أقلام حرة

الأمير عبد القادر وحرب الرموز… لا تكن رمادا يا سي آيت حمودة


    هل بدأت حرب الرموز أم هي مجرد شعبوية معهودة يلعب عليها السيد آيت حمودة غير مقدر لامتداداتها. من يقف وراء هذا التدمير المنظم؟ ما الغرض من وراء ذلك؟ أن تدمر أمة رموزها التاريخية، فهي تقوم بتعرية جسدها للمنتهكين وفرسان المحو والقتل الرمزي. من حق السيد آيت حمودة أن يفكر كما يشاء، لكن عليه على الأقل، وهذا من اخلاقيات المعرفة، أن يعرف موضوعه جيدا إذا أراد أن يمارس نقدا، أو يترك ذلك للمفكرين والأدباء والمؤرخين، لأن حبل الشعبوية قصير، ويظهر بسرعة عجزها ومرضها الدفين. هناك أخطاء فادحة تظهر جهل الرجل بشكل لا يمكن المرور عليه مرور الكرام دون الاحساس بالذنب والاشترك في التجهيل:


أولا، القصر الذي تحدث عنه آيت حمودة اسمه “قصر أمبواز” وليس “أمبرواز” كما كرره آيت حمودة العديد من المرات مما ينم عن جهل لغوي حقيقي، مبني على ثقافة سماعية لا تنتج معرفة أو تأملا نقديا حقيقيا.
ثانيا: الصورة التي قال عنها إنها لزوجة الأمير وهي منحنية أمام نابليون3 بإذلال، وعلق عليها طويلا بجهل كلي، هي أولا لوحة وليست صورة، والفرق شاسع. وهي للرسام الفرنسي: تسيي أونج Tissier Ange، رسمها الفنان (الاستعماري طبعا) عشر سنوات بعد لقاء الأمير بنابليون الثالث. المرأة التي تظهر في اللوحة هي لالة زهرة، أم الأمير عبد القادر، منحنية الظهر بسبب كبر سنها، وتشكر نابليون الثالث على ما قام به من تحريرهم. فقد حارب برلمانا بكامله ظل يتهم الأمير بمختلف الجرائم. وقد زاره شخصيا في امبواز ليخبره لأنه اصبح حرا. طبعا دون أن ننسى الرؤية الكولونيالية التي تجير الفن لإيديولوجيتها، يا سي آيت حمودة. هناك جهل بالفن، وجهة أكبر بالمنظومة الاجتماعية والدينية. هل يعقل ان يقدم الأمير زوجته لنابليون الثالث؟ جهل كلي بثقافة الأمير التي تمنعه من ذلك.


ثالثا: موقف الامير من المسيحيين في الشام نابع من إنسانيته. وسبق ان فعل ذلك بإطلاق 100 سجين استحابة لقس الجزائر مونسينيور ديبوش. لنا أن نتخيل رجلا واحدا بحصانه و بندقيته، وحفنة من انصاره، يدخل المعركة، وينقذ أكثر من 15 الف مسيحي من موت مؤكد. يقول السيد آيت حمودة “إن الامير دافع عن المسيحيين في الشام وأطلقهم علينا في الجزائر.” في أي عصر نحن؟ حالة قصوى من الجهل. حرب الجزائر استعمارية كولونيالية بالدرجة الأولى، ولم تكن أبدا دينية. رؤية الأمير في القرن التاسع عشر كانت أكثر تقدما من رؤية آيت حمودة وأشباهه، التي لا شيء يبررها إلا عقلية المحو والوهم والجهل المركب والشعبوية المقيتة. وقد حياه وشكره قادة العالم وقتها، وباركوا إنسانيته التي رفعته درجات. بل أعطى الصورة المثالية للمسلم الذي يدافع عن الحق بغض النظر عن الدين. وإلا على السيد آيت حمودة أن يخرج مايو، وموريس أودان، وإيفتون، وحملة الحقائب، وفرانز فانون، وفاطمة آيت عمروش وأبناءها من الكتاب والفنانين، وغيرهم، ويعدمهم في الساحات العامة بوصفهم مسيحيين ناصروا الثورة والكثير منهم استشهد دفاعا عنها.


ثالثا: الأمير يا سيد حمودة دافع عن الجزائر 17 سنة وليس 15. سنتتان من النار والعذاب ليستا رقما ثانويا. هل في التاريخ من “خائن” استمات على الوطن حتى النهاية، وعاني المنافي والسجون؟ بل مات منفيا حزينة أولا رفقة الشيخ الاكبر ابن عربي الرمزية. حفيده عبد القادر الصغير الذي لا يعرفه أغلب المؤرخين، استشهد وهو يدافع عن مجد جده في ساحة المعارك العربية في بلاد الشام، ضد الاستعمار الإنجليزي/الفرنسي، دفاعا عن الحق العربي، وعن دمشق التي آوت جده؟ من قتل الامير الصغير؟ لورانس العرب، الجاسوس العسكري الإنجليزي. وفي بداية القرن العشرين استشهد أحد أبنائه وشنق في ساحة المرجة في دمشق وهو يدافع عن الحق العربي أمام الطغيان العثماني، برفقة رفاقه الذين واجهوا بصدور مفتوحة جمال باشا السفاح في دمشق وبيروت. لنا ان ننتقد الامير في بعض خطائه خياراته واستراتيجياته وقد فعلت ذلك في ” كتاب الامير” وتسبب ذلك في خلاف مع حفيدته الاميرة بديعة التي ترى في الأمير ميراثا عائليا مقدسا ونست أن التحنيط هو أخطر وسيلة القتل. أخطاء الأمير هي حسابات رجل عظيم.


رابعا: قضية المقراني والأمير. وصل الجهل إلى سقفه حينما يقول السيد آيت حمودة إن الأمير رفض مساعدة المقراني الذي طلب منه أن يشترك معه في المعركة ضد الفرنسيين. الأمير أوقف الحرب في نهاية ديسمبر 1847، بينما انتفاضة الشيخ المقراني لم تبدأ إلا في 1871؟ هل يعقل؟ كان الأمير وقتها تحت الرقابة الجبرية الفرنسية في اسطنبول وبعدها في دمشق، بعد سجن خمس سنوات في فرنسا؟


خامسا: نصل إلى قضية الاستسلام. لا أريد أن أذكرك بقصة نابليون بوناپارت، فقد استسلم للإنجليز في 1815 بعد أن نفذت وسائل دفاعه. ونقل إلى منفاه في صخرة سانت هيلين. لم يقل فرنسي واحد أنه خائن او حبات. قضية الأمير، لو كلفت نفسك بقليل من البحث لحصلت على الإجابة التي يتفق حولها الصديق والعدو. اتفاقية طنجة حولت الأمير إلى عدو لملك المغرب مولاي عبد الرحمن الذي سمح لجزء من دائرة الأمير بان تستقر في الحدود. وقد أختلط الدم المغربي والجزائري التي دفع فيها المغرب ثمنا غاليا في معركة إيسلي بسبب موقفه العظيم مع المقاومة الجزائرية. لكن بفعل الاتفاقية أصبح الأمير عبد القادر مطاردا من الجيش الفرنسي، وجيش مولاي عبد الرحمن وأبنائه. المعركة الأخيرة التي خاضها الأمير لينقذ دائرته من هلاك أكيد، كلفته الكثير من خيالته، لكنه وصل إلى وادي الملوية بحوالي 200 فارس. في المنطقة المحايدة: بني زناسن، تناقش الأمير مع ما تبقى من جشيه وقادته إما مواصلة الحرب والنفاذ من الربابيز والذهاب نحو الصحراء، وسيكون الثمن الدائرة بكاملها التي تشمل عائلات العساكر والقادة والشهداء، أو الدخول في مفاوضات مع لاموريسيير والدوق دومال ابن الملك، حاكم الجزائر. وذلك ما حدث وكان من الشروط أن لا تمس الدائرة التي دخلت إلى الأراضي الجزائرية بأمان. وعدم متابعة قادته ممن اختاروا البقاء في الجزائر، والسماح له ولمجموعته الوفية بالذهاب إلى الاسكندرية أو عكا، أو دمشق، أو القسطنطية. طبعا اقتيد الأمير إلى تولون الفرنسية وهناك عانى الأمرين في لامالغ من البرد والجوع وقد توفي الكثير من الصغار والنساء. ثم مدينة پو، وأخيرا في “قصر” أمبواز الذي ظلت نوافذه مغلقة. وهناك مقبرة في القصر شاهد حي على أثر موت المنافي والظلم.


    رجاء أخير. اتركوا الأموات يرتاحون. لا الأمير باع أرضه، ولا ماسينيسا خان نوميديا، ولا سيفاكس اختار قرطاج ليقاتل ماسينيسا، كلهم سماد هذه الأرض وتاريخها العظيم. كان الأولى بك يا سيد آيت حودة أن توجه يعلمك لسلطة رثّة الفكر والمرامي، وعصابة تبيع ذهب البلاد في السكوار وأسواق التهريب، معادية لتاريخها ولنماذجها، تقبل بأن يحول البيت الذي نام فيه الأمير عبد القادر في الغزوات، إلى مقهى عام . ومقبرة شهداء معركة الزمالة، عاصمة الأمير المتنقلة، إلى أرض ممسوحة من أية علامة. وتصمت على تهريب التماثيل النوميدية ومنها تمثال ماسينيسا نحو متاحف الجيران ووراء البحار. وتتيح لرمال الجهل بأن تتمدد أكثر نحو أشجار الحياة والمعرفة.

 
    تحطيم الرموز يحول البلاد إلى أرض محروقة، بالضبط كما فعل دوميشيل عندما عاد إلى الجزائر حاكما وأحرق كل شيء وقف في طريقه. وكان عميروش ورفاقه من الشهداء العظام، يعرفون ذلك جيدا، لذلك لم يترددوا ثانية واحدة بأن منحوا أنفسهم للنار، التي كثيرا ما تنجب الرماد الذي تذروه الرياح بسرعة.
فلا تكن رمادا يا سي آيت حمودة.

تعليق واحد

  1. ياسي واسيني عندك شيء من الحمية فأنت اذيب لست بمؤرخ والتاريخ ليس فيه في الحقيقة محابات انه فقط تاريخ،،، التاريح افعال وحقاءق و وقائع ليست محتاجة الى تأويل الى اشخاص ذو حمية الى جهة معينة،،،،،،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!