أقلام حرة

الرد الثاني للبروفسور محمد الهادي حارش على محمد الأمين بلغيث في قضية التاريخ والهوية

القط الماريشال: و تحريف التاريخ

رأيت مؤخرا فيديو للقط الماريشال ، استضاف فيه في الشارع، استاذ يقرأ التاريخ حسب هواه، و همه الوحيد هو اثارة الفتنة، في وقت نحن في غنى عنها، و في حاجة الى من يلم شملنا، وقد بدأ حديثه بالتهجم على :


1- الكتاب المدرسي : ”موجه وتلعب الايدولوجية دورا كبيرا في اختزال التاريخ ”، الكتاب المدرسي، كتاب جامع، و لا يختزل فيه التاريخ، بل بالعكس، هو تاريخ شامل لمكونات الأمة، تنتقي فيه المعلومات التي تقدم للأطفال، التي تتناسب مع مستواهم، و التي تخدم هويتهم و تاريخهم، لتنمية الروح الوطنية عندهم، حتى يكونوا في المستقبل سدا منيعا امام كل التيارات الغريبة عن الامة .


2- نوميديا : يعترف الاستاذ “ان نوميديا من تأسيس الجزائريين، لكنها كانت تحت الوصاية الرومانية، معناها كيما الانتداب البريطاني على فلسطين او بلاد الشام و فرنسا “، طبعا الاستاذ كلما فقد البوصلة في التاريخ القديم، يلجأ الى التاريخ المعاصر، حيث يبدأ في الخلط ايضا، لأنه عندما يقول ” الانتداب البريطاني على فلسطين، لا يعني الشام بالكامل، وعندما يقول الشام و يردفها بفرنسا، و كأن فرنسا ايضا، كانت تحت الانتداب، و هو يعرف ان اتفاقية سايكس بيكو، قسمت الشام بين بريطانيا، التي حصلت على فلسطين و الاردن، في حين حصلت فرنسا على لبنان و سوريا .
اما بخصوص نوميديا، فليعلم الاستاذ انها من تأسيس النوميديين – ربما – حتى قبل تأسيس مدينة روما ذاتها، و بالتالي لم تكن تحت حمايتها، فما بالك انها تأسست تحت حمايتها، و لم تعش تحت الحماية الرومانية، لا في عهد ماسينيسا، ولا خلفاءه .


3
– الاستاذ يفتخر، وينتشى بترديد اقاويل لا سند لها، و لو كان وطنيا فعلا، كما يتظاهر ”لأغتاض “من سماع او قراءة هذا الكلام من الانجليز او الامريكان، وهم ليسوا مغفلين، ويعرفون مصلحتهم، قبل التفوه بمثل هذا الكلام ” ماسينيسا عميل، ماسنيسا كلب حراسة مصالح روما في شمال افريقيا “
لو افترضنا هذا، و نحن نعيش في دولة تحترم رموزها، لخلق مثل هذا الكلام ازمة دبلوماسية مع هذه الدول ؟! قبل الكلام، تـأكد اولا من مصادرك، وقدمها للمستمعين و المشاهدين و حتى لا يكون كلامك عبارة عن هراء، وقدم لنا ايضا هذه الكتب المترجمة في ليبيا، التي تعتبر الانتماء الى هذا الشخص جريمة و شتيمة ؟!.
اريد ان اقدم لك بعض الوثائق، لترى كيف تتعامل المدرسة الكولونيالية مع تاريخنا، وكيف تستخدم رموزنا، اقرأ مثلا رسالة 3 جانفي 1871، التي وجهها الامير عبد القادر الى حكومة بوردو، التي يتمنى فيها النصر لفرنسا و الهزيمة النكراء لأعدائها، ثم أقرأ رسالة 09 ابريل 1871 الموجهة من الامير عبد القادر الى قنصل فرنسا بدمشق، التي يتبرأ فيها من ابنه و يصفه بالشرير، ويعتبره عدو الله و عدوه و عدو نفسه، لأنه سافر الى الجزائر ليحرك المقاومة ضد فرنسا، ثم اقرأ رسالة العشرين من ذلك الشهر، التى تعد بمثابة بيان، يصدر فيه الامير الاوامر الى رجال القبائل، يدعوهم الى هداية الشباب الى الصراط المستقيم، و يوصيهم بالانصياع الى اوامر السلطة الفرنسية، التى يمتدح إدارتها الرشيدة .


فهل تصدق ما ورد في هذه الرسائل، وما جاء فيها من الانباء المخالفة للمنطق و المرتبطة بشخصية الامير، فهل يمكن للأمير ان يتبرأ من ابنه، و يصفه بالشرير (رسالة 09 ابريل 1871 ), و يصف الثوار الذين يكافحون في سبيل تحرير بلادهم بالأشرار (بيان 20 ابريل 1871) و هل تصدق ان الامير اصبح مخلصا للقضية الفرنسية، كما يدعي البعض، و أصبح صديقا لفرنسا، وهل تصدق ان الامير يتمنى النصر لفرنسا والهزيمة النكراء لأعدائها من المجاهدين، وانه يبتهل الى العلي القدير لتسليط العذاب الاليم على الخونة، و ليلحق بأعداء فرنسا الخزي و العار.
هل تصدق بول ازان، الذي ألف كتابا عن الامير عبد القادر بعنوان :الامير عبد القادر : من التعصب الى الوطنية الفرنسية، هل كان الامير وطنيا فرنسيا، لكن هكذا الدعاية الفرنسية لتصديق همم الرجال .
Azan (Paul),L’Emir Abdelkader; du fanatisme musulman au patriotisme Français، (Paris، 1921).
و هل تصدق انه عندما قامت ثورة المقراني (16 مارس 1871), وعندما اعلنت الطريقة الرحمانية الثورة في (08 ابريل 1871 )، اعتبرها الامير ثورة ضد العدل و ضد ارادة الله، و ارادته، وتضرع الى الله العلي العظيم، ليخزى اعداء فرنسا من المجاهدين .
فإذا كانت هذه مواقف ازان، و جوليان و برودال و مارسي و نوشى وغيرهم من الامير، هي نفسها مواقف ليفيوس و سالوستيوس و غيرهم من المؤرخين اللاتين البارحة و مواقف قزال و كومس و قوثي و كورتوا من ماسينيسا و من سيفاكس و غيرهم، فالمدرسة الرومانية هي النموذج الذي تقتدي به المدرسة الفرنسية حديثا، اذن كفوا عن اللغو، فهم يخلقون ابطالا من العدم، ونحن نقذف ابطالنا بشتى الصفات، بتوجيه و ايحاءات من اعداء الامس الذين لا يريدون الخير لنا بلا شك .


4- اخر ابداع للأستاذ هو ” ان دولة يوغرطة صغيرة جدا، تتشكل فقط من مدن ثلاث : تاله، تالبت (المدينة القديمة ) و تبسة، و عاصمتها ( قلعة سنان ), طبعا هنا اخر ابداع، ويؤكد انه يحسن اختيار الكلمات، معناه يعرف ما يقول، فلا اعلق، وكتاب سالوستيوس حول حرب يوغرطة موجود و يفصل في الكثير من المعارك التى خاضها يوغرطة دفاعا عن : قفصة في الجنوب التونسي و عن باجة في وسط تونس، وعن زاما، وعن قالمة ( سوثول ) و قسنطينة ومجانة وصولا الى حصن تاوريت على وادي الملوية، و كذا لبدة الى الشرق من طرابلس، مما يعنى ان حدود مملكة نوميديا لم يحدث عليها اي تغيير حتى عهد يوغرطة، و اول تغيير يحدث بعد هزيمة يوغرطة سنة 105 ق .م


5- يعترف الاستاذ ” ان تاريخنا يبدأ منذ عصور ما قبل التاريخ، لكن تاريخنا الناصع يبدأ مع الفينيقيين منذ سبعة ألاف سنة، و يتوطد باندماج سكان الجزائر مع القرطاجيين، وهم احفاد النوميديين ” هكذا دون حياء، الشعب الفينيقي الذي ظهر في الربع الاخير من الالف الثانية قبل الميلاد، مما يعنى ان تاريخه منذ ظهوره حتى الان، اقول حتى اليوم، لا يتجاوز ثلاثة ألاف سنة إلا بقرنيين و نيف، و الاستاذ يقول ما يزيد عن سبعة ألاف سنة !
اما كون القرطاجيين احفاد النوميديين، فهذا ابداع اخر للأستاذ، الذي يعزل القرطاجيين عن اسلافهم الفينيقيين، لينسب نفسه الى الاخيرين ؟!


6- يتكلم الاستاذ عن ” لغة التفيناغ “, عوض” كتابة التفيناغ “، وبعد ان اعتبرها في تدخله بقناة الشروق كتابة متطورة عن البونيقية، هاهو يعود هنا و يعتبرها لغة و حروف قدامى اليمنيين، و لو اكتفى بهذا، لربما صدقناه تجاوزا، و اعتمادا على الكثير من الاساطير، التى تقول كل شيء عند جهل الحقيقة، او كما يقال ان الاكثار من الكذب ينتهى بصاحبه الى تصديق نفسه، لكن ان يقول “ان قدامى اليمن يكتبون بها الى اليوم، فهنا قمة الهذيان .


7- اذا كانت جذورك في الشام و اليمن، فإننا نحن لا ننتمي لغير هذا البلد، فنحن جذورنا ضاربة في اعماق هذا الوطن, الذى لا وطن لنا غيره، لنرحل اليه و نحن لا نرضى بغير جذورنا، اما جذور الوندال و البيزنطيين، فنحن في غنى عنها، ولا نبحث عنها لأننا لسنا يتامى التاريخ، حتى ننسلخ من جلودنا، و نلبس جلود الاخرين، اما ان تطالبنى بالرحيل، وترك بلاد الشهداء، فالشهداء منا، و والدي إن اردت معرفة تاريخه، فأتي معي لاريك ” قبره ” لا في مقابر الشهداء و إنما في مكان استشهاده ، اثناء عملية ” المنظار “التي لم تعرف مناطق اخرى من بلادى – الجزائر – مثيلا لها في وسط غابات اكفادو، حيث دفن مع رفقائه في السلاح، بينما كان اخرون في تونس يتفرجون، ويحملون بطاقة المجاهد، مع احترامى للمجاهدين الحقيقيين .


لا تتطاول على التاريخ، فإذا كنت، تدعي انك تسعى لاستعادة الوعي، و استعادة تاريخ الوطن، فأنت بمسعاك هذا، تسعى لإثارة الفتنة لا اكثر و لا اقل، عن وعي او دون وعي، لذلك نرجوك تأكد من معلوماتك اولا، او كف عن اثارة الضغائن بين ابناء البلد الواحد .


بقلم أ.د.محمد الهادي حارش
عين البنيان – الجزائر-28-12-201

*القط الماريشال : إسم مسعار على الفايس بوك وناشر الفديدو للاستاذ بلغيث محمد الذي رد عليه البروفسور محمد حارش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!