أقلام حرة

الاركيولوجيا وعلم اللسانيات الحديثة يحطم خرافة “عروبة الأمازيغ” ويؤكد العكس

منذ عقود والتيار التعريبي في شمال افريقيا يروج لفكرة ان الامازيغية اصلها عربي من اللغة السامية، وأن البونقية هي عربية قديمة (سامية)، كانت لغة الثقافة والدواوين بشمال أفريقيا قبل ظهور الاسلام، ثم خلفتها بعد ذلك العربية الحديثة التي طورها الإسلام، على زعمهم، وهي كلها خرافات ينشرها بعض العروبيين من أمثال رئيس منظمة الدفاع عن العربية السيد عثمان سعدي .

لكن مؤخرا ظهرت دراسات علمية حديثة وضعت حدا لمثل تلك الفرضيات التي كان التعربيون يثيروها في كتبهم على أساس حقاق علمية، و قد اتفق علماء اللسانيات و اللغات ان لغات العالم الى مجموعات لغوية تفرعت منها لغات أخرى لاحقا من اهمها اللغات الافرواسيوية و اللغات الهندواروبية وما يهمنا في موضوعنا هذا هو الافرواسيوية و التي كان يطلق عليها باللغات الحامية السامية بفعل تاثير نظرية شجرة الأنساب التي جاءت في الاصحاح العاشر في التوراة والتي إنتقلت الى كتب المسلمين ثم الغرب في سبعينيات القرن الماضي . اللغات الافرواسياوية هي اللغات التي يجمعها اصل واحد وسميت بذلك لانها تنتشر في شمال افريقيا الى غاية دول الساحل و القرن الافريقي و تنتشر ايضا في غرب اسيا بلاد العراق و الشام و الجزيرة العربية و بلاد فارس و الاكراد ومنهم ايضا اللغة الامازيغية في شمال افريقيا وهذا الحيز الجغرافي جائت منه تسمية اللغات الافرواسياوية او الافراسية وهي اللغة القديمة الام لكل هذا الحيز الجغرافي لهذا تجد كثير من الكلمات ما تزال مشتركة بين اللغات الافرواسياوية الحالية وهو دليل على وجود لغة ام لكل هذه اللغات مثال:

لسان بالعربي

لِشانوم فالأكدي lišānum

لشون بالعبري לשון

بالمصري القديمة نس و بالقبطي لس les

السرياني لشنا ܠܫܢܐ

الأمهرية: ምላስ ملسي و الجمع ልሳናት لساناتي

في التشاديات(ه/خ ليس وم ،لياس )

في الأمازيغية: ⵉⵍⵙ إلس و للجمع ⵉⵍⵙⵉⵡⵏ إلسِيوْن

لهذا التشابه كما تبين في المثال أعلاه استغله التعربيون لإثبات الاصل العربي للأمازيغية لكن العلم أكد شيئ مخالف لذلك الاعتقاد الذي صنه التوجه الديني لتلك الاقلام والتي كانت تعتقد بأن جزيرة العرب والهلال الخصيب هو المكان الذي نزل فيه نوح بسبب وجود جميع الانبياء في تلك المنطقة .

في علم اللسانيات تتفرع اللغات الافراسية الى ستة مجموعات كبرى و كل مجموعة لها تفرعاتها التحتية التي ولدت منها حيث ان اللغة العربية لا تعتبر فرع اصلي للغة الافراسية في حين اللغة الامازيغية (البربرية) هي فرع اصلي  من الفروع الستة المكونة للافراسية القديمة الفروع الاساسية او الاصلية في الافراسية هي:

البربرية (الامازيغية )

التشادية TChadic

الكوشية Cushitic

السامية sémitique ( التي تفرعت منها العبرية و الفينيقية و العربية و العمورية و السبئية و الارامية وغيرهم)

المصرية القديمة égyptien

الامونية omotique

توزيع اللغات الأفروأسياوية

وكمثال  على الاصول القديمة المشتركة للغات السامية لا حظوا التشابه الكبير بين اللغة العربية و اللغة العبرية والتي تنتميان الى ما يسمى اللغات السامية تقارب لغوي كبير رغم ان العرب عرق و قومية لا تنتمي الى القومية الاسرائيلية

و هذا الفروع للغة الام المسمات السامية حامية او الافراسية هو ما اكده احد اكبر الباحثين في اصل اللغات في العالم وهما Vladimir Orel و Olga Stolbovaحيث اكذا ذلك التقسيم في كتابهما Hamito-Semitic Etymological Dictionary

ماهو اصل اللغة الافراسية هل هو افريقيا ام اسيا؟

تجدر الاشارة الى أن اللغة الافراسية لها لغة اقدم منها تسمة البروتو افراسية حسب كبار علماء اللسانيات، في الوقت الحالي تم ترشيح اصل اللغة الافراسية في افريقيا وهذا بعد ظهور معطيات علمية انتربولوجية واركيلوجية وجينية جديدة بينت ان الاثار المادية للبشر في افريقيا اقدم بكثير من منطقة اسيا و الجزيرة العربية و قد اكد الاصل الافريقي للغة الافراسية الپروفيسورالكبير الراحل I.M. DiakonoffIgor Mikhaïlovitch Diakonoff وهو باحث و مؤرخ وعالم في اللسانيات القديمة و اعتمدا على اعادة البناء اللغوي الذي اكد ان افريقيا هي الموطن الأول و أصل اللغات الأفروآسيوية، او ما تسمى الافراسية انظر كتاب: 1988. Langues afrasiennes Diakonoff، فحسب Diakonoff فإن الپروتوأفروآسيوية قد نشأت في مكان ما في الصحراء الجنوب شرقية بين جبال التيبستي شمال تشاد و دارفور (و تلك المنطقة جد قريبة من ليبيا و من امازيغ الطوارق في جنوب ليبيا و شمال تشاد وامتداد تاريخي للقبائل الليبية (ما يعني أن لغة الليبو او الامازيغ هي الأقرب للاصل )

اقتباس من كتاب 1988. Langues afrasiennes Diakonoff
صورة توضيحية لمنطقة او جبال تبيستي موطن اللغة الافراسية الاول مشار اليها باللون الاحمر

من جهة اخرى وضح الباحث دياكونوف أن القاموس اللغوي او الكلمات الخاصة باللغة الأفروآسيوية الأم مرتبطة بالثقافة البدائية ما قبل النيوليتية ظهرت منها اللغة السامية الاولى بين 4 الاف الى 5 الاف ق م في بلاد الشام و و رجح الباحث ان اللغة السامية الاولى ا نفصلت على اللغة البربرية الاولة proto- berbere بين فترة 5 الى 6 الاف ق م وكان ذلك في افريقيا ناحية شمال التشاد وجنوب ليبيا حيث مقر الكثير من القبايل الليبية الامازيغية في القديم و قد اشار الباحث دياكونوف ان هذا الافتراق بين اصحاب البربرية الولى و السامية الاولى كان سببه موجة التصحر التي ظهرت في شمال افريقيا خلال نهاية العصر النيوليتي و الذي ادى برحيل بعض البشر الناطقين بالافراسية في شكل البروتو بربرية الى اقصى شمال افريقيا و سواحلها الى غاية جزر الكناري و جنوب اسبانيا وهي المناطق المعتدلة البرودة و اخرون حاملون للبروتو سامية انطلقوا من افريقيا دخلوا الشرق الاوسط ناحية الشام حاملين اللغة السامية الاولى الى تلك المنطقة و التي ولدت لاحقا كل اللغات السامية.

اقتباس من كتاب 1988. Langues afrasiennes Diakonoff صفحة 23

نذكر ان الباحث دياكونوف يشير الى ان البروتو سامية هي التي انفصلت عن اللغة البروتو بربرية اي اللغة الامازيغية القديمية و أن الحضارة البدائية في افريقيا أكثر قدما، من الشام و قد اكد الباحث دياكونوف كما سبق ذكره ان الحضارة البدائية الافريقية هي من انتجت اللغة الافراسية التي ولدت في افريقا وهي اصل وام اللغات السامية في الشام و الجزيرة العربية انتقلت من شرق افريقيا الى المناطق المجاورة للدلتا و سيناء (مصر) ثم دخلت الى الشام و الجزيرة العربية من خلال ظهور السامية الاولى (البروتو سامية) مع مرور الوقت انتجت هذه الاخيرة عدة لغاة تسمى السامية منها العربية و الفينقية ا الكنعانية و العبرية و الارامية وغيرهمحيث اكد دياكونوف ان مئات الكلمات في اللغات السامية و التي لا يمكن احصاءها جميعا الا ان اصلها من اللغة الافراسية التي نشات في افريقيا في بادئ الامر في العصور النيوليتية .

اقتباس من كتاب 1988. Langues afrasiennes Diakonoff صفحة 26

لقد خلص الباحث دياكونوف أن أول المنشقين عن الأصل الافراسية في افريقيا هم متكلمي المصرية القديمة الذين هاجروا الى الشمال حوالي 8000 قبل الميلاد و تُبعوا بالمتحدثين بالپروتوشادية Proto-Chadic الذين هاجروا نحو الجنوب، اما الأمونتيونOmotic المتكلمين للأمونتية فقد هاجروا الى الجنوب الشرقي حوالي الالف السابع قبل الميلاد وهذا يعني ان ظهور اللغات الافراسية في افريقيا اقدم بكثير من طهور السامية الاولى التي اشرنا انها ظهرت حوالي 4 الاف ق م وقد بين دياكونوف ان اللغة البروتوتشادية كمثال عن فرع مهم من فروع اللغة الافراسية اقدم بكثير من اللغة السامية الاولى .

اقتباس من كتاب 1988. Langues afrasiennes Diakonoff صفحة 24

على هذا الاساس نقول ان غالبية الفرضيات و النظريات عن اصل اللغات الافراسية و الفئة العظمى منها تتبع كون افريقيا هي حاضن هذه اللغة و موطنها الأصلي وان اللغات السامية الاولى هم منفصلين عن اللغة البربرية الاولى كما ذكره الباحث دياكونوف.

الخريطة:MAP 3b تمثل انتشار الافروآسيوية من افريقيا حسب:البروفيسور Diakonoff

من جهة اخرى بعد اطروحة Diakonoff هناك بحث مهم من كبار علماء اللغات القديمة و هي اطروحة كل من الباحثين OREL AND STOLBOVA وضع كل من Vladimir Orel و Olga Stolbova هم الآخران نظريتهما في كون افريقيا هي الموطن الاصلي للغة الافروآسيوية كما اكده دياكونوف و قد وجدوا انه يوجد انقسام لشطرين او مجموعتين الاول “Cushmotic” التي تشمل الكوشية و الاومونية و الآخرين و الانقسام الثاني بين المصرية القديمة و التشادية في جهة و السامية و الامازيغية في جهة أخرى.

الخريطة MAP 3c تمثل انتشار الافروآسيوية من افريقيا الى باقي المناطق منها منطقة الشام حسب: كل من Orel وStolbova

يضاف الى ماسبق ذكره اطروحة ثالثة للپروفيسور المؤرخ و اللساني الكبير Christopher Ehret يرى بأن اللغة الأم للغات الافروآسيوية قد وجدت في مكان ما بين ايريتيريا الى جنوب مصر.

الخريطة MAP 3d تمثل انتشار الافروآسيوية من افريقيا حسب البرفيسيور Christopher Ehret “The Origins of Afroasiatic”

لم يعد اليوم مكان للفرضيات التي اطلقها التيار التعريبي في المجال العلمي ، فحسب اخر الاكتشافات الجينية و الانتربولوجية و التي اكدت ان اول من سكن منطقة الشام و الجزيرة العربية هم افراد و مجموعات بشرية حاملة لتحورات جينية شمال افريقية الاصل وهما نحن نتكلم عن الحضارة البدائية الاولى في الشام وهم النطوفيين هؤلاء الذين يعتقد انهم اول من حمل اللغة الافراسية الاولى (PROTO-AFRASIC) الى الشام و الجزيرة العربية.

 منهم النطفيون (The Natufians):


الدراسات الجينية في الاردن وفلسطين على رفات الانسان النطوفي اظهرت انهم يحملون الجينات من السلالة E-Z830 التي تنحدر من السلالة اشمال غرب افريقية الام E-Z827 التي تنحدر من السلالة EM35  افريقية المنشا 
تاريخيا وحسب علم الانتربولوجيا والاركيولوجيا النطوفيين هاجروا من بلاد المغرب الامازيغي  الكبير في عصور قديمة في العهد النيوليتي والهوليسيني وهم اول من سكن الهلال الخصيب وهم أول فلاحي و مزارعي بلاد الهلال الخصيب و أجداد الشعوب السامية (الأصلية) ظهروا في الفترة الهولوسينية أي حوالي 10ألف سنة  الى حدود 12 الف سنة قبل الميلاد بمنطقة الهلال الخصيب الغربية (الشام و أجزاء من سيناء) ، كانو أول من مارس الفلاحة و الزراعة المبكرة في عموم الشرق الأوسط و أول من قام بتدجين الحيوانات و صناعة الفخاريات و الأدوات المرتبطة بالقطاع الزراعي و الرعوي.و ينحدر منهم مباشرة مزارعو و فلاحوا الفترة النيوليثية (العصر الحجري الحديث) و كذا حرفيوا العصر النحاسي في الشام و بلاد الرافدين (الثقافة الغاسولية و الثقافة الهارفية الخ). اللذين وافقو ظهور أولى حضارات الشرق الأوسط أبتداءا من الحضارة السومرية و البابلية و الاكادية و الأمورية الخ وهم اغلبهم ناطقين بما يسمى اللغات السامية القديمة (رابط مصدر الدراسة هنا)


اصول النطوفيين حسب التحاليل الجينية :

من ناحية بحوث فحص الحمض النووي فقد ظهرت دراسة جديدة مؤخرا ، عبر نشر نتائج التحاليل من رفات فلاحي الشام تعود للحقبة الهولوسينية و النيوليثيكية و البرونزية من الأردن و أسرائيل و اللتي أثبت ما ذكر سلفا ، حيث تبين أن النوطفيين ينتمون للسلالة E1b1b1b2-Z830 وهي سلالة شقيقة للسلالة E1b1b1b2-V257 الأمازيغية
وبقيت  الحضارة النطوفية البدائية مزدهرة وغالبة في الشام حتى حدود العصر البرونزي لتختفي بعذ ذالك  بعد دخول موجات بشرية من ناحية الاناضول و القوقاز و زاغروس جهة ايران من حملة تحورات جينية من السلالة J  و التي اصبحت مهيمنة على المنطقة و الجزيرة العربية حيث تبين  نتائج تحاليل الحمض النووي  للتطوفيين انهم يخنلفون عرقا عن العرب و الساميين الحاليين .

نتائج  الفحص الجيني للنطوفيين (رابط الدراسة هنا)

صورة من مخطط شجرة EM35  من دراسة Trombetta
يبين اللون البنفسجي في الشجرة ان EZ827 وهو اب التحورات الامازيغية من النوع EM81 هما شمال افريقيان بنسبة عالية وليسوا من الشرق الاوسط او الجزيرة العربية

من خلال الاطلاع على هذه المعطيات الجينية يتبين لنا بوضوح صحة المعطيات التي ذكرها الباحثين حول كون اللغات السامية الاولى PROTO SEMITIC قد انفصلت فعلا  عن اللغات البربرية الاولى  PROTO-BERBERE
جينيا ثبت ان اول الساميين او النطوفيين انفصلوا عن اسلاف الامازيغ EZ827 و رحلوا الى الشرق الاوسط و نتج منهم التحور النطوفي EZ830 بينما من بقي من اسلاف الامازيغ في شمال افريقيا نتج منهم التحور الامازيغي EV257 او كما يسمى التحور L19 .

تجدون هذه المخططات والدراسة لفريق (بنيامين طرامبيطا لسنة 2015) على الرابط التالي:

Raffinement phylogéographique et génotypage à grande échelle de l’haplogroupe E du chromosome Y humain fournissent de nouvelles informations sur la dispersion des premiers pasteurs sur le continent africain 

من الناحية الاركيولوجية

نبه الباحث Loosdrecht 2018 في هذه الدراسة مستندا الى دراسات اركيولوجية قائلا ان التقنيات والمعدات المستخدمة من قبل الايبرومورزيين المغاربة وجدت بأعمار أكبر من نظيراتها في شمال شرق افريقيا (مصر) او تلك المستخدمة من قبل النطوفيين الساكنين الاوائل للشرق الاوسط ( الشام)مما يجعل انسان تافوغلت  المكتشف في المغرب الاقصى وعمره حوالي 15 الف سنة سلف  جينومي محتمل لاسلاف النطوفيين (الشرق الاوسط) و هذا بسبب وجود نسبة من جينومات افريقية في انسان تافوغلت وانعدانها عند رفاة النطوفيين اقترحت الدراسة ان التحور التافوغالت هو مركزه المغرب الكبير مع الاعتقاد ان انفصال النطوفيين من التحور EM78 عن انسان تافوغلت المغاربي حدث في زمن قبل ان يختلط التافوغلتيين مع شعوب جنوب الصحراء.

كما تلاحظون من خلال الادلة الجينية و الانتربلوجية و الاركيلوجية و علم اللغات كلها تاكد ان اللغات السامية  الاولى اصلها من افريقيا و انفصلت عن اللغة الابربرية الاولى PROTO- BEBRBERE وأن فرع العربية السامية ابن الأصل الافراسية ومنها البربرية او الامازيغية أي أن اللغات السامية ومنهم العربية هم أبناء البربرية هذه اللغة التي ما تزال تحافظ على ميزات اول واقدم لغة افراسية كما بيناه سابقا و يجوز علميا القول انها اصل للسامية و العربية وليس العكس كما يدعي اصحاب خرافة “العربية اصل اللغات” انطلاقا من التدليس على القراء بوجود كلمات متشابهة بين العربية و بعض لغات العالم و الجواب على ذلك ان كل تشابه وجد فاصله افريقي من الافراسية و انتقل الى الشرق و ليس العكس كأما يقول البعض من المدلسين على التاريخ بالقول ان اللغة الظفارية في اليمن هو من جلب اللغة الى الامازيغ في شمال افريقيا.

إعداد فريق حريش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!