الزواف ليسوا قبايل وهذه هي الحقيقة التاريخية عن الموضوع بالأدلة والمصادر التاريخية المباشرة

بعيدا عن اللغو والضجيج المفتعل حول هذا الموضوع هنا وهناك، وبعيدا عن المزوريين والمحرفين حتى للمصادر التاريخية كما شهدناه في بعض المواقع والمدونات، ولأجل إظهار الحقيقة التاريخية خدمة للمعرفة ولإشباع ألفضول ولتصحيح بعض المعلومات عند بعض الجزائريين حول موضوع الزواف الذي أصحب يستعمل للتهجم وإقصاء شريحة كاملة من الشعب الجزائري جهلا أو لتصفية الحسابات والخصومات السياسية … نقدم لكم هذه النقاط حول موضوع الزواف الجزائريين موثقة بمصادر مباشرة ليتسنى للجميع التحقق من صحتها والتوسع اكثر في الموضوع، ورفع اللبس والغموض والخلط الذي وقع فيه الكثير .

الزواف فرقتين :

     هناك كتيبتين (فرقتين) من الزوّاف، الأولى تشكلت في العهد العثماني أيام حكم علي خوجة ، والثانية تشكلت في العهد الفرنسي أيام قائد الحملة الفرنسية دي بورمون .

      دعونا الآن مع الفرقة الأولى التي تشكلت في العهد العثماني، ونرى ما يقوله المؤرّخ Henri Aucapitaine في كتابه ” les kabyles et la colonisatoin de l’algérie” الصادر سنة 1864 والذي جاء  في الصفحة 126 :

” بعض المؤرخين أخطأوا لما قالوا أن الأتراك كان لهم فيلق مساعد من القبايل يحمل إسم الزواوة ، الحقيقية انه كان لهم قوات من المشات تحمل هذا الإسم لكنها متكونة فقط من العرب . زواوة كانت مجرد قوات غير دائمة توفرها قبائل تقع حول مدينة الجزائر ” ويقول في صفحة 127 ” هذه القوات كانت تقاد من طرف آغ تركي ، وكان عدد العنصر القبائلي فيها قليل جدا ..

” (رابط مباشر للنص الأصلي و الكتاب من هنا )

نفهم من هذا الكلام أن فرقة الزوّاف الأولى التي كانت تحمل إسم الزواوة في العهد العثماني كانت من اغلبية عربية (جزائريون ناطقون بالدارجة الجزائرية)  و انها اخذت إسم زواوة لوجود بعض العناصر القبايلية فيها وهذه الأخيرة كانت من مناطق قبايلية تقع حول العاصمة  فهل هي من منطقة القبايل المعروفة حاليا ؟ هذا ما سنجيب عليه في الأسطر القادمة .

أما فرقة الزوّاف الثانية التي تشكلت في عهد الاستعمار الفرنسي في أوت 1830، فكانت مشكلة من عناصر جزائرية مختلفة كما تؤكده المصادر ومن بينها كتاب :
(L’Algérie de 1830 à 1840 : les commencements d’une conquête )
للمؤرّخ (Camille Rousset) الذي يقول في الصفحة 08 :

” بمجرد أن قدم آغا الجزائر (يلقب بشيخ العرب ) نداءا للجزائريين لمن يريد العمل في الجيش الفرنسي حتى أتى بعض الجزائرين من كل حدب و صوب في نهاية الشهر (يقصد شهر أوت من سنة 1830) كراغلة , زنوج ,عرب , قبايل, بل وصلوا حتى من بسكرة” .

كما نجد في أحد المصادر الاولى التي تناولت هذا الموضوع والتي تعود الى سنة 1886 أن القبايل أو زواوة كانوا أقلية في كتبية الزواف التي شكلها كلوزال في العهد الفرنسي وهذا المصدر هو كتاب « les français en Afrique récit algérien volume 1 » لمؤلفه Eugène Émile Édouard Perret صدر في سنة 1886 ،صفحة 104 وجاء فيه ما ترجمته الى العربية :

” …إذا كان الزواف يحملون إسم الكتيبة القديمة لزواوة، فهذا لا يعني أن هذا الفيلق (يقصد الذي تشكل في العهد الفرنسي) متكون من القبايل بالعكس تماما فهم أقلية فيه ، أندجان (الأهالي) السهول ، الأندلسين ، الكراغلة الى آخره، إنخرطوا كلهم في الزواف ، الى هؤلاء الأهالي إنظم إليهم كذلك عدد كبير من الفرنسيين … ”

رابط مباشر للكتاب والنص الأصلي من هنا)

القبايل قديما ليسوا سكان منطقة القبايل الحالية فقط:

نشير هنا الى أن المغالطة التي وقع فيها الكثير هي أن هؤلاء القبايل الذين إنظموا الى كتيبة الزواف الثانية التي كانت في عهد فرنسا مع بقية الجزائريين ليسوا بالضرورة سكان منطقة القبايل المعروفة حاليا، فما يجهله الكثير هو أنه عشية الإحتلال الفرنسي كان كل سكان الساحل الجزائري يطلق عليهم إسم القبايل وكان العنصر القبايلي (الأمازيغي) يمثل الأغلبية الساحقة في الجزائر وهناك الكثير من الأدلة بخصوص هذا نختصر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :

1- جاء في كتاب ( QUELQUES MOTS SUR L’ALGÉRIE A PROPO DE L’ENQUETE ) من تأليف (LE COMTE CHARLES DE MONTEBELLO) سنة 1870 في الصفحة 9، ما يلي :

” … لذلك ، دعنا نقول بضع كلمات عن مسلمي الجزائر.
هؤلاء السكان ينقسمون أساسا الى شعبين مختلفين : شعب البربر أو القبائل والشعب العربي ، وخلافا لما كان شائعا ، الجزائر هي قبائلية أكثر مما هي عربية . فشعب البربر أصيل ومن التربة الأفريقية ؛ أما العربي فه من أصل آسيوي ، دخيل .
البربر أكثر بكثير من العرب؛ قبائلهم واسعة الانتشار ، وهي: على طول الشريط الساحلي ، من تونس إلى المغرب ، تحت اسم Kabyles ؛ موجودون في جنوب محافظة قسنطينة ، باسم الشاوية. ، و حول جبال محافظات الجزائر ووهران ، تحت اسم جبيليا. – في واحات الصحراء ،تحت أسماء بني مزاب روجا وبرابر
.”

(رابط النص الأصلي من هنا )

وهنا يجب أن الانتباه الى نقطة مهمة وهي انه في تلك الفترة كان المؤرخون الفرنسيين يعتبرون الجزائريين الناطقيين بالعامية أنه عرب هلاليين وافدون من الجزير العربية وهذا ليس صحيح دئما لأن عملية استعراب الأمازيغ قديمة ولازالت متواصلة حتى الآن .على هذا الأساس لا يجب إعتبار كلمة “عربي” في النصوص الفرنسية المقتبسة على انها ذات مدلول عرقي بل الغوي .

2_ نجد كذلك في نصر رسالة الداي حسين لقائد الحملة الفرنسية دي بورمون بعد استسلامه  مقابل السماح له بمغادرة الجزائر واخذ كل كنوزه وأهله ، يقول في الرسالة التي ينصح ويرشد دي بورمون الفرنسي بالطريقة المثلى للتمكن من السيطرة المطلقة على الجزائريين الذين تركهم الداي حسين لمصريهم ما يلي : “


طرد وتخلص بسرعة من الجيش الانكشاري التركي لما يعرف عنهم من تمردات على الحكام  (وهو ما قامت به فرنسا بعد إحتلال العاصمة)
* السكان من اصل اندلسي وديعون و خجولون ويسهل جدا السيطرة عليهم وحكمهم
* اليهود جبناء ومرتشين ولكن وضفهم في امور المالية والتجارة فهم اذكياء
* العرب البدو الرحل فلا يخيفونكم في شيئ يمكن ترويضهم و تليينهم بمجرد من خلال المعاملة الحسنة فيصبحون موالين وعند الحاجة مجرد عقوبة ترجعهم الى الصف او تجدهم يهربون الى داخل حدود تونس
* في ما يخص القبايل (ولم يقل البربر) هؤلاء لم يحبوا ابدا الأجانب والدخلاء، تفادى الحرب الشاملة ضدهم جميعا، هذا فهم محاربون أشداء و عددهم كبير جدا، هم كثيروا الخصومة بينهم قم بتشتيتهم
 …..”


إنتهى الإقتباس والمصدر هو (L’armée d’Afrique depuis la conquête d’Alger ) للمؤلفه (Ferdinand Quesnoy) صفحة 23 و 24 (رابط مباشر للكتاب من الارشيف الفرنسي على النت من هنا)

3_   في كتاب (nouvelle analyse des voyages) يحمل تاريخ 1837 أي بعد 3 سنوات من الاحتلال جاء أن عدد الجنود القبايل الذين يمكن جمعهم من جبال منطقة القبايل يصل على 40 ألف محارب و 4 ألاف فارس ويقول المؤلف في الصفحة 18 ان هذه القوة يمكن ان تخضع كل إفريقيا لسيطرتها لو إجتمعت . وهو ما يوحي لنا على استحالة حصر هذه الاعداد في منطقة القبايل الحالية فقط خاصة وأن الكتب المؤرخة لمعركة سطوالي عشية الاحتلال الفرنسية في جويلية 1830 تقول أن منطقة القبايل الحالية جمعت خمس عشرون ألف جندي (مصدر النص الأصلي من هنا)

4- الخرائط الجغرافية القديمة تأكد كذلك أن منطقة القبايل عند إحتلال فرنسا للجزائر كانت تشمل كل المنطقة الساحلية في الجزائر قامت لاحقا بحصرها في منطقة القبايل الحالية فقط وقسمتها الى صغرى وكبرى ، والواقع كذلك يؤكد هذا فبعد توسع رقعة التعريب في الجزائر وإنحصار الامازيغية في بعض الجبال المعزولة والصحاري لازال أمازيغ عين الدفلى والشلف في دائرة آث حوا الساحلية/ الجبلية يسمون انفسهم قبايل ، ويسمون أمازيغيتهم ” هقبيليكث ” ، حرف الهاء عندهم يعوض التاء عند بعض الشاوية والثاء عند القبايل حاليا . وهذه خريطة قديمة من الأرشيف الفرنسي تظهر لنا ان سكان الجبال الجهة الغربية للبلاد كان يطلق عليهم القبايل، كتب فيها (Pays moutueux Habité par des kabailes)، وفي نفس الخريطة كذلك وجنوب ولاية المدية كتب فيها (Kabails Médeah) .

منطقة القبايل قديما
صورة من الأشيف الفرنسي توضح وجود مناطق بإسم “قبايل” خارج منطقة القبايل الحالية، مصدر الصورة من هنا

نجد كذلك في خرائط الأرشيف الفرنسي إشارة الى “تجمع للزواف” جنوب المدية التي كانت تسمى” قبايل المدية” ،وهو ما يطرح احتمال أن تكون تلك المنطقة (Kabails Médeah) هي من كانت فرنسا تجند منها قرب العاصمة كما جاء في الناص أعلاه عند المؤرخ Henri Aucapitaine ، وهذا أمر لا نجزم فيه حاليا لغياب أدلة قطعية لكنه افتراض وارد حسب المعطيات التي أسردناها.

صورة توضح تجمع للزواف في المدية في الحقبة الفرنسية مصدر الصورة من الأرشيف  هنا

تصحيح أخطاء متداولة حول موضوع الزواف :


كتيبة الزواف التي لم تتجاوز 4 ألاف مجند عكسر ما يروج له البعض وهي كتيبة من حيث عدد المجندين وليست فيلق ، كان العنصر القبايلي فيها قليل جدا، رغم أنه كان الأغلبية الساحقة في الجزائر من حيث التمثيل السكاني آنذاك .

الخلط وقع في إعتبار كتيبة الزواف التي تم تشكيلها في العهد الفرنسي على انها من القبايل الزواويين فقط لأن إسم الزواف تم إتقباسه من كتيبة زواوة التي تشكلت في العهد العثماني من أغلبية عربية وكان العنصر القبايلي فيها قليل جدا كما أثبتناه بالأدلة . والحقيقة أن كتيبة الزواف التي تشكلت في العهد الفرنسي من العرب/المعربين ، الكراغلة، الفرنسيين، القبايل … كان العنصر القبايلي الذي فيها يتكون من جزائريين من مناطق أخرى غير منطقة القبايل الحالية . أي ان الذين يتهمون سكان منطقة القبايل الحالية بأنهم زواف هم انفسهم قبايل تعربوا ومن المحتمل ان أجدادهم القبايل قد شاركوا في كتيبة الزواف كذلك .

الأدلة التي قدمناها أثبتت كذلك حقيقة عملية الإستعراب التي وقعت للشعب الجزائري والشمال الإفريقي والتي تسارعت وتيرتها في العهد الفرنسي الذي عمل على تعريب شعبنا عكس ما يظنه البعض ، وهو شيئ إعترف به المؤرخ الفرنسي إستفيان غزال وآخرون وهناك أدلة كثيرة تأكد مساهمة فرنسا في تعريب الجزائريين لا داعي لذكرها في هذا المقام .

كتيبة الزواف تم منع الجزائريين من الإنخراط فيها بعد 1842 بسبب تكرار هروبهم وإنظمامهم إلى الأمير عبد القادر الذي إستفاد من خبرتهم، حديث هروب الزواف من الجندية عند الفرنسيين تحدث عنه المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله حيث قال : ”أسس الفرنسيون هذه الفرقة (يقصد الزواف) من الجزائريين (ولم يقل من القبايل) ولكن أفرادها كانوا يفرون منها بشكل جعل رئيس اللجنة الثانية ديكاريس (رئيس اللجنة الافريقية) يقول أن من بين 1144 شخصا لم يبقى سوى 363” . ويقول كذلك في كتابه “الحركة الوطنية الجزائرية ، ج1، صفحة 37 :

” ومن جهة أخرى أنشأ كلوزيل (خليفة القائد الفرنسي دي بورمون) فرقة مشاة من بعض الجزائريين المرتزقة سماها فرقة الزواف، وذلك في أول أكتوبر 1830. وكان يطمح الى تكوين فرقة أخرى من الفرسان ولكن الهروب من الفرقة الاولى جعله يتوقف عن طموحه . وسنرى أنه حاول انشاء فرقة محلية (مليشيا) عند دخوله مدينة المدية ”

في سنة 1842 سنرى ان كتيبة الزواف ستنظم الى راية الامير عبد القادر بعد هروبها من التجنيد الفرنسي وهو ما وثقه المؤرخ لورونسان بول (Paul Laurencin) في الكتاب الذي حمل عنوان زوافنا (Nos zouaves) وجاء في الصفحة 26 و27، :

إن أغلب الزواف الانديجان(يقصد الجزائريين ليفرقهم عن الزواف الاجانب) كانوا يقدسون الأمير عبد القادر ومع تأثير هذا الأخير (يقصد الامير) تخلوا عن الراية الفرنسية وانظموا الى راية الأمير عبد القادر الاسلامية وقد خدموا الأمير من خلال خبرتهم العسكرية فعينهم  كضباط لتدريب جيشه الذي تحول بفضلهم الى جيش عصري منظم على طريقة الجيوش الأوروبية واستعملها لمقاومة الفرنسيين، و كان يسمون المنتظمون وهذا لشدة تنظيمهم، وكذلك الحُمْرْ وهذا بسبب لون برنوسهم الاحمر ” .

و كتيبة الزواف في الحقيقة هي جزء صغير من الجيش الإفريقي الفرنسي الذي شكلته فرنسا عند احتلالها للجزائر والذي ساعدها في عملية الاحتلال و كان يتكون من فيالق وليس مجرد كتائب وهذه الفيالق التي تسمى الصبايحية بقيادة يوسف المملوك والقومية  بقيادة الآغا مصطفى بن إسماعيل قائد قبائل الزمالة والدويرالمخزنية في وهران والذي كان أول جزائري عارض على فرنسا خدماته بعد رحيل الاتراك الذين كان يخدمها ، وكذلك فيالق القناصة الجزائريين والخيالة العربية والمهاريست  في الجنوب … لا أحد يتحدث عنها لأنه ليس لها أي علاقة بمنطقة القبايل الحالية ، التي يحاول الزواف الجدد (العصابة) تشويه صورتها وتحريض بقية الجزائريين (الذين هم كذلك قبايل قديما قبل أن يتعربوا) ضدها لأجل تسريع وتسهيل مشروع التقسيم الذي يخدم النظام في إطار فرق تسد

بقلم الأستاذمصطفى صامت

الجزائر العاصمة 2019-05-05

المصدر : هنا

Exit mobile version