قصص أمازيغية

أسطورة حمام الدباغ ( المسخوطين )

__ تشرق الشمس و ترسل أشعتها لتطارد فلول الظلام المشردة , و تبعث بخيوطها على البساتين , و الهواء النقي يغزو الأجواء و الطبيعة تلقي بجمالها في لوحة رائعة كلها اخضرار واسع يمتد مد البصر معانقا الأفق , على هذه الأرض الشاسعة شرق الجزائر , كان الجو ملائما للقيام برحلات صيد في تلك الغابات الكثيفة بغية اقتناص الحيوانات البرية التي تعيش في ظلالها . و من بين أشجار الصنوبر و الفلين , انطلق فارس على حصانه شاقا طريقه نحو الغابة في رحلة صيد , كان يبدو على هذا الفارس ملامح القوة و البأس الشديد , زد الى ذلك وسامته التي جعلته محل اعجاب كل فتاة في قبيلته كيف لا و هو الفارس المميز و المتفوق الذي لا يرد له طب , كما أنه محل ثقة و تقدير وسط أعيان القبيلة , لكن للأسف كثيرون هم الذين يخفون وجوههم الحقيقية البشعة وراء أقنعة براقة جميلة .

 __ غابت الشمس على استحياء مودعة الأفق الجميل , عاد آرزيغ و هو يسابق البرق على غير عادته حاملا فريسته على ضهر حصانه متجها نحو مقر شيخ القبيلة و عند وصوله نزل من على حصانه و أنزل طريدته , كان غزالا فائق الجمال اتجه بخطوات واثقة كان الواضح من ورائها أمرا لا تحمد عقباه . دخل غرفة المستشار و خاطبه بلهجة حادة:

_ أريد شيخ القبيلة فورا ..                                       

  ان من النادر مقابلة شيخ القبيلة في هذا الوقت المتأخر لكن مكانة آرزيغ و شأنه جعتله يحظى بغايته بسهولة دون انتظار فأمر شيخ القبيلة بأن يسمحوا له بالمرور في الحين , دخل آرزيغ مبتسما و كأنه يبتسم للشياطين و ألقى بطريدته أمام شيخ القبيلة , نظر شيخ القبيلة الى الهدية متعجبا و أدرك بعدها أن وراء هذه الفريسة طلب ما …….

_ ما سبب قدومك في هذا الوقت يا أرزيغ ؟ ..و لم العجلة لمقابلتي ؟

 وقف آرزيغ متجمدا في مكانه .. ثم أجابه بعد لحظات من الصمت بنبرة قاسية :(( جئت لأحطم الأعراف ))

كانت هذه الجملة كافية لقيام الشيخ من مكانه متفاجئا مما سمعه .. ثم التفت الى مستشاره و قال له حانقا :

   _ دعنا وحدنا .. و لا تسمح لأحد بالدخول .

 انصرف المستشار طائعا أوامر سيده , و تقدم شيخ القبيلة نحو آرزيغ بخطوات متثاقلة و أمسكه من كتفه بيدين مرتجفتين  ظاغطا عليه بعنف :

_ ماذا تقصد بكلامك يا آرزيغ ..أي أعراف تريد أن تكسر..

  ضجك آرزيغ من ضغطة الشيخ المرتجفة على كتفه معلنا عن غطرسته و قلة أدبه و أجاب:

_ أتيت لأحظى بموافقتك على الزواج من أختي , و أنا على عجلة من أمري , لن أنتظر الاجابة حتى الصباح بل أريدها حالا ..

 عاد الشيخ الى مكانه و علامة الصدمة و الغضب بادية على وجهه نظر الى آرزيغ متحديا و أجابه بالرفض و طرده من مقره بعد أن أخبره بأن القبيلة تعج بالحسنوات الجميلات , بل و عرض عليه مصاهرته , لكن آرزيغ رفض .

 خرج آرزيغ مسرعا غاضبا و اتجه الى بيته و قابل أخته التي كانت تبادله نفس الشعور و اتفقا على خطة سيقوم يتنفيذها فجرا .. و ما أن طلع الصباح حتى خرج آرزيغ ممتطيا جواده يدور بين أهل قبيلته و يصيح معلنا على أن هذه الليلة ستكون ليلة زفافه من أخته  .. و أنه لن يهتم للأقاويل ضاربا بالاعراف و غضب الآلهة  عرض الحائط , و هدد كل من يقف في طريقه , فمن شاء فليتفضل و من رفض فليلزم داره و يطبق فمه . كلامه هذا جعل الناس ينقسمون ما بين مؤيد و معارض , و ما كاد يحل المساء حتى اجتمعت الحشود الكبيرة الرافضة لهذه المهزلة حاملين أمتعتهم تاركين المكان لأنصار العاصي آرزيغ و كان أغلب مؤيديه من المجرمين المنحرفين بل و نصبوه زعيما عليهم .

_ صعد آرزيغ أعلى مكان و أخذ يخطب في أتباعه الجدد معلنا أن حفل الزفاف سيقام في مكان غريب , نظر الحضور الى بعضهم متسائلين و لم تطل حيرتهم حتى أزال عنهم ذلك الغموض قائلا :

_ سيكون مقر عرسي (( حمام الدباغ )) 

هتف له أنصاره فرحين بفكرته , كيف لا و هي فكرة تجمع النساء و الرجال في حمام واحد , انهى آرزيغ كلامه و انصرف منتظرا انتشار الظلام ..

 كان شائعا في بين سكان القبيلة أن مياه هذا الحمام تمنحهم الشفاء , القوة , الجمال ,و لذلك كان يحظى بشعبية كبيرة 

__ دق ناقوس الخطر لاقبال الليل خفقت رايات الظلام معلنة عن جحيم قادم , أخذ أتباع آرزيغ أماكنهم و بدأت الزغاريد و الصياح و أهازيج الحاضرين معلنة بداية الحفل و بدأ الجميع بالرقص و الغناء , و ما هي الا لحظات حتى توسط الفارس الحضور ممسكا يد زوجته ( أخته ) التي سيتزوجها بدافع رغبته القذرة , كانت أصوات المزامير تثقب طبلة الأذن و كان الصخب يعلو المكان في جوف الليل الهادئ , بلغ الفساد مداه حتى صار يبدو أنه احدى طقوس عبدة الشيطان و قد استمر الحفل بتلك الفوضى حتى ساعة متأخرة من الليل .

و في لمحة.. البصر حدث شئ غريب ..

__ توقف العزف هدئت الحركة تماما .. و ساد المكان سكون رهيب فماذا حصل داخل الحمام يا ترى ؟ لا أحد يعلم فالجميع كانوا داخل الحمام ..

 مرت الايام و الشهور و السنين و ذات يوم قرر سكان القبيلة المعارضين فكرة زواج آرزيغ الرجوع الى موطنهم بعد أن بلغهم أنه خال من السكان .. و لما وصلوا كلف كبار القبيلة شابين لتفقد المكان , فوجداه فارغا تماما , فظن الجميع أن آرزيغ المتغطرس قد رحل مع أتباعه الظالين , لكن ظنونهم لم تكن في محلها بعد أن دخل أحد مالكي الحمام السابقين اليه و قرر اعادة تهيئته , كادت الصدمة أن تقضي عليه لهول المنظر أمامه فقد كان منظرا مخيفا و رهيبا .. فقد تحول آرزيغ و أخته  ( زوجته ) و كل الحضور الى تماثيل حجرية منحوتة و متجمدة في الوضع الذي كانو فيه  , فخرج صاحب الحمام فارا مذعورا من هول ما رأى و نشر الخبر بين الناس فعززت هذه الحادثة تمسك أهل القبيلة بأعرافهم , بعد أن اعتقدوا أن ما حل بهم ما هو الا عقاب من الالهة على تصرفاتهم المشينة .

__ و منذ ذلك الحين أصبح حمام الدباغ في قالمة شرقي الجزائر مزارا للآلاف من السياح الأجانب منهم و المحليين و لن يمر أحد  على حمام الدباغ دون استعادة هذه القصة الأسطورية و زيارة هذه التماثيل الحجرية .. يطلق سكان المنطقة على حمام الدباغ اسم (( حمام المسخوطين )) الذين لا زالوا يعتقدون أن الله من أنزل عليهم العقاب و السخط  اولائك الذين كانوا في العرس الفاجر …

ظل الأجداد يلقنون قصة حمام الدباغ للأحفاد جيلا بعد جيل .. و رغم أن كبار السن يجزمون بوقوعها خصوصا و أن التماثيل الحجرية لازالت منصوربة الى يومنا هذا .. الا أننا نقول أنها مجرد أسطورة تحمل ورائها أحد أروع قصص التراث الأمازيغي على مر التاريخ بالرغم من أن رواية القصة تختلف من منطقة لأخرى ..و يبقى حمام المسخوطين رمز أسطوري أمازيغي يمزج بين التاريخ القديم للمدينة و روعة القصة التي حدثت داخله .

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!