.