الأكاديمية البربرية بين الحقيقة والتزييف .
محند أعراب بسعود القبائلي … ، كثيرون مناّ لا يعرفه ، وإن عرفوه فمعرفتهم مقصورة على ما كتبه أعداؤه المقرونة ( بجاك بنيت) اليهودي أو ( بالراية الأمازيغية ) الموشح وسطه بحرف ( أزا) التيفناغي المحفور في الذاكرة الجمعية لأمة الأمازيغ أو بتأسيسه لما سمي بالأكاديمية البربرية .
هذا الرجل الشامخ شموخ (جرجرة) و( الشليا ) و(الشلعلع ) ، الناظر إلينا من علياء إسكريم ، هذا الذي جاهد جهادين أصغر وأكبر ، مؤسس (أقراو إيمازغن ) المشهورة بالأكاديمية البربرية تفاؤلا ، وصاحبُ مؤلفات هي:
1 ( سعداءٌ هم الشهداء الذين لم يروا شيئا ) 1963،
2 ( الأففاس الأمل والخيانة) 1966،
3 (الهُوية المؤقتة رواية في 1977 )،
4 ( صفحات من تاريختا القديم والمعاصر ) ،وأخيرا تاريخ الأكاديمية البربرية 2000 .
ماض مجيد وجهاد أصغر تليد .
رضع الثورة من لبوءة جرجرة ، مدرسٌ متميز في إواضيين ، حسُّ وطني مبكر في حزب الشعب ، وانضمام للثورة منذ اندلاعها ، عضو بارز في الجبهة والجيش التحريرين ،مسؤول الإتصال بالولاية الثالثة تحت أمرة كريم بلقاسم ،عينه العقيد ( سي ناصر) كضابط في الولاية الرابعة ، رقاه (العقيد بوقرة ) قبطانا ، غادر الولاية الرابعة قائدا لجيش من 200 مجاهد لجلب السلاح من المغرب ، عُين بعد الإستقلال مباشرة عاملا لعمالة مغنية بالغرب الجزائري ، المهمة التي لم يتقلدها أبدا بسبب زحف جيش الحدود لابتلاع الحكم في الجزائر ، إنه زحف [ جماعة وجدة تلمسان] الجماعة الذين استولوا على السلطة بالقوة إلى الآن .
نضال مستمر …
ثقافة بسعود ونضاله السبق في الثورة ، وسجنه من طرف جماعة الحدود ، وكثافة إحساسه بالغبن الهوياتي ، وسذاجة أحمد بن بلة وهو عائدٌ من القاهرة مُقسمٌ ثلاثا أمام الجمهرة بأن الجزائر (عربية )، (عربية ) ، (عربية ).
إنه شحن ناصري مركز تولد عنه ميلاد جمهورية الجزائر العربية ، …. وليذهب الباقي إلى الجحيم .
عاش إرهاصات الإستقلال وميلاد دكتاتورية النظام ، انخرط في المعارضة مع حزب الأففاس FFS ، وبعد إفشال التمرد المسلح ، أصبح (مسعود محند أعراب) من المطلوبين المتابَعين ، فر إلى المغرب ومنها هاجر إلى فرنسا متخفيا داخل خزانة محمَّلا عقلهُ بذكريات أليمة عن الجزائر المستقلة .
انبعاث ، وبدايات الوعي بالذات .
حل بسعود بفرنسا وهو يحمل هما أكبر منه ، إنه يحمل في جوانحة أمل انبعاث و بعث أمة أمازيغية من الركام المتغير ، وإحياء ذلك الشعور وإذكائه يتطلب تأسيس جمعية تعتني بإحياء تراثنا التاريخي والعلمي والأدبي ، ولن يأتي ذلك إ لا بتثمين لغتنا الأصلية ، فعمل مع أمثاله على تأسيس جمعية [ أجراو أيمازغن ] تُعنى بكل ما يُثري بُعدنا الهوياتي ولو بالإمكانات البسيطة المتوفرة ، كالمناشير، والمقاهي الأدبية الثرية بالفكر والمناقشة ، التي جلبت ليس الجزائريين فحسب بل كل المغاربيين من ليبيا وتونس والمغرب . وأفرز ذلك إحياء مصطلحات تراثية كانت مطموسة (كأزول ) و(ثنميرث ) …..، وكُشف النقاب تدريجيا عن تراث مطموس ، وتاريخ أمازيغي حافل بالأمجاد قليلٌ يعرفه ، و نُفض الغبار عن تقويم أمازيغي أصيل حجّموه بأن جعلوه تقويما فلاحيا ، و خط تيفيناعي محلي لأجدادنا كانت لوحاته محفوظة في بعض متاحف العالم ، ومرسومة في كثير من مواقع الفضاء التمازغاوي الواسع خاصة في المتحف الطبيعي في الأهجار الذي كان في العصور القديمة جنات خضر، ترجم فيه أجدادنا انفعالاتهم الوجدانية والفنية في رسومات رائعة مدوّنة على الصخر ، هي حاليا عرضة للسرقة من طرف السُّياح الأجانب الذين يعرفون قيمتها المادية والمعنوية ، أو تشويهها من ذوي النفوس المريضة ، هذا الإحياء خلق وعيا ناميا عند الشباب المتطلع و أحسوا بنوع من الإعتزاز والفخر وشعروا بأن أيادي اديولوجية كانت تحرفُ تاريخهم و تُفرغ جهد أجدادهم من مضامينه لتجعله مكسبا لغيرهم .
.
الوعي بالذات والإحساس بالظلم .
الإحساس الهوياتي والشعور بالإختلاف يُولد من ( رحم التمييز) في دنيا الواقع ، وكلما زادت ثقافة المرء واطلاعه إلا وتأكد يقينا بأن أدوارا قد لٌعبت عبر التاريخ لطمس هويتنا من طرف الوافدين .
الشعور بهذا العبء متباين عند طبقات المجتمع الجزائري ، فمنهم من يرى بأن الأمازيغي أصبح عربيا بحكم اللغة العربية التي يتكلمها ، ومنهم من يعتقد أن تكون مسلما يجب أن تكون عربيا ، فالأرشيف الفرنسي غالبا ما يطلق على الأهالي الجزائريين وصف ( العرب )، فبسعود محند أعراب عايش أزمة الهوية 1949 وأدرك مدى انحراف الثورة في معاداتها لهذا البعد ، وعاصر التجاوزات ضد الهوية المحلية زمن حكم الرئيس بن بلة وصنوه بومدين اللذان كانا صورة نمطية لجمال عبد الناصر ، وما رافق ذلك من حرب قذرة ضد الأففاس في 1963 التي كان بسعود مقاوما فيها إلى أن هاجر الى فرنسا في 1965 حاملا معه همه الذي لم يقدر على تحقيقه في وطنه وبين أهاليه .
تأسيس جمعية ثقافية مسعى مليء بالعقبات ..
دول شمال افريقيا الحديثة التي خرجت من الجور الإستعماري ، هي ذاتها تحولت إلى ما يشبه الإستعمار ، (فلم يتغير من السيف سوى يد ماسكه ) ، فهي ذاتها تبنت (النموذج اليعقوبي ) الطارد لكل تنوع لغوي بدعوى التوحيد . فاللإسلام يثمن التنوع ولا يلغيه ، و المطالبة بالهوية الأمازيعية في نظر هذه الدول مشتت للوحدة الوطنية ، وهو فتنة يجب محاربتها بكل الوسائل ، لهذا تعرضت بدايات تأسيس (أقراو ايمازيغن ) لمضايقات شتى . من ( الإدارة الفرنسية )، ومن( ودادية الجزائريين بفرنسا) ـ و(من المخزن المغربي ) ومن ( الأحزاب الشيوعية ) . فالطريق وإن كان مشروعا فهو مليء بالعقبات والمناورات والخيانات .
بدأ النشاط عاديا بلقاءات ، تبادل وجهات نظر ، نقاشات على مستوى المقاهي الأدبية ، منشورات .
( اختلافات الرأى ) ، و ( العوز الثقافي) عائقان كبيران في مسيرة التأسيس ، وأولى العقبات هي أن الهوية مبهمة في وسط المغتربين ، ووقعت مناظرات قيمة بشأن الخط الذي تكتب به الأمازيغية بحرف بالتيفناغ حسب بسعود ، أو بالخط اللاتيني حسب مولود معمري ، وانتصر رأي الأخير في الأخير .
بسعود محند أعراب أصبح على رأس المطلوبين ، تتابعه نشاطه المخابرات ( الجزائرية) و(المغربية ) و(الفرنسية) وتشوش عليه ( جماعة العربو إسلامي ) و(الأخزاب الشيوعية ) ، باختراق النضال بمناضلين يفشلون المساعي الحميدة ، فالصعوبات الإدراية التي رافقت التأسيس ذللها صديق بسعود ( جاك بنيت ) فهما على هوى واحد .
بسعود …. جاك بنيت أي علاقة ؟
صدق من قال ، من جهل شيئا عاداه ، أن يقتبس المغرضون نصا من كتاب ( تاريخ الأكاديمية البربرية ) لمحند أعراب بسعود يثني فيه على جهود (جاك بنيت) لما قدمه من عون إدراي في تذليل مشاق التأسيس ، أو تصريحات سي الحفيظ ، سلاحا يقولون فيه بأن الأكاديمية والعلم إنتاج يهودي ، ولمعرفة الحقيقة عُدنا الى كتاب :
Jacques Bénet Mohand Arav Bessaoud, histoire d’une amitié”, écrit par Marc هذا الكتاب ألفه (مارك بينيت ) إبن ( جاك بينيت ) ، وضّح فيه مسار الصداقة بين الرجلين .
(فجاك بينيت ) من مقاطعة بروتون الفرنسية ، وهو من الأرجل السوداء ، تقلد مناصب إدارية رفيعة ، منفتح على اللغات يتقن اللاتينة ، والإيطالية والأنجليزية والإغريقية، ومدافع عن اللغات المظلومة كالباسكية ، والهونغارية ، والأمازيغية ، هاته الأخيرة التي تعلمها أثناء حرب الجزائر على يد الألسني الفرنسي[ أندري باسي André Basset ] راسل السلطات الإدراية الفرنسية سنة 1957 معارضا سياسة فرض تدريس اللغة العربية في المناطق الممزغة ، ويروي صاحب الكتاب أنه وجد في وثائق أبيه مقالا موقعا من طرف طاوس عمروش بعنوان ( ماذا نحن فاعلون باللغة الأمازيغية ؟) نُشر ضمن وثائق شمال إفريقيا بتاريخ :17 ديسمير 1956 ، وهو ما يعني أن الرجل له ماض في معرفة الجزائر وتاريخها ، ولا شك في أن لقاء الرجلين لأول مرة في 1965، مبعثه ثقافي فكلاهما مولع بالتاريخ الشمال الإفريقي القديم ، فقد تناظرا بشأن إلإنسان القبصي ، والموريسي ، وقضايا الهوية الأصلية ، والممالك الأمازيغية الكبرى كالمرابطية والموحدية . ….
تأسيس (اقراو ايمازغن ) أو ما سُمي بالأكاديمية البربرية .
لا علاقة لفرنسا الرسمية بتأسيس الأكاديمية البربرية ، ففعاليات وتسنجات التأسيس كانت بين الجزائريين أنفسهم ، فهم أصحاب المشروع وهم من تفاعلوا معه ، فقد قدموا ملف الإعتماد في 10 أوت 1967 بعد اجتماع تم في بيت الطاوس عمروش ، وكان المؤسسون هم : عبد القادر رحماني رئيسا ، خليفاتي محمد أمقران، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، توابا ، أما الكاتب العام فهو أولحبيب جعفر، وأمين المال هو بسعود محمد أعراب .
وبعد إنهاء مهمة إعداد الوثائق والتـأسيس ، عندها كانت الحاجة لمساعدة (جاك بنيت ) كمذلل للصعوبات الإدارية لتحقيق الحلم وقَبول الإعتماد من وزارة الداخلية الفرنسية ،حسب ما يقوله صاحب الكتاب .
نهاية تراجيدية لأكاديمية الأمازيغ .
صفارات إنذار اطلقتها انظمة الحكم في الجزائر والمغرب ، ضغط دبلوماسي واستخبراتي لإيقاف مسار دينامية الأكاديمية ، واستطاعت الجزائرالبومدينية فرض رأيها على فرنسا ولا ندري بأي ثمن ؟ بحل هذه الجمعية ومصادرة أملاكها ووثائقها، والقبض على ( بسعود) وسجنه بتهم واهية مدبرة ، لعب صديقه ( جاك بنيت ) دورا مهما في الدفاع عنه وتهجيره إلى أسبانيا أولا ، ثم نحو بريطانيا بعد قبول طلب اللجوء السياسي إليها سنة 1980 . وعاد الى الجزائر بعد 32 سنة من الغربة بوساطات من جمعيات ثقافية وكأنه مجرم حرب ؟ ثم عاد إلى بريطانيا للعلاج حيت توفي في1جانفي 2002 .
لماذا الخوف من الراية الأمازيغية ؟.
الراية الأمازيغية أعدها محند أعراب بسعود ، ورفعت لأول مرة في مظاهرات الربيع الأمازيغي 1980 ، ولا علاقة للراية (بجاك بنيت )كما يتوهم البعض ، فانتاج علم لا يحتاج سوى ورقة وقلم ، فهي نتاج لسنوات القهر والإستهتار بكل ما هو محلي أصيل ، منع مُركّز لتسجيل الأسماء الأمازيغية ، تحجيم للأغنية القبائلية كما حدث في منعها في عقر دارها في ( لربعا ناث ايراثن) بمناسبة عيد الكرز جوان 1974، واستبدال تسمية شبيية القبائل باسم الكترونيك تيزي وزو ، مائنا من المشاركين في دورية ( أقارو أومازيغ ) رهن التحقيق والحبس ، وهو ما خلق جوا من التوتر بين منطقة القبائل توّج بأحداث الربيع الأمازيغي 1980.
فالراية الأمازيغية راية هوايتية لا علاقة لها بالسياسة ، فهي بألوان الجغرافية يتوسطها واحد من حروف التفيناغ ، يمكنها أن ترافق العلم الوطني الجزائر ي بالطريقة التي تفعلها فرنسا مع علم الإتحاد الأروبي ، فالدول المغاربية كلها أمازيغية في أصولها و[هي راية وحدة وليس انفصال] باعتبارها قربت مابين الأشقاء في كل الفضاء الشمال إفريقي .فقد تبنى الكنغرس العالمي الأمازيغي علم بسعود في مؤتمر تافيرا بلاس بالماس الكناري سنة 1997 ، وأصبح رمزا لكل أمازيغي العالم ، وتفاجأ الكنجرس بوفاة واضعه سنة 2002 فوجه رسالة نعي مبرزا جهوده الكبرى في انبعاث الوعي الأمازيغي في كل العالم .
خلاصة القول
مهما حاول الخصوم تشويه صورة المجاهد [ بسعود محند أعراب ] فإنهم لن يقدروا ، لأنه ناضل بإخلاص على حق مشروع ، فهو رجل صغير حمل هما كبيرا ، لم يمت حتى شاهد ما كان يطمحهُ ماثلا أمامه ، من توطين اللغة وترسيمها ، فالشعور ، حاليا تعمق فأصبحت لغتنا تدرس في المدارس المغاربية كلها ، وعلمه الإثني يُرفرف في كل سماء تامزغا الكبرى ، صدق العربي بن مهيدي الذي قال أرموا بالثورة للشارع فيحتضنها ، فهو حررنا مرتين ، مرة من الإستعمار الفرنسي كمجاهد ، ومرة أخرى بنضاله في إحياء أثالة الأمازيغ ورموزهم وشعورهم بإنيتهم عبر سلسلة من التضحيات.
بقلم الأستاذ الطيب أيت حمودة