إن المتتبع للنقاش والجدل الذي يفتعل حول يناير (رأس السنة الأمازيغية ) عقب حلوله كل سنة، يتجلى له مدى الغموض الذي يحوم حول هذه المناسبة التي مارسها ولازال يمارسها شعب شمال افريقيا منذ زمن موغل في التاريخ يستحيل تحديد بدايتها على الأقل حاليا . فما هو سبب هذا الغموض حول يناير ؟ وهل هو غموض أم سوء فهم أم مجدر توظيف أيديولوجي للفكرة ؟ وما هو الناير وكيف يمكننا فهمه من زاوية علمية و تاريخية ؟ وهل كل ما يروج عن الناير صحيح تاريخيا ؟
إن أفضل وأسهل طريقة لفهم الناير من زاوية علمية وتاريخية هو أن ندرك أنه مركب من ثلاثة عناصر وهي الناير كعيد وتقليد فلاحي قديم ، الناير كميثولوجية (أساطير شعبية ) والناير كإبداع حديث للحركة الأمازيغية . أما الآن فدعونا نتحدث على كل عنصر من العناصر الثلاثة على حدى ونبدأ من العنصر الاول :
1- الناير عيد وتقليد فلاحي :
لكل شعوب العالم تقاليد وأعراف وأعياد تمارسها وتحييها وتتوارثها جيلا بعد جيل ، بعض هذه الأعياد والتقاليد دينية وبعضها فلاحية وبعضها تاريخية … وللأمة الأمازيغية الساكنة في شمال افريقيا منذ آلاف السنين أعيادها كذلك والناير واحد من هذه الأعياد والتقاليد التي ورثوها عن أسلافهم وهو عيد فلاحي ، يمارسه الأمازيغ كل 12 أو 13 أو 14 يناير (حسب المناطق ) وهو علاقة بين الانسان والطبيعة تتم عبر ممارسة بعض الطقوس التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس ورجاء أسباب الخير والسعادة في محصول زراعي وافر للسنة الجديدة التي ستبدأ بعد 12 يناير الذي يعتبر فاصل بين زمنين الأول فيها شتاء قارس وغاضب و”موت الحياة في التربة ” ونفاذ المخزون الغذائي للسنة الماضية والزمن الثاني الجديد و هو بداية الاعتدال وظهور الاخضرار و”الحياة ” في التربة والاستعداد لمباشرة العمل الفلاحي لجني محصول جديد . تختلف الطقوس والعادات التي يتم ممارستها وإحيائها في هذه المناسبة التي تعتبر بداية العام الجديد عند الامازيغ من واحة سيوا بمصر الى غاية جزر الكناري غربا ، لكنه إختلاف شكلي فقط أما من الناحية الأنثروبولوجية فهي نفسها بإعتبرها تشترك في نفس الهدف وهو محاولة ترويض الطبيعة والتماس أسباب الخير والسعادة في محصول زراعي وافر للسنة الجديدة والتعوذ من شبح الجوع والجفاف وكذلك إشتراك كل هذه الطقوس في بعض الواجبات والأحكام التي لا يجب مخالفتها . وهو ما سنراه في بعض هذه الأمثلة :
– في مناطق الشرقية بالاوراس وتونس يتم إحياء هذه المناسبة بالإعداد لأشهى الأطباق التقليدية حيث تحضر الشخشوخة بإستعمال لحم الغنم أو البقر وكذلك طبق إيرشمن وتكثر الأطباق التي تطبخ فيها الحبوب الجافة من قمح وحمص وفول … بعض الأطباق تفرض النساء وتمنع على الرجال ، والنساء ملتزمات في هذا اليوم بتغير الأواني وتجديد الموقد وصباغة الجدران وترقيعها بمادة “ثومليلث” أو “هومليلت” .
– في منطقة القبايل ومنطقة شنوة بتيبازة يتم إعداد طبق بسبعة أنواع من الحبوب يسمى ” سبعا إسوفار ” ويشترط ذبح ديك والذي يوحي انه كان يقدم قديما كقربان ( أسفل) ويشترط على أن يأكل أفراد العائلة حتى يشبعوا جميعا ، فيقال أنه كما وجدك رأس العام سيحل عليك طوال العام بنفس الحال . حتى انه يمنع في ذلك اليوم إعارة الآواني لأنه نذير على الفاقة ، كما يتم نثر بعض حبوب الزرع على زوايا المنزل لتتغذى عليها حشرات المنزل في ذلك اليوم.
– في إقليم الونشريس وغرب الجزائر، إضافة الى ذبح الديك وإعداد الموائد الفاخرة يتم إفراغ كمية كبيرة من الحلوى والمكسرات على رؤوس الأطفال تيمنا بكثرة و وفرة الخير عليهم في المستقبل أو في السنة الجديدة .
– و في المغرب تستحضر ألعاب للأطفال مثل لعبة “تيشقيفين” في هذه المناسبة ويتم أعداد الاطباق ويشترط وفرة الكمية حتى يشبع الجميع بل تترك بعض منها على زوايا الغرفة كنصيب للأرواح المباركة (أعساس ن وخام ) ، كما يشترط تقديم كمية إضافية حتى للحيوانات الأليفة التي يتم تربيتها ،وهي نفس الفكرة التي نجدها عن امازيغ جرجرة كما ذكرنا .
– في ليبيا لوحظ أن الكثير من الطقوس التي كانت تتم في مناسبة الناير ألصقت بأعياد دينية مثل عاشوراء ورمضان بعد ان إندثرت بعض الأعياد الأمازيغية وهو ما حدث مع عادة “ثمشرط” عند القبايل كذلك . لكن الليبيون لازالوا يحيون مناسبة يناير بطريقتهم كذلك .
من هنا يتضح لنا ان هدف هذه الطقوس واحد عند جميع سكان شمال افريقيا ومرتبط بالسنة الفلاحية التي تبدأ من يوم 12 او 13 أو 14 حسب المناطق ، والهدف كما رأينا هو التماس سنة جديدة تحل عليهم بمحصول زراعي وافر يحقق لهم الخير والصحة والاستقرار وينجيهم من شبح الجفاف والقحط والجوع الذي يجلب كل الشرور والمآسي .حيث بلغ حتى الإهتمام بالحيوان والأرواح المباركة الإحسان إليها، لكن بما أن الأمازيغ يحتفلون بأبواب السنة ( tiwura useggʷas) أو رأس العام (ixf useggas, aqerru useggas, tawwurt useggas, amenzu useggas) كما تختلف هذه الاسماء بإختلاف المنطاق حتى ولو كان لخا نفس المدلول اللغوي ، فهل هذا يعني ان لهم رزمانة فلاحية مناخية خاصة بهم قسموا فيها السنة الى فصول وشهور … ؟
الجواب هو نعم ، سكان شمال إفريقيا أبدعوا تقويم خاص بهم وقسموه الى فصول وشهور .
التقويم الأمازيغي الذي كان يعمل به في العصور الوسطى (01) :
.
إسم الشهر | المعنى . | |
01 | tayyuret tezwaret | القمر العريظ / الكبير |
02 | tayyuret teggwerat | القمر الأخير |
03 | yardut | مجهول المعنى |
04 | sinwa | مجهول المعنى |
05 | tasra tezwaret | القطيع الاول |
06 | tasra teggwerat | القطيع الأخير |
07 | awdayeɣet yezwaren | أبناء الظبي الأول |
08 | awdayeɣet yeggweran | أبناء الظبي الأخير |
09 | awzimet yezwaren | أبناء الغزال الأول |
10 | awzimet yeggweran | أبناء الغزال الأخير |
11 | ayssi | مجهول المعنى |
12 | nim | مجهول المعنى |
ملاحظة: هذا التقويم كان يعمل به في العصور الوسطى إلا أننا نجهل تاريخ بداية العمل به وهل ظهر في العصور الوسطى فقط ام أنه أقدم من هذا بكثير مما يجعله التقويم الامازيغي الاصلي القديم قبل ظهور التقويم الجولياني ؟ ، لكن عدم انتشاره في شمال افريقيا مثل التقويم الجولياني وكذلك غياب الأدلة العلمية يجعل احتمال أقدميته ضعيف . لكن الأهم من هذا كله هو اعتماده على 12 شهرا مثل التقويم الجولياني الذي إعتمده الأمازيغ والذي لازال معمول به حتى الآن ، سنتحدث عنه في الاسطر القادمة .
الفصول المناخية عند الأمازيغ مترجمة الى العربية (02):
– الليالي السود (14 يناير – 2 فبراير) .
– العزارة (3 – 12 فبراير).
– سلف المعزاة (13 فبراير ويوافق يوم 31 يناير الأمازيغي).
– جمرة الهواء (20 – 26 فبراير).
– جمرة الماء (27 – 5 مارس).
– دخول الربيع “الأمازيغي” –ثافسوث- (28 فبراير).
– جمرة التراب (6 – 10 مارس).
– الحسوم (11-17 مارس) .
– قرّة حيان
– لفطيرة
– دخول الصيف “الأمازيغي” – آنبذو- (30 مايو) .
– لغشات (أيام حارّة أواخر شهر غشت (أغسطس)
– دخول الخريف “الأمازيغي” – ثامنزوث- (30 أغسطس).
– آوسّو (أول أمطار الخريف).
– دخول الشتاء “الأمازيغي” – ثاجْرَسْت- (29 نوفمبر).
بوابات السنة tiwura useggʷas :
- الربيع tafsut
- الصيف anebdu
- الخريف amwal / aməwan
- الشتاء tagrest
2 – الناير كميثولوجية (أساطير شعبية ) :
إن يناير الذي قلنا أنه يمثل إحتفال شعبي لبداية السنة والذي كان يخص الفلاحة والمناخ قد إرتبطت به أساطير شعبية ، تناقلها الأجيال مع الوقت ، و من بين هذه لأساطير الشائعة هو إحتفال بعض سكان شمال افريقيا بنصر أجدادهم على “الفرعون بوعو” ، نجهل حاليا إذا كانت هذه الأسطورة التاريخية قد حدثت في نفس الفترة الزمنية (رأس السنة الأمازيغية ) أم انها وقعت في فترة زمنية أخرى في السنة تم ربطها أو الخلط بينها وبين رأس السنة الأمازيغية الفلاحية ، لكن المؤكد منه هو أن شيوخ كبار في مناطق شمال افريقي لازالوا يكررون أسطورة نصر الأمازيغ على الفراعنة خاصة عند أمازيغ آث سنوس بتلمسان غرب الجزائر والاراس التي ينحدر منها المناضل عمار نقاي . كما اننا نجد في المعطى الطوبونيمي أسماء عديدة لمصطلح فرعون ، وفي كل مناطق شمال افريقيا في الاوراس ومنطقة القبايل وجبل فرعون في تلمسان التي يكرر فيها سكان آث سنوس انه الجبل الذي أنهزم فيه الفرعون المصري ضد الامازيغ الذين أطلقوا عليه الأسود كما تقول الأسطورة .ونجد في المعطى اللغوي الشعبي في جرجرة مصطلح ” أس ن-فرعون ” (يوم فرعون) ، وكذلك ” إمحباس نسليمان ” (سجناء سلميان ) … كل هذه المصطلحات المحفوظة في المدونة اللغوية الشعبية التراثية نجد لها دلالة تاريخية في التاريخ الأمازيغي في مصر المتعلق بملك ششناق كما سنرى .
فلابد وأن السؤال الذي بادر أذهانكم بعد هذا السرد البسيط هو : هل هناك معطيات تاريخية تؤكد او تثبت هذه الأسطورة الشعبية التي إرتبطت برأس السنة الامازيغية ؟
الجواب هو نعم : لدينا من الوثائق التاريخية ما يثبت أن أسلاف الأمازيغ قد خاضوا حروبا كثيرة ضد الفراعنة ، أهمها على الحدود المصرية الليبية ويعضها داخل أراضي شمال افريقيا وهي التي تهمنا لنقارنها بالاسطورة الشعبية القديمة . ومن بين هذه الوثائق التاريخية نجد ما يسميه مؤرخو المصريات باللوحة الليبية أو صلاية الجزية الليبية أو لوحة التحنو والتي تظهر في رسوماتها (كما هو متفق عليه في الدوائر الأكاديمية ) أن المصريين دخلوا الى أرض الأمازيغ التي كانت تسمى أنذاك ” ليبيا ” أو أرض التحنو وقاموا خلالها بحرب ضد شعوب التحنو (التسمية المصرية للأمازيغ قديما) عاد المصريين بإنتصار باهر محملين بغنيمة كبيرة رسمت على اللوحة على شكل صفوف من الثيران والحمير والكباش من تحتها أشجار زيتون وكتب بجانبها علامة تصويرية تُعتبر من أقدم العلامات الكتابية وتدل على كلمة ”تحنو“ بمعنى ارض ليبيا اﻟﻤﺠاورة والأهم من كل هذا أنه رسم في نفس اللوحة مجسمات مستطيلة إتفق علماء المصريات على أنها مدن ليبية محصنة ، كانت متحالفة فيما بعضها ضد المصريين ، ورد بداخلها علامات الهيروغليفية فسرها بعض المؤرخون على انها أسماء تلك المدن، وهذا أكبر وأقدم دليل على وجود مدن امازيغة محلية قديمة تأكدت كذلك من خلال صورة الغنيمة التي حصل عليها المصريين بعد الحرب والتي تترجم الثروة الفلاحية من ماشية وعبيد (كثرة السكان) وزراعة الزيتون الذي يترجم الاستقرار والتمدن. (03) .
هناك لوحة أخرى مهمة وهي قريبة جدا من عهد ششناق وهي لوحة من الجرانيت الاحمر التي عثر عليها في حصن العلمين وتشير الى أن رمسيس الثاني (1301-1235ق.م) قد قام بغزو بلاد الليبو (04)
نستنتج من هذه المعطيات أن أسطورة وقوع معارك بين الأمازيغ والفراعنة داخل التراب الأمازيغي (شمال افريقيا) هي حقيقة حقا ومؤكدة من خلال الكتابات المصرية القديمة المنقوشة على جدران أهرمات مصر ، رغم أنها تسجل لنا انتصارات مصرية على الأمازيغ وليس العكس كما تقول الاسطورة إلا ان احتمال وجود معارك فاز فيها الامازيغ على المصريين وارد جدا ، هذا لان التاريخ المصري–الأمازيغي وصلنا من وجهة نظر المصريين فقط ومن الطبيعي أن ينسب المؤرخ المصري الذي يعتقد بألوهية الفرعون كل الانتصارات له ، فمن المؤرخين من يشكك في صحة أخبار هذه الانتصارات خاصة ما جاء حول انتصار الفرعون منفتاح Menephtah على الجيش الذي قاده القائد الليبي منارياي Maraiou الذي يعرف أيضا باسم مارايابوي ملك اللوبو Lebou الذي هاجم الدلتا (مصر) بجيش مكون من الأفارقة الليبو ،والمشوشا Mashaouasha والقحق Kahaka ومن الأقوام التي عُرفت بشعوب البحر والتي تحالفت مع الليبيين الذين كانوا الاغلبية في هذا التحالف، وكانت لهم القيادة وذلك سنة 1200 ق.م وقد انتصر المصريون في المعركة التي مات فيها 6365 من اللوبيين و222 من الشكلاشا و746 من التورشا.كما وصلنا من خلال النقوش المصرية (05)
فالوثائق المصرية التي تقول بانتصار منفتاح في المعركة تتناقض مع ما تشير اليه الوثائق المؤرخة لما بعد تلك الواقعة ، حيث تظهر الوثائق ان العنصر الأمازيغي أصبح مسيطر على الجيش وعلى الشأن الديني بمصر ، فما هي إلا سنوات حتى يصبح حكم مصر على يد قائد المشوش الامازيغ ششناق سنة 950 ق.م .
3 – الناير كإبداع حديث للحركة الأمازيغية :
ما نقصد به في هذا العنوان الفرعي هو أن الحركة الامازيغية والمتمثلة في شخص المناضل الاوراسي عمار نقادي (عمار الشاوي ) إبن مروانة والذي كان ضمن مؤسسي الأكاديمية البربرية ، قام بتركيب العنصر الاول ( السنة الفلاحية الامازيغية ) بالعنصر الثاني ( أسطورة الشعبية لفرعون مع الامازيغ ) من أجل وضع تقويم أمازيغي جديد للأمة الامازيغية وهذا سنة 1980 . أي انه قام بالبحث في التاريخ المصري والأمازيغي عما يتفق مع الأسطورة الشعبية التي تقول بحرب الامازيغ مع الفراعنة أو بفوز الأمازيغ على الفراعنة ، فصادف تاريخ إعتلاء القائد الأمازيغي ششناق عرش الفراعنة وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين وهو حدث تاريخي قريب جدا من الأسطورة الشعبية ، ويمثل خاتمة المعارك بين الامازيغ والمصريين ونهاية المحاولات الكثيرة لشعوب شمال افريقيا من السيطرة على مصر لأسباب يرجعها مؤرخوا مصر الى الجفاف الذي حل في أرض الامازيغ ، وهو أمر مشكوك فيه فلوحة الغنائم او لوحة الليبيين تترجم لنا وفرة الثروة الحيوانية والزراعية (الزيتون) والمدن السبعة الظاهرة فيها … واللباس الفاخر الذي كان يظهر به العنصر الامازيغي في لوحات أخرى ، وكذلك رواية المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي زار ليبيا (برقة) و مصر وفينيقيا ومناطق أخرى في القرن الخامس يقول في كتابه الرابع عن الليبيين (الامازيغ) في الفقرة 178 : “… والحق أنه ليس في المعروف لدينا من الشعوب من هو في مثل صحة الليبيين. ولست استطيع القول بدقة ما إذا كان ذلك بسبب من هذه العادة، لكنهم أصح الناس بالتأكيد…” فلاشك وان هذه الصحة الجسدية كانت بسبب عادة التداوي التي كان يمارسها الليبيين أو لسبب منطقي آخر وهو التغذية الجيدة وهي سبب إكتساب الليبيين لأجسام قوية كما تظهره الرسوم المصرية، والصحة والتغذية الجيد تترجم لنا إستقرار بممارسة الزراعة أي ان الليبيين شعب مستقر في أرضه وهو ما يعطي احتمال كبير أن دوافع الهجمات الامازيغية على مصر لم تكن بسبب الجوع والجفاف بل لأسباب دينية تعلق على الأرجح بمعبد الاله آمون ونيت وهما آلهة أمازيغية عبدها المصريين ونعلم أن واحة سيوة التي كان يعبد فيها آمون إحتلها المصريين في القرن السادس ق.م .
إختيار شخصية القائد ششناق كمعلم لبداية التقويم الأمازيغي الفلاحي القديم :
كل أمم العالم تتخذ تاريخ ما من تاريخها كمعلم لبداية التقويم وبداية السنة عندهم ، فالمسلمون جعلوا من تاريخ هجرة نبيهم من مكة الى المدينة بداية تقويمهم والمسيحين جعلوا ميلاد عيسى هو تاريخ البداية ، والكرد جعلوا تاريخ توحيد القبائل الميدية الكردية القديمة تحت قيادة الملك الميدي الكردي Diaoku وتحررها من الحكم الآشوري عام 612 ق.م هي نقطة البداية ، والأقباط في مصر جعلوا تقويمهم يبدا من عام 284 ميلادي وهو العام الذي استشهد فيها الأقباط المسيحيين من طرف الإمبراطور الروماني DIOCLETIANVS واطلقوا عليها “سنة الشهداء” …
أما المناضل الامازيغي عمار نقادي فقد جعل تاريخ وصول القائد الأمازيغي ششناق الى حكم مصر وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين هي نقطة بداية التقومي الأمازيغي الفلاحي القديم الذي سبق ششناق وسبق فرنسا وتاريخ اجدادهم الجولوا ، ويبدو ان فكرة عمار نقادي صائبة وذكية ، فتاريخ ششناق منقوش ومدون بشكل لا يقبل النكران والتزيف فإسمه وارد في لوحة “حور باسن” المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أثبتت نسبه الامازيغي ، و كذلك جدار معبد الكرنك الشهير ، كما جاء ذكره في الكتب السماوية على أن الله عاقب وأدب اليهود بتسليط ششناق عليهم ، بعدما عصوا الله، حيث جاء في التوراة أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 12 الفقرات 01-12 : ” … وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لِأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ، ٣ بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. ٤ وَأَخَذَ ٱلْمُدُنَ ٱلْحَصِينَةَ ٱلَّتِي لِيَهُوذَا وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَجَاءَ شَمْعِيَا ٱلنَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَق.
وجاء الانجيل سفر الملوك الأول 14: ” … {25} وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ، صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،{26} وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ. وَأَخَذَ جَمِيعَ أَتْرَاسِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ.
ويرجح ان ششناق هو المقصود في القرآن بسورة الإسراء هذا في حالة ما إذا سلمنا بما جاء في التوراة من أن الله عاقب اليهود بأناس أشد بأسا وان القرآن جاء تكملة للكتب السابقة له ، حيث وردت في الآيتين 4 و5 منها : “ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا {4} فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا {5} .
كما أن ششناق كان قائد قبائل المشوش التي كانت تسكن حسب هيردوت غرب نهر تريتونيس Tritonis بتونس وليس على الحدود المصرية الليبية كما يدعي البعض حيث يتفق أغلب المؤرخين على أن الماشوش هم انفسهم المازيغ الذين ذكرهم هيردوت بإسم المازيس Mazyes وهي الصيغة الاغريقية المحرفة لمازيغ . يقول المؤرخ الفرنسي استفيان غزال : ” أن الكثير من العلماء يرون ان الماشوش هم المازيس Mazyes الذين ذكرهم هيردوت أنهم في غرب نهر تريتون (06). أي في الجزائر ،و يقول المؤرخ البريطاني إريك بيتس O .BATES . في كتابه “الليبيون الشرقيون” أن المشواش هم انفسهم الأمازيغ كذلك (07) ، وكذلك المؤرخ الكندي دونالد ريدفورد Donald B. Redford وهو عالم مصريات الذي أكد ان المازيس Mazyes هم انفسهم الماشوش . (08) .
نلاحظ من خلال الخريطة أن النهر الأسطوري “تريتون Tritonis” الذي تحدث عنه المؤرخون القدامي بإسهاب حيث أنه كان أصل الربة الامازيغية تنيت التي عبدها الاغريق والقرطاجيين ونيت عند المصريين ،والذي يرجحه اغلبية المؤرخين في المكان المحدد في الخريطة ، حيث نجد غرب هذا النهر ولاية ” واد سوف ” الجزائرية وإذا حذفنا مصطلح ” واد” التي أظيف مع وصول العرب الى شمال افريقيا سنجد ان كلمة ” سوف” الأصلية التي تعني بالامازيغة (النهر) ترجح وبقوة ان تكون هذه المنطقة هي الموقع الحقيقي لنهر “تريتون Tritonis” التاريخي وبالتالي موطن امازيغ الماشوش الذين حدد المؤرخ الإغريقي هيردوت في القرن الخامس قبل الميلاد موطنهم غرب هذا النهر .
وبعد تحديد موطن الماشوش الذين هم نفسهم المازيس عند هيردوت وغيره والذي قلنا انه تحريف لغوي إغريقي ولا تيني لإسم مازيغ الذي كان يطلقه سكان شمال افريقيا على انفسهم منذ القدم كما أكده المؤرخ غبرييال كامب الذي قال(09): ” .. وكما سنرى في ما يقابل من هذا الكتاب ،فأن الكثير من القبائل البربرية القديمة كانت تُعرف في العصور القديمة بإسم المازيس Mazices ، وهو في الحقيقة اسم يطلقه أغلب البربر على انفسهم : إمازيغن Imazighen (مفردها أمازيغ Amazigh ) وقد نقل الأجانب هذا الأسم في صور شتى، فجعله المصريون مشوش، وجعله الإغريق مازيس – Mazyes ، أو ماكسيس Maxyes ، وجعلوه اللاتين مازيس Mazices و ماديس Madices . وذكر المؤرخ الكبير ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي أن فرعا من البربر وهم البرانس ، ينحدر من مازيغ Mazigh ..”
طريقة إعتلاء ششناق لعرش الفرعون :
يعتقد بعض المؤرخين بأن إنتقال السلطة من المصريين الى الأمازيغ كانت سلمية فيرون أن الحضور الامازيغي كان قويا داخل مصر حتى أن بلغ في حقبة من الزمن أن الجيش المصري كله كان يتكون من الامازيغ وهو ما سهل الانتقال السلمي للسلطة حسبهم الى الامازيغ سنة 950 ق.م ، كما يؤكده مصطفى كمال عبد العليم: ” إن الجيش المصري أصبح ابتداء من عصر الأسرة العشرين مؤلفا من الليبيين دون سواهم. وقد منحهم ملوك مصر هبات الأرض كأجر لهم وهكذا استطاعوا أن ينشئوا في البلاد جاليات عسكرية وكان يترأس كل حامية رئيس ليبي يحمل لقب الرئيس الكبير لما. “ما” هي اختصار لاسم مشوش” (10)
وبالمقابل يذهب فريق آخر من المؤرخين أمثال شارل أندري جوليان في كتابه ” تاريخ افريقيا الشمالية” ان الحدود المصرية كانت محاصرة بالجاليات الأمازيغية المستقرة فيها وان بعض منها قد بلغ مناصب كبرى في مصر و في سنة 950ق.م ثم يقوم الخليفة السابع لهذا القائد الليبي من قبائل المشوش وهو شيشونق الاول بغزو مصر وتأسيس الاسرة الثانية والعشرين ، ويقول جوليان بأن الفن الشعبي المصري يقصد الرسومات قد صور لنا لأول مرة بعد سيطرت الامازيغ على مصر” شعبا شغوفا بالمعارك مخالفا تماما المخالفة بالمجتمع المصري ، وخلافا لما اعتقده المؤرخون القدامى فإن أحفاد رسل آمون القدامى ليسوا هم الذين أسسوا مملكة نباطة (Nabata) التي اتسعت رقعتها في اواخر القرن الثامن من الشلال الاول الى الحبشة .، وأثبتت حفريات رينار ( Reisner )أن الليبيين هم الذين بسطو نفوذهم على أرض ” أكوش ” كما فعل ليبيو الشمال بالنسبة للدالتا .ولم يوجد اطوع لتعاليم آمون وكهنته من هؤلاء الاجانب المستوطنين بمصر . ولا شك أن المدنية المصرية أشعت بواسطتهم على الليبيين الغربيين وربما بلغت أنوارها المترامية أقصى غرب افريقيا ” (11).
إن الملاحظ في الوثائق المصرية مثل لوحة “نارمير ” المصرية وغيره يدرك أن مصر الفرعونية كانت مسرحا لهجمات متكررة للامازيغ منذ 3300 سنة ق.م خلال حكم أسرة التنييين الاولى وخلال 2600 ق.م نجد في النقوش المصرية ان الاسرة الخامسة بمنف قد شنت حملة عسكرية لمحاربة الليبيين أيضا وبعد ما صد رمسيس الثاني لهجماتهم يتحالف معهم ضد الحتيين في أوائل القرن الثالث عشر . كما تحالف الامازيغ مع شعوب البحر وكانوا اغلبية ذلك الجيش وقادتهم ضد الدلتا 1227 ق.م ، يقول المؤرخ فوزي جادا الله في قوله : “وكانت الزعامة في هذا التحالف لليبيين دائما وهذا يعني أن القبائل الليبية كانت قوية ومتحضرة بما سمح بأن يدين لها بالزعامة أصحاب الحضارة الإيجية السابقة للحضارة الإغريقية الكلاسيكية” (12) ، ويرجع أندري جوليان أصول هؤلاء اللوبيين الامازيغ الى الاطلس بسبب أسماء قادتهم المتشابهة بأمازيغ النوميد الذي ذكروا في تاريخ A.moret المألوف (13) ، كل هذه الهجمات المتكررة على مصر من طرف الأمازيغ لا يختلف فيها المصريين إلا لما يتعلق الامر في سيطرة الامازيغ على حكم مصر تراهم يرفضون فكرة الاستيلاء العسكري ويفضلون الانتقال السلمي للحكم الى الأمازيغ ؟
اعتماد الأمازيغ الى التقويم الذي يعرف اليوم بالتقويم الجولياني :
أما عن السبب الذي جعل الامازيغ يتركون التقويم الخاص بهم ويعتمدون على التقويم الجولياني الروماني فالسبب هو نفسه الذي جعل كل شعوب أوروبا والشام وحتى العرب يستعملون التقويم الجولياني ، فشهر Yennayer الذي يرجح انه مشتق من شهر (IANVARIVS يانواريوس) الروماني هو نفسه (Janvier) الفرنسي و نفسه (Enero) الاسباني و (Janeiro) البرتغالي او يناير عند الدول العربية التي لا تستعمل التقويم الهجري الاسلامي مثل سوريا ومصر والسودان …
والشهر الأمازيغي Yulyuz هو نفسه (Juillet) في الفرنسية و(Luglio) في الايطالية الحديثة أو الإسبانية ((Julio أو البرتغالية …
فهل يحق لكل دول أوروبا استعمال التقويم الجولياني ويحرم ذلك على الامازيغ ؟ الحضارة اللاتينية هي وريثة الحضارة الاغريقية وروما كانت إمبراطورية أثرت بحضارتها اللاتينية على كل الشعوب التي احتكت بها والامازيغ كانوا من أقرب الشعوب الى روما كذلك ؟ ثم ما الذي يثبت أن التقويم الجولياني ليس تقويما أمازيغيا ؟
التقويم الجولياني هو تقويم أمازيغي نقله الرومان عن الأمازيغ :
لشهر | شلوح (جنوب المغرب) | القبايل (الجزائر) | أمازيغ جربة (تونس) | بالعربية التونسية |
يناير | innayr | (ye)nnayer | yennár | يناير |
فبراير | xubrayr | furar | furár | فراير |
مارس | mars | meghres | mars | مارس |
أبريل | ibrir | (ye)brir | ibrír | أبريل |
مايو | mayyuh | maggu | mayu | مايو |
يونيو | yunyu | yunyu | yunyu | يونيو |
يوليو | yulyu | yulyu(z) | yulyu | يوليو |
أغسطس | ghusht | ghusht | ghusht | أغشت |
سبتمبر | shutanbir | shtember | shtámber | شتمبر |
أكتوبر | kṭuber | (k)tuber | ktúber | اكتوبر |
نوفمبر | duwanbir | nu(ne)mber | numbír | نوفمبر |
ديسمبر | dujanbir | bu- (du-)jember | dujámber | دجمبر |
الحقيقة انه ليس من المجازفة في شيئ إذا قلنا أن التقويم الجولياني هو تقويم أمازيغي الأصل نقله الرومان عن الأمازيغ وهناك أدلة كثيرة تدعم هذه الفرضية ومن أهمها :
- أسماء الأشهر في التقويم الجولياني المعتمد عند الامازيغ فيها تحورات امازيغية عجيبة ، تظهر أسماء الأشهر وكأنها أمازيغية .
- التقويم الجولياني منتشر ومعمول به في كل مناطق شمال افريقيا من ليبيا غربا الى غاية المغرب وحتى في المناطق الجنوبية التي بقيت بعيدة عن التأثير الروماني الذي تركز أساسا في المدن والمناطق الشمالية .
- أسطورة الإله “يانورايوس Ianuarius” صاحب الرأسين الذي يرى السنة القادمة او المستقبل برأسه الامامي والسنة الماضية او الماضي برأسه الخلفي وهو الإله المسمى بإله الأبواب ، والذي أضافه يوليوس قيصر بعد تصحيحه للتقويم الروماني القديم في سنة 45 ق.م، يتفق تماما من الناحية الانثروبولوجية مع الاعتقاد الامازيغي القديم في أبواب السنة التي تحدثنا عنها حيث يتمثل يناير عند الامازيغ الفاصل بين زمنين او بوابتين . أو فصلين مناخيين، كما أن شهر يناير او جانفي لم يكن مستعمل في التقويم الروماني القديم . والمؤخرين القدامي كما هو معروف كانوا يسمون ليبيا (شمال افريقيا) أرض الأرباب والاساطير وهو ما يرجح الاصل الشمال افريقي للإله “يانورايوس Ianuarius”.
- التقويم الجولياني ظهر سنة 45 ق.م أي بعد احتلال الرومان لمصر ومن المعروف تاريخيا أن يوليوس قيصر هو من قام بتعديل التقويم الروماني القديم بالاستعانة بأحد الفلكيين الإسكندريين (المصريين) يدعى سوسيجنيوSosigèn وفي تلك الحقبة كان الرومان على إحتكاك بالأمازيغ في حربهم ضد يوبا الأول ، وقبل ذلك في مقاطعة أفريكا بتونس بعد سقوط قرطاج ، وإذا علمنا أن التقويم الروماني القديم الذي بدا العمل به في السنة التي أسس الرومان فيها مدينة “روما” عام 753 قبل الميلاد، و لم يكن شمسيـًا ولا قمريـًا خالصـًا آنذاك، وكان طول السنة فيه “304” أيام موزعة على عشرة أشهر أولها مارس وليس يناير/جانفي وآخرها ديسمبر، وإذا علمنا كذلك أن التقويم المصري القديم هو تقويم شمسي خالص قسم المصريين فيه السنة إلى 13 شهر، رأس السنة عندهم تبدأ في 11 سيبتمبر ، ويعتمد على دورة الشمس ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار وجود التقويم الأمازيغي في العصر الوسطى الذي سبق وان تحدثنا عنه والمتكون من 12 شهر يتظح لنا بما لا مجال للشك فيه أن التقويم الذي سمي بالتقويم الجولياني والذي فيه 12 شهر هو اختراع امازيغي خالص . وأن شهر يناير (yennayer) الذي يعتبر رأس السنة الأمازيغية هو شهر أمازيغي متكون من (yen) الذي يعني الأول ,و (n) الملكية و (ayer) الذي يقصد به أول شهر من السنة .
و يذهب بعض الباحثين الأمازيغ الى القول بأن أصل التسمية اللاتينية Mensis Ianuarius(شهر يناير في اللاتينية القديمة ) هي أمازيغية قحة فالكلمتين معا ؛ mensis ianuarius هما نفسهما تحريف سطحي للأمازيغية ؛ imensi n yennayer(أي عشاء يناير ) كيف هذا ؟!
الكلمة الأولى ؛ mensis التي تعني فيما بعد ( الشهر ) ما هي في الأصل إلا الكلمة الأمازيغية imensi التي تعني ( العشاء ) le dîner و التي نجدها في اللاتينية القدية نفسها في الامازيغية mansa تعني ( الشاء و تعني مائدة العشاء ، ثم مائدة الأكل بصفة عامة ) و في الكلمة الفرنسية ( أيضا ذات الأصل اللاتيني ) ؛ commensal بمعنى ؛ الذي يشاركنا في العشاء ( celui avec lequel on dîne ) , و كلها تؤول إلى الأمازيغية imensi ( العشاء ، le dîner ) و لأن هذه الكلمة في الأمازيغية لها جذور و أصل ، ف imensi ( العشاء ) جاءت من الفعل الأمازيغي ens بمعنى ( بات ( ليلة )) و معناه الأصلي učči n tnusi أي الأكل الذي يقدم للذي يبيت ( ليلة ) ، وإنتشاره في كل اللسان الامازغي تقريبا وكذلك إشتقاق مصطلح ينسى yensa (بات) والفعل أنَسْ ens (بت) ، وكذلك تانوسي tanusi (المبيت) …. كل هذه الاشتقاقات وكذلك ستعماله الشامل عند كل الامازيغ بمختلف متغيراتهم ومناطقهم ، ورنة جرسه ، دليل على أصوله الامازيغية وان اللاتين هم من اخذه عن الأمازيغ .
أما تحوله في اللاتينية من المعنى الحقيقي mensis ( العشاء ) إلى المعنى المجازي mensis ( الشهر ) فهو لالتقائه مع معنى الشهر في كلمة يناير yennayer , ianuarius ، ثم ليعمم بعد ذلك هذا المعنى على الأشهر الأخرى أما هذا الأخير ؛ يناير أو ianuarius فأصله أيضا الأمازيغية ؛ yennayer كيف ذلك ؟
فالأسطورة الرومانية التي يروجها دعاة الأساطير على أن الكلمة ianuarius جاءت من الإله الروماني Ianus يانوس شكوك فيها بحكم ان الرومان لم يكن لهم شهر جانفي/يناير في تقويمهم القديم ، بل غن التفسير القريب من المنطق هو ان هذه الكلمة أصلها أمن يناير yennayer الامازيغية و المركبة من كلمتين و تعني ؛ yen (Yan , yiwen , iwen , ijen , …) و التي تعني ؛ واحد أو الأول ، و كلمة ؛ ayer ( ayur , aggur , …) و التي تعني القمر أو الشهر في الأمازيغية ، و النون (n ) الثانية في (yennayer ) هي للملكية ، و بهذا يكون معنى يناير yennayer ; الشهر الأول ، و يكون المعنى الكامل و الحقيقي للتسمية اللاتينية mensis ianuarius هو imensi n yennayer أي imensi ( عشاء ) n yennayer ( يناير : الشهر الأول) و هذه التسمية و العادة التي تمثلها هي من العادات والتقاليد الأمازيغية الضاربة في التاريخ و الراسخة في الأذهان منذ العصور الغابرة للحضارة الأمازيغية ، و الأمر هنا جلي جدا أن اللاتينية هي التي وجدت هذه التسمية عند الأمازيغ ثم أخذوها عنهم كما أخذوا المئات من الكلمات الأمازيغية الأخرى ليستعملوها بعد تحويلها و تحريفها كما فعل كذلك الإغريق وهو ما صرح به أبو التاريخ المؤرخ الإغريقي هيرودوت ، أن الاغريق كانوا يأخذون كل شيء عن الليبيين ( الأمازيغ) .
ففي الفقرة 50 من الكتاب الثاني لهيردودوت نجده يقول :” .. وانا اعيد هنا ما يقوله المصريون أنفسهم ويبدو لي أن البلاسجيين هم الذين أطلقوا هذه الأسماء على هذه الأرباب التي يعلن المصريون عدم معرفتهم بها إلا الرب بوصيدون الذي اقتبسه اليونانيون عن الليبيين (*) لان إسم الرب بوصيدون لم يكن موجودا ومنذ البداية عند أي شعوب من الشعوب الغير الليبيين الذين ظلوا على الدوام يعظمون هذا الرب ” .
بل نجد” المؤرخ ديدور الصقلي” حسب مصطفى أعشى يشير إلى أن الأرباب ولدت في بلاد الامازيغ ، وهذا الرأي يؤكده الشاعر الإغريقي هوميروس كذلك (14)
و في الفقرة 189 من كتابه الرابع يؤكد هيردوت ان الإغريق الذين تعلم منهم الرومان الحضارة ، كانوا قد تعلموا من الأمازيغ اللباس والغناء وطريقة ربط العربات الى الحصان حيث يقول : ” يبدو أن ثوب ودرع ثماثيل أثينا نقلهما الإغريق عن النساء الليبيات غير أن لباس النساء الليبيات جلدي وأن عذبات دروعهن المصنوعة من جلد الماعز ليست ثعابين بل هي مصنوعة من سيور الحيوان . وأما في ما عدى ذلك الذي يطلق على درع أثينا ينم عن أن كساء ثماثيل هذه الإلهة جاء من ليبيا, إذ أن النساء الليبيات يرتدين فوق ثيابهن جلود ماعز ذوات عذبات بعد نزع شعرها وتلوينها باللون الأحمر وقد غير الإغريق الاسم الليبي لجلود الماعز هذه إلى اسمها الاغريقي (ايجس) أي الدرع ، وأكثر من هذا فإن الغناء الطقسي- فيما أظن – ظهر أولا في ليبيا فإن نساء تلك البلاد يغنين غناء مطربا شجيا . ومن الليبيين تعلم الإغريق كيف يقودون العربات ذات الخيول الأربعة ” .
فيديو لمحاضرة صحفية في جريدة المجاهد ألقاها الدكتور محمد الهادي حارش المختص بالتاريخ القديم لشمال افريقيا .
كل هذا يجعلنا نتأكد ان فكرة التقويم الذي يعرف اليوم بإسم التقويم الجولياني هو فكرة أمازيغية محلية قديمة كانت تقسم السنة الى 12 شهرا نقلها الرومان الذين كان تقويمهم القديم يقسم السنة الى 10 شهر وغيروا بعض تسميات الشهور فيها بأسماء عظمائهم ، قد يكون الامازيغ قد تأثروا بها لاحقا في عهد سياسية الرومنة .
خلاصة القول ان الناير ما هو إلا رأس السنة الفلاحية الأمازيغية القديمة التي قام نشطاء الحركة الأمازيغية في العصر الحديث بجعل تاريخ اعتلاء القائد الامازيغي ششناق لعرش مصر وتأسيس الاسرة الثانية والعشرين ولذي وضع حدا لتاريخ طويل من الصراع والأخذ والرد بين الأمازيغ والمصريين ، جعل هذا التاريخ كنقطة بداية للتقويم الأمازيغي الفلاحي القديم قدم ممارسة الانسان الامازيغي للفلاحة في شمال افريقيا والتي تعود حتى الالف الخامسة ق.م .
بقلم الأستاذ : مصطفى صامت
المراجع :
(*) مصطلح ليبيا هو مصطلح قديم كان يقصد به شمال افريقيا عند الاغريق ، والانسان الليبي في تلك الفترة لم يكن يقصد بها سكان دولة ليبيا الحالية بل يقصد بها الانسان الشمال افريقيا الأمازيغي راجع هذا المقال من هنا
(01) The names of the months in medieval Berber، للباحث Nico van den Boogert، كتاب: Articles de linguistique berbère، إعداد الباحث المتخصص في اللسانيات Kamal Naït-Zerrad، عام 2002. صفحة 139- 140
(02) العربي عقون ، عودة من احتفالية ينار (1 ينار 2965 الموافق ل 13 يناير 2015)، الحوار المتمدن-العدد: 4693 – 2015 / 1 / 16
(03) مصر وليبيا في بين القرن السابع والقرن الرابع ق.م ، الدكتور أحمد عبد الحليم دراز ، صفحة 31
(04) Row, A., A Histiry of Ancient cyéenaica, Ciaro, 1948. P. 4
(05) قزال، تاريخ شمال إفريقيا القديم ، ترجمة محمد التازي سعود، الجزء 1 ، الصفحة 279
(06) نفس المرجع السابق ، صفحة 283 :
(07) O .BATES . The Eastem Libyans . London 1914.P.245-252
(08) كتاب مصر وكنعان واسرائيل في العصور القديمة تأليف دونالد ريدفورد ترجمة بيومي قنديل صفحة 373
(09) كتاب البربر ذاكرة وهوية ، لغبرييل كامب، ترجمة عبد الرحيم حزل , صفحة 58.
(10) مصطفى كمال عبد العليم ، درسات في تاريخ ليبيا القديم ،صفحة 32،33.
(11) تاريخ إفريقيا الشمالية شارل أندري جوليان (النسخة المعربة)، صحفة 72.
(12) فوزي جادا الله ، مسائل في مصادر التاريخ الليبي قبل هيرودوت، ليبيا في التاريخ : بنغازي، 1968 .
صفحة 68 .
(13) شارل أندري جوليان ، المرجع السابق ، صفحة 72
(14) مصطفى أعشى، جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ما قبل التاريخ، مركز طارق بن زياد، الرباط، 2002 ، ص33