أقلام حرة

البروفسور محمد الهادي حارش يرد على الدكتور مسرحي جمال حول تهجمه على الأمازيغية

ما هكذا تبنى الأمم !

ما هكذا تبنى الأمم !

قرأت مقالا للأستاذ مسرحي جمال من جامعة باتنة , يدعو فيه الجزائريين للتصويت ب ” لا ” على مشروع الدستور , و ذلك بسبب نص هذا المشروع في مادته الرابعة , على أن اللغة الامازيغية لغة ” وطنية رسمية” , و قد رأى في هذا اكبر تناقض , اذ تم ترسيم , في رأيه شيئا لا يوجد أصلا في التاريخ الجزائري , أستاذ جامعي , ينصب نفسه عالما , و يتنكر لجزء من الأمة , و يدعو لإنقاذ البلاد من الفئة ” الضالة ” و الشرذمة , لأنه في رأيه لا يوجد في العالم بلد محترم و موحد الشعب و التراب بلغتين رسميتين , هكذا عالم يحكم بلا علم :

1) هل تعلم ان سويسرا هذا البلد المحايد و الأكثر استقرارا في العالم , و واحد من البلدان الأعلى مستوى المعيشة في أوروبا , و الأعلى في الأجر القاعدي في العالم , تتعايش بلغتين رسميتين ( الألمانية في منطقة ساكسون 65% من السكان , و الفرنسية في منطقة جورا و نورمانديا 18 %) مع وجود الايطالية و الرومانية ( بقايا اللاتينية المعروفة Romanche) , حوالي 17 % من السكان , إلا اذا كانت سويسرا غير محترمة و متخلفة في نظره !
غير بعيد عن سويسرا , توجد بلجيكا , التي بها ثلاث لغات رسمية ( الفرنسية , الألمانية , النيدرلاندية او ما يسمى بالفلاموند) , و لا ادري إن كان هناك بلدا عربيا , أكثر استقرارا و تقدما و أمنا و تطورا من بلجيكا , إلا إذا كانت بلجيكا هي الأخرى بلدا غير محترم .


طبعا , أنا لم اطلع على كل دساتير الدول , لأعرف إن كانت دولا أخرى تعيش بأكثر من لغة رسمية , لكن اعرف أن كندا , هذا البلد العملاق , به لغتين رسميتين ( الانجليزية , و الفرنسية ) .
لا ادري, أن كنت تجهل هذا أو تتجاهل ذلك ؟ أم أن هذه الدول و غيرها , ليست محترمة , و ليست دول موحدة ؟


المشكل يا سي جمال , ليس في تعدد اللغات , بقدر ما هو تخلف في الذهنيات , و بقدر ما هو عدم تقبل الأخر , مهما كان هذا الأخر قريب , لأننا نفكر بمنطق ” الأنا ” فقط , منطق ” انأ و من بعدي طوفان “.


2) هل أنت صادق مع نفسك , وتؤمن , و تصدق أن هذا البلد عربي بالأصل , و هل تصدق فعلا بعدم وجود الامازيغ و الامازيغية في هذا البلد و سائر بلدان المغرب ( ثامزغة) , من المحيط غربا إلى واحة سيوة شرقا , ومن ضفاف البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى أطراف مالي و النيجر جنوبا ؟
هل تؤمن فعلا أن الامازيغية , مفبركة (مستحدثة) و من صنع الأكاديمية البربرية في ستينيات القرن الماضي , أو جاك بينيت (Jacques Bénet)- كما تقول – أو حتى فرنجة ( فرنسا) التي ظهرت بعد الامازيغية بقرون ؟!


3) تنكر وجود الامازيغية ” و أنت أستاذ التاريخ القديم “, على ما قيل لي , طيب لا اذهب بك بعيدا :
ا- أذكرك بقول حسن الوزان ( 1483 – 1554 ) الذي يقول ” أن جميع البربر لهم لغة واحدة , يسمونها ” أقل امازيغ – Agel Amazigh”, التي تعني في رأيه ” اللغة النبيلة “.
ب- قبل حسن الوزان , بقرن و نيف , ينسبهم عبد الرحمن ابن خلدون (1332-1405) إلى جدهم ” مازيغ”.
ج- ما رأيك في الرواية المتداولة عن القائد المغرواي “وزمار بن صولات ” , الذي اشترط أن يسلم على يد الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – و قال له : ” أنا امازيغي ” من باب الافتخار بالشمائل أمام العرب المسلمين , ربما لا تصدقني ( عد إلى معجم مشاهير المغاربة , ص.327,326) .
طبعا كل هذه النصوص سابقة لميلاد فرنسا , كدولة , و بل سابقة لظهور الفرنك ( الفرنجة ) أما قبل ذلك , فيمكننا العودة إلى الأسماء, التي تعتمد على الجذر ( م ز غ ) و هو الجذر الذي نجده في العديد من النقوش الليبية , التي لا ترسم الحروف الساكنة , و تكتفي بالحروف المتحركة , وعندما نضيف لهذا الجذر الحروف الساكنة نحصل على(امازيغ /امازيغ )(MZG),( AMAZIGH).


و لاشك أن نقل الأسماء من لغة إلى أخرى عادة ما يعتريها نوع من التحريف , و كانت اللامبالاة , وقلة الدقة , التي اتسم بها نقل هذه الكلمة ” امازيغ ” و غيرها من الأسماء إلى الاغريقية و اللاتينية أن حرفت عند هؤلاء ب “مازيس” او ” مازيك ” ” المازيكس. او امازيس… ” و التي ذكرت من طرف العديد من المؤرخين و الجغرافيين القدامى من هكاتايوس في القرن السادس و الخامس ق. م , إلى اميانوس في القرن الرابع ميلادي و كوريبوس في القرن الخامس , و ذكروها في مناطق متفرقة من “تامزغة” , وحتى لا أوجهك إلى قبريال كومس( G.Camps) او غيره من المؤرخين الفرنسيين, الذين لديك ربما حساسية نحوهم ” ادعوك لقراءة المؤرخ و الأثري الانجليزي اوريك بايتس في كتابه : الليبيون الشرقيون “و هو أفضل ما كتب عن هؤلاء و قد خص اللغة الامازيغية, كلغة بفصل كامل.


4) تتنكر للامازيغية ثم تقول ” كان يجب التنويه بالانتماء الحضاري ” البوني – النوميدي” , وبذلك أنت تعود إلى الثنائية , لكنك تخطئ , فالبعد النوميدي , ما هو إلا جزء من وحدة اثنيه و حضارية كبرى و هي ” الليبية القديمة ” المعروفة انها البرتو – امازيغية , فالنوميدي ما هو الا ليبي و هو حال الماوري ( الموريطاني ) و الجايتولي و الجرامانتي فهم كلهم ليبيون , إذن نتحدث عن العمق الليبي , او البروتو امازيغي , اما البوني و الأدق البونيقي (Poenic) , ما هو الإ نتاج تلاقي هذا العمق الليبي و الوافد الفينيقي .


5) يقول الدكتور أن المشروع ( يقصد مشروع الدستور), وضع لإرضاء فئة “ضالة” هدفها النيل من مكتسبات شعبنا الأبي و إرضائها هو تفكيك لوحدة الأمة و تدمير للوطن, و تبديد لجهود و تضحيات الشهداء عبر القرون.


لا ادري عن أية ” امة ” تتحدث و أنت تصف البعض ب” الضال” و البعض الأخر بالشرذمة ؟ ! و هل تصف أبناء الاوراس – النمامشة- الاشاوس بالشرذمة , أم أبناء واد ريغ و ميزاب ,ام أبناء التاسيلي و الاحقار التاورغة , ام أبناء تيقورارين – توات- تيديكليت حتى تين زاواتين من الزناتة ام بني سمغون و بني سنوس و بنى حواء , وصولا الى بواسل الونشريس و الظهرة و الشنوة , ام ابناء جرجرة الشامخة ؟
طيب اذا كان كل هؤلاء شرذمة او شراذم وضالين , عن اي وحدة او امة تتحدث , و ترافع , إذا كنت تقصي كل هؤلاء ؟ ومن ضحى عبر قرون إن لم يكن هؤلاء .


6) هل أنت مقتنع فعلا بعدم وجود الامازيغية في الجزائر , و لنقول ” البربرية ” , هل تعتقد أن المتغيرات التي نتحدث عنها من أقصى البلاد إلى أقصاها , هي لغة غير موجودة , أو هي موجودة بفعل فاعل , مثلما يروج ” الكذاب من كثرة الكذب , ينتهي إلى تصديق نفسه “


و هل تعتقد انه من حقك التمتع بلغة أمك ( إن كنت تعترف بلغة آمك , ومن حقك أن تحرم الأخر من لغة أمه , و تصفهم بشتى الأوصاف ” الفئة الضالة ” …الشرذمة ” و تدعو الجزائريين للدفاع بشراسة !
7) ما هذا المنطق من دكتور ينسلخ من جلده و يتنكر لذاته , و ينسب نفسه للأخر , و يدعو لمحاربة كل من تسول له نفسه المطالبة بحقه في لغة أمه و أمته ؟


دكتور كونته الجزائر , و وفرت له منصبا في الجامعة , يتجرأ – بلا حياء- لوصف المواطنين من مختلف أرجاء الوطن , يعيشون الغبن و الحرمان في لغتهم و في وطنهم , و يتحملون ذلك عن مضمض , حفاظا على الوطن , و هو يصفهم بالضلال و الشراذم !


8) لتعلم أيها الدكتور , إن الذين رسموا ” الامازيغية ” لغة وطنية و رسمية في وطنها , و أي ترسيم , قد أغلقوا علينا بابا من الأبواب التي يأتينا منها الأذى , و الوحدة الوطنية , لا تتم بالإقصاء و الشتم و السب و التسفيه ، و إنما بالتآخي و تعاون الجميع , و لتعلم انك لم تتصدق علي , و إنما هو حق من حقوقي أدافع عنه بهدوء و صمت ، و أنا أدرك انه بغير ذلك الرابح فينا , خاسر , ولذا تجدني – رغم انه حقي – أدافع عنه بصمت و هدوء حفاظا على وحدة “الأمة” و استقرار “الوطن ” , خلافا لك تدعو المواطنين للوقوف كرجل واحد ، لماذا ؟ لتنزع مني حقي الطبيعي ” لغة أمي ” و”لغة أمتي ” و لكن أنت تتنكر لوجودها , و هي واقع أمامك , لكن لا تريد أن تصدق به من شدة حنقك.


9) تتحدث عن ” الخطايا القاتلة ” و لا ادري أن كنت تعرف معنى ” الخطايا ” و الخطيئة هي الذنب المتعمد , مما يعني انك تتهم واضعوا المشروع , بتعمد ارتكاب هذه ” الخطايا” كما تسميها , و أكثر من ذلك , تدعو للدفاع بشراسة , لرفض المشروع , و هي دعوة للتمرد من أستاذ جامعي , المفروض أن يزن كلماته , لماذا لا ترى في هذه الامازيغية , ثراء و تنوعا , وعامل وحدة و تماسك وطني , لو تمسك بها كل الجزائريين لميزتنا عن غيرنا , وجمعتنا مع الجوار , لماذا لا نرى فيها عامل تلاحم و تآزر , لماذا لا نجيد البناء و نجيد الهدم ، و ندمر أنفسنا و ونتلذذ كالمازوخيين.


10) اعتبر الدكتور التصويت على هذه الوثيقة كطعنة خنجر في جسد البلد, وخطوة إلى تكريس التقسيم و قد نبه –وفقه- إلى خطورة ذلك في مقترحاته للجنة للصياغة.


الم تنتبه أنت إلى خطورة إنكارك لي , و إنكارك لوجودي و لوجود لساني ( لغتي) وهويتي , الم تنتبه انه لو اتخذت انا موقفا منك و من لغتك مثل موقفك منيي و من لغتي ماذا يحدث و إلى أين نصل , أم أن اعتبارك لنفسك كثرة , و الآخرون شراذم , يعطيك الحق لتدوس عليهم , و على حقهم في لغتهم , وهويتهم و يعطيك الحق أن تفرض عليهم لغتك أن كانت لغتك , ليس هكذا تبنى الأمم يا دكتور حتى لا استبدل بعض الحروف في ” الكلمة ” الأخيرة .
ضع نفسك في مكانك و مقامك ، واحترم الأخر , يحترمك , لا نبني الدول بالشتم و السب و التسفيه و هو الأسهل ، لكن إنما الأمم أخلاق , إن ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، ونحن على حافة الواد , وليس بأمثالكم تبنى الأمم و للحديث قياس.


محمد الهادي حارش
عين البنيان- الجزائر- : 12- 10 – 2020

تعليق واحد

  1. يكفيه شرف ان ترد عليه …يبدوا ان الاستاذ حارش لا يعرف قيمة نفسه وصار يرد على الكلاب الضالة …. تحياتي لكم سيد حارش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!