أقلام حرة

الأكاديمية البربرية والعلم الامازيغي بين الحقيقة التاريخية والشبهات السياسية

     هل ما يروج عن الأكاديمة الامازيغية بأنها تأسست في فرنسا لخدمة مصالح فرنسية في الجزائر صحيح أم أنه مجرد أشاعات لتشويه النضال الأمازيغي الذي يهدد مصالح بعض الاديولوجيات المسيطرة في الجزائر ؟

     طالعت  مقالا في موقع الحياة العربية بقلم الدكتور عثمان سعدي تحت عنوان رئيسي “الأكاديمية البربرية في باريس حاولت تشويه الأمازيغية والقبائلية ” (01) حيث  أراد فيه تخويف الجزائريين مثل عادته من المشروع الفرنسي في الجزائر المتمثل في الامازيغية حسب قوله وهو الخطاب الذي ظل يردده منذ عقود ولأن الكثير من شبابنا ينشرون بعض هذه الافكار التي ضخموها دون وعي عبر بعض المنتديات والمواقع وحتى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف العروبية في الجزائر حتى سلم البعض بأن الاكاديمية البربرية صناعة فرنسية وصهيونية وربما ماسونية في المستقبل القريب , على سنة الجهل المقدس والمؤامرة الماسونية ضد الاسلام والعروبة .
لهذا أحببنا أن نرد على بعض المغالطات في المسألة بما تيسر لنا  ومحاولة قراءة الموضوع من زاوية عقلانية تاريخية موضوعية بتسمية الاشياء بمسمياتها .

      اولا : على الجميع أن يفقه في المصطلحات لان مصطلح ” علم الأمازيغ ” لا يعني أنه علم لدولة ما أو كيان يريد الانفصال عن دولة ما كما يعتقد البعض ، وهو ليس بعلم فرحات مهني لحركة الماك التي ظهرت بعد أحداث الربيع الأمازيغي الأسود 2001 ، بل ما يحمله الامازيغ هو راية ثقافية ليست سياسية بالمصطلح الرسمي صنعت لأول مرة في وادية ولاية تيزي وزو في الجزائر من طرف المجاهد محند أعراف بوسعود , لكن بسبب النظام الدكتاتوري الذي كان يحارب الامازيغية لم تظهر الى العلن وبشكل رسمي حتى جسدت ذلك الأكاديمية البربرية في السبعينيات، وهذا للاشارة الى الشعوب الامازيغية التي تسكن في شمال افريقيا وثقافتها من دلتا النيل في مصر الى غاية جزر الكناري غربا، ومن البحر الابيض المتوسط الى غاية تخوم الصحراء في مالي والنيجر وبوركينافاسو جنوبا، وهذه الرقعة الجغرافية الشاسعة هي في الحقيقة بمثابة قارة أمازيغية اطلق عليها تسمية ” تمازغا ” تترجمها الالوان الاربعة في هذا العلم ، الازرق = البحر الابيض المتوسط ، الاخضر = السهول والجبال ، الاصفر = الصحراء ، الاحمر لون الدماء التي سالت في سبيل تحرير هذه الارض من الغزاة على مر القرون وهذا اللون الذي يعبر عنه حرف الياز (ز،z،ⵣ ) وهو أحد حروف الابجدية الامازيغية اختير هو من بين حرف أبجدية التيفيناغ لانه يتوسط كلمة “أمازيغ “، “ⴰ ⵎ ⴰ ⵉ ⵖ” ، “amazigh” و كذا كلمة” إزوران” ، “ⵉ ⵓ ⵔ ⴰ ⵏ” ، ” Izuran” التي تعني الجذور.
لقد رفع هذا العلم لاول مرة أثناء الربيع الامازيغي في الجزائر سنة 1980, الذي حرك الوعي الامازيغي في كل شمال افريقيا والعالم ، ويجب أن نشير كذلك الا أن هذه الراية لا تعبر عن الناطقين بالامازيغة في شمال افريقيا فقط ، بل الى كل سكان هذه الرقعة ” تمازغا ” لان كل من يسكنها (شمال افريقيا) هو امازيغي بالدم أو بالارض، وقد تمت المصادقة على العلم الامازيغي من طرف الكونغرس العالمي الأمازيغي عام 1996 بمدينة تافيرا بجزيرة لاس بالماس بجزر الكناري والتي تعرف تواجدا أمازيغيا منذ القدم تحت مسمى الغوانش ، باتخاذ هذه الراية كإحدى الرموز التي تشير الى الهوية والثقافة الامازيغة في العالم والذي انتشر بعد ذلك في كل العالم، فاتخذته كل التنظيمات الامازيغة وشهدناه في ملاعب الجزائر والمغرب بل حتى في ملاعب العالم وتظاهرات عالمية في كندا واروبا ، وكان حاضرا ايضا في ما يسمى بالربيع العربي في ليبيا حيث كان امازيغ ليبيا السباقون للانتفاضة ضد نظام القذافي الدكتاتوري المضطهد للامازيغة ،وقد خصص يوم 30 أوت من كل سنة كيوم عالمي للعلم الأمازيغي .

تأسيس الأكاديمية البربرية :
تأسست الاكاديمية البربرية بفرنسا سنة 1966 من طرف عبد القادر رحماني، ونوابه وهم خليفاتي محمد أمقران،عمار نقادي، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، الكاتب العام هو أولحبيب جعفر، وليس من طرف بسعود محمد أعراب فقط كما يشاع ، بل هو أمين مال الجمعية وليس الاكاديمة فيجب أن نشير هنا أن ما يسمى بالاكاديمة هو مجرد جمعية ثقافية متواضعة اسمها بالامازيغية “أڤ—رَاوْ إيمَازيغنْ” أي التجمع الأمازيغي ، أمّا كلمة “الأكاديمية” فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها، وهذا ما صرح به أحد الاعضاء البارزين بسعود محند أعراب في كتابه “تاريخ الأكاديمية البربرية” كما صرح كذلك على أن الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا .
حصلت الجمعية سنة 1967 على الاعتماد الرسمي تحت اسم Academie Berbére D echanges et de Recherches Culturels A.B.E.R.C أي الأكاديمية البربرية للتّبادل و البحث الثّقافي وجاء قرار الإعتماد بتاريخ 21 فبراير 1967 و فقا لقانون إنشاء الجمعيات الأجنبية الصّادر بتاريخ 12 أفريل 1939 المعدّل لقانون الجمعيات الصّادر بتاريخ 01 جويلية 1901، لكن لم يكن لها دور الاكاديمة بالمعنى الرسمي للكلمة ،أي أنها لم يكن لها خبراء في المجالات التي يتطلبها التنظيم الاكاديمي ،كانت فكرة الجمعية التي أسسها مجموعة من المثقفين الجزائريين وأغلبهم من منطقة القبائل الامازيغية من الجالية الجزائرية في فرنسا تتأسس على النهوض بالثقافة واللغة الامازيغة ونشر الوعي الامازيغي في شمال افريقيا، فقامت الاكاديمة باحياء الكتابة الأبجدية الامازيغة التيفيناغ والتعديل عليها للتناسب اللسان الأمازيغي الحالي، حتى ابداع بعض الحروف للتعبير على بعض الأصوات المنطوقة في اللسان القبائلي الامازيغي ولمواكبة التطورات الحاصلة في العالم كون التيفيناغ المنقوشة في صخور التاسلي كانت تعبر عن الحياة اليومية للامازيغ في حقبة زمنية قديمة تختلف كثيرا عن عصرنا الحالي ، وهذا أمر طبيعي وقع مع كل لغات العالم ومنها العربية.

لماذا تأسست الأكاديمة في فرنسا وليس في الجزائر؟ :
السبب بسيط جدا وهو أن النظام الجزائري بعد الاستقلال، بن بلة و بومدين كان بعثي الايديلوجية شمولي استبدادي ودكتاتوري وكان يضطهد الامازيغية ونشاطائها ، فقد عمل الرئيس بن بلة رحمه الله على تكريس العروبة في الجزائر بطلب من جمال عبد الناصر المروج لمشروع القومية العربية البعثية ، وبن بلة هو صاحب المقولة المستفزة (نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب) وبدل أن يكون رئيس لكل الجزائريين والعمل على الحفاظ على كل الألوان والأطياف الثقافية في الجزائر الغنية فضل معاداة الامازيغية ثقافيا ولغويا وتاريخيا وقام باستيراد سياسية عروبية من مصر الناصرية ، وبالغ في معادة الهوية الامازيغية الجزائرية ، ربما لتمرد منطقة القبايل على حكمه وإفشال محاولتين للانقلاب عليه من منطقة القبايل ،المخطط الانقلابي الذي قاده كريم بلقاسم ثم حسين ايت احمد ومحند اولحاج ثم تحالف قادة منطقة القبايل في الانقلاب الذي خطط له العقيد شعباني ضد حكم بن بلة ايضا (02).

وقد ازدادت سياسية الاقصاء والاضطهاد ضد الامازيغية في الجزائر بشكل رهيب في عهد الديكتاتوري بومدين الذي انقلب على صانعه بن بلة وقام بومدين بإدراج الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، كما جمد عمل الاذاعة المحلية لمنطقة القبايل ومنع الاذاعة الثانية الناطقة بالقبائلية من تزويدها بالمعدات التقنية اللازمة لتوسيع موجتها لتمكين الجزائريين من التقاطها في كامل  التراب الوطني، كما منعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، وهي عضو في الاكاديمية ايضا وكذلك أخوها جان لموهوب الذي قدم الكثير للامازيغية ، كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.

وأكثر من ذلك منع حتى الحفلات الغنائية الامازيغية في منطقة القبايل وقام بتغير اسم شبيبة القبايل الى “جمعية إلكترونيك تيزي وزو” بعد أن سمع الكثير من الشعارات المعادية له والأصوات المطالبة بالاعتراف بالامازيغة فوق مدرجات ملعب 5 جويلية بالعاصمة حيث حضر بومدين نهائي الكأس التي جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977،كل هذا وذاك جعل مثقفي ومناضلي منطقة القبايل يختارون المهجر خوفا من القتل والسجن وتأسيس جمعية أكراو إمازيغن التي تحولت الى الاكاديمية الامازيغية اسميا فيما بعد ، ورغم ذلك فقد تبعتهم سياسية بومدين الدكتاتورية الى فرنسا حيث أجبر بومدين الحكومة الفرنسية بغلق الاكاديمة في فرنسا وطرد أحد أعضائها الناشطين محند اعرب بوسعود من التراب الفرنسي مما دفعه اللجوء الى بريطانيا حتى وفاته هناك ، وطبعا لم تكن فرنسا لترفض قرار بومدين الذي سيؤدي الى تضرر العلاقات بين البلدين خاصة وأن بومدين كانت له علاقات جيدة مع فرنسا كونه من جماعة وجدة التي انقلبت على الشرعية الثورية بتخطيط مصري-فرنسي ثانيا لانه اول رئيس جزائري يستقبل الرئيس الفرنسي في الجزائربعد 13 عام فقط من خروج فرنسا من الجزائر، وكانت الزيارة ممتدة من 10 الى 12 أفريل 1975 .

ثالثا لانه سمح لفرنسا بابقاء جيشها في صحراء الجزائر الى غاية سنة 1978 منتهكا بذلك اتفاقيات افيان .(03)
أما الاصوات التي تتهم انصار هذه الاكاديمة بالعمالة لفرنسا فقط لانهم أسسوها هناك فنحن نسألهم بدورنا لماذا لا يتجرؤون على أن يتهموا أعضاء الحركة الوطنية بالعمالة أو الخيانة حينما أسسوا نجم شمال افريقيا في فرنسا وكان 85 بالمئة من مؤسسه من منطقة القبائل وهو الحزب الذي فجر العمل المسلح فيما بعد، كما لم نسمع كذلك كلام مشابه عن جمعية العلماء المسلمين التي تأسست في الجزائر الفرنسية باعتماد فرنسي ؟ ولما لم يتهموا كذلك المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان اضطرا إلى الفرار إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة “العروة الوثقى” ؟

و لما لا احد يقول نفس الكلام عن العروبة التي تأسست على يد فرنسا ؟
أليست فرنسا من قامت بتأسيس الجامعة الياسوعية في لبنان عام 1875 عن طريق ياسوعيين والتي كانت نواة تعريب الأولى المراونة (طائفة مسيحية) وتأسيس الجمعية العربية على يد مسيحيي لبنان وسوريا هي جمعية سياسية قومية عربية سرية أنشأها مجموعة من الطلاب العرب في باريس عام 1909م. والتي أثرت على الفكر القومي العربي ومهدت للمؤتمر العربي في باريس كذلك عام 1913 وأسهمت في التمهيد للثوره العربيه التي انطلقت في الحجاز عام 1916ضد الخلافة العثامية الاسلامية ؟.

      لا احد من الذين يتهجمون على الاكاديمية البربرية يتحدث كذلك على أن مؤسسي العروبة درسوا في فرنسا ومنهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي الذين درسوا في المدارس الفرنسية تحت الإنتداب الفرنسي لسوريا واكملوا دراستهم في جامعة السوربون.
و أن فرنسا هي من دعمت العروبة في شمال إفريقياً سواء على المستوى اللغوي أو الإقتصادي أو السياسي، فمثلاً سمت مكاتب البلدية في الدزاير بالمكاتب العربية واضافت اللغة العربية (بطلب من جمعية العلماء المسلمين) كلغة إختيارية واسس مؤرخوها وباحثوها عداوة مع الأمازيغ والأمازيغية أمثال جاك بيرك الذي قال بأن “الفرنسية تتم عن طريق التعريب” و جاك بيرك الذي عمل فيما بعد مشرفاً على معهد اللغة العربية في لبنان! ويعتبر أول من ترجم القرأن إلى الفرنسية والذي عندما خرج المورسكيون في موراكوش يتهمون فرنسا بـِ “الضهير البربري” الوهمي صنعته فرنسا وطبل له العروبيين خرج جاك بيرك قائلاً بأن “فرنسا لا نية لها في بربرستان” واصفاً الأمازيغ بـِ “المتوحشين الطيبيين”.
بل حتى أن المجاهد عبد الحميد مهري اعترف أن التعريب في الجزائر بعد الاستقلال فرض علينا من طرف الرئيس الفرنسي ديغول . (04)

      ونشير كذلك الى أن فكرة الوطن القومي للعرب كانت فكرة فرنسية فنابليون الثالث أعلن نفسه ملكاً على العرب وكان حلمه تأسيس مملكة عربية من الدزاير إلى مصر بإدارة عبد القادر الجزائري ولكن خسارة نابليون أمام الجيش الروسي حد من أحلامه! ويمكن الإطلاع على كتاب “المملكة المستحيلة – فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث” لـِ الكاتب هنري لورنس وكيف كان نابليون الأول من أوائل من كانوا يدعون لـِ “نزعة عربية وطنية” اثناء حملته على مصر ثم التدخل في الأزمة اللبنانية عام 1860 والدعوة لمملكة عربية في الشام!. (05)
وفرنسا كذلك هي نفسها من قامت عام 1980 بتأسيس معهد العالم العربي القائم على القانون الفرنسي واتفاقية بين فرنسا و18 دولة ، لماذا لا يقول أحد أن العروبة صناعة فرنسية وأن مؤسسي البعث العروبي عملاء لفرنسا وبريطانيا والغرب الذي جند العرب للمحاربة والقضاء على الخلافة العثمانية الاسلامية عن طريق فيروس القومية العربية البعثية في ايطار ما يسمى بالحرب العربية الكبرى ضد العثمانيين ؟ رغم أن هذه الحقيقة موثقة تاريخيا لايختلف فيها اثنان ؟ .

ما علاقة أحد اعضاء الاكاديمية Arab Bessaoud بالفرنسي اليهودي Jacques Bénet ؟:
شهدنا الكثير من المنشورات هنا وهناك تتهجم على الأكاديمة وتتهمها بالعمالة مع الصهيونبة، والدليل الوحيد الذي قدموه هي نص قصير مقتطف من كتاب أحد الاعضاء البارزين في الاكاديمية، وهو المجاهد محند أعراف بوسعود يعبر فيه عن صداقته مع Jacques Bénet الذي أعجب بنضال محند أعراف بوسعود ،والذي قدم له مساعدة كبيرة في حصول المجاهد أعراف بوسعود على اللجوء السياسي في بريطانيا بعد أن طردته الحكومة الفرنسية من التراب الفرنسي بأمر من بومدين ، والمثير للاهتمام أن الدليل الوحيد الذي يستخدمه أنصار العربواسلاميين لتشويه صورة هذا المجاهد في صفوف الجيش التحرير الوطني أثناء الثورة ، هو رسالة كتبها الى صديقه اليهودي Jacques Bénet التي يقول فيها مايلي :

 Si les Berbères, mes frères, devaient un jour se souvenir de moi au point de vouloir honorer mon nom, je leur demanderais instamment de lui associer celui de Jacques Bénet, car sans l’aide de ce grand ami des Berbères, mon action en faveur de notre identité n’aurait peut-être pas connu le succès qui est le sien. Ce serait donc faire preuve de justice que de ---dir---e : Mohand Arab-Jacques Bénet comme on dit Erckmann-Chatrian 

        كما ترون فان الرسالة عادية لكن أنصار الجهل المقدس يتعمدون تضخيم الاشياء لإثارة الفتن ونشر فلسفة الكره التي ركبها نظام بومدين في عقول الجزائريين ، عن طريق استغلال الخطاب المدغدغ للمشاعر (القضية الفلسطينية ، العروبة والاسلام والخطابات الوطنية الجوفاء ) كلها من أجل كسب مشاعر الجماهير التي رفضت انقلابه العسكري على بن بلة ،وكانت النتيجة جيل جزائري يخشع للنشيد الفلسطيني ويصفر على النشيد الجزائري خلال مقابلة لكرة القدم جمع بين فريق جزائري وفلسطيني في الجزائر ، واكثر من ذلك خروج مظاهرات لمساندة الاخوة الفلسطينيين (ونحن لسنا ضد هذا) والسكوت الوطني على احداث الربيع الامازيغي الاسود الذي أودى بحياة 126 جزائري وكذلك أحداث غرداية فيما بعد .

هذا لان شعبنا اليوم لا بفرق بين اليهودية كديانة سماوية اعتنقها أجدادنا الامازيغ قبل المسيحية والاسلام و بين الحركة الايديولوجية الصهيونية التي لا تختلف عن القومية العربية البعثية التي أمن بها و كرسها نظام بن بلة وبومدين في الجزائر بصفة رسمية والتي اعتبرت وطنية وشرف لمن يعتنقها، بينما الامازيغية عنصرية وفتنة تهدد وحدة الامة ؟

     القومية العربية المستوردة الى الجزائر هي نفسها التي تغني بها أحد شعراءهم وهو الشاعر شفيق الكمالي المولود بسوريا والذي يعتبر من المناضلين البارزين في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي قال مقولته الشهيرة عن القومية العربية البعثية ” آمنتُ بالبعثِ ربّاً لا شريكَ له ... وبالعروبة ديناً ماله ثاني ” والذي قال كذلك في قصيدة أخرى مادحا الرئيس العراقي السابق صدام الحسين، الذي يعتبر من أبرز أقطاب القومية العربية البعثية كذلك :
صدام ..
لولاك ما بزغ القمر
لولاك ما طلع الشجر
لولاك ما نزل المطر
لولاك يا صدام ما خلق البشر .

     يتضح لنا جليا أن الامازيغية في الجزائر لا يحاربها الا أنصار هذا التيار الاديولوجي المتعصب الذي يرفض الاخر ويرفض التنوع وهو لا يحارب الامازيغية فقط ، بل حتى اللهجة الجزائرية المحلية التي هي نتاج التلاحق والتثافق بين الثقافات الوافدة الى شمال افريقيا وكذلك نتيجة سياسية التعريب الممنهجة والتي ذابت رغم ذلك في النواة الامازيغية الصلبة ، مما جعل هذه الهجة الجزائرية اليوم لهجة من اللهجات الامازيغية المحلية ايضا ، فهي ذات روح وهيكل لغوي امازيغي حتى ولو كانت بعض كلماتها عربية ، ويتجلى لنا محاربة القومية العربية البعثية لهذه اللهجة الجزائرية والامازيغية فيما كتبه أحد مفكري هذه القومية وهو الكاتب محمد عابد الجابري في احدى كتبه ما نصه :

" إن عملية التعريب الشاملة ،يجب أن تستهدف ليس فقط تصفية اللغة الفرنسية حضارة وثقافة وتخاطب وتعامل ،بل أيضا -وهذا من الأهمية بمكان - العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية منها و" العربية ". ولن يتأتى ذلك إلا بتركيز التعليم وتعميمه إلى اقصى حد في المناطق الجبلية والقروية، وتحريم استعمال أية لغة أو لهجة في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى، وتخصيص برامج، متنوعة ، مخططة، للتربية الشعبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، برامج تستمد مادتها ومضمونها من آفاق وأبعاد الهدف الوطني العام : استكمال التحرير والبناء الاشتراكي ، وتقدم بلغة عربية فصحى مبسطة ومدرسة، مع العناية الفائقة بالحوار والمناقشة " .

وهو نفس ما قامت به القوى الاستعمارية مع كل الامم التي غزتها بإخضاع تلك الشعوب واستعبادها بعد تجريدها من لسانها وهويتها وتاريخا الحقيقي .

مذا قدمت الأكاديمية البربرية للامازيغية والامازيغ ؟:
قد لا يصدق البعض أن الاكاديمة البربرية هي مجرد هزة فكرية ارتدادية للهزة الكبرى المعروفة تاريخيا بي ” الأزمة البربرية ” سنة 1949 حتى ولو أني لا أحب تسميتها بالأزمة البربرية لان الحقيقة هي أزمة عروبية فالامازيغية في وطنها وبين أهلها والفكر العروبي للقوميين العرب هو المستورد الى الجزائر فتصادم مع الفكر الامازيغي الذي كان مجرد ردة فعل طبيعية والذي يرفض كل الافكار المستوردة الى الجزائر وخاصة السياسية منها مما احدث ذلك الصراع سنة 1949 كاد أن يعصف بالبلاد ومن فيها .
الكثير من مؤسسي الاكاديمة البربرية متأثرون بالحركة وأفكر البربريست وخاصة أعراب بوسعود فقد كان في خلاف حتى مع الدا الحسين رحمه الله وقيل أنه شتم الدا الحسين أيضا ، يضن الكثير أن هذا مندرج ضمن خلاف جماعة البربريست مع الدا الحسين وبعض القادة الثوريين من منطقة القبايل الذين وقفوا ضد البربريست وساندوا انصار القومية العربية البعثية ويذكر أحد البربريست المدعوا رشيد على يحي أنه تكلم مع كريم بلقاسم الذي وقف ضدهم ايضا وقال له كريم أنه ندم لانه لم يقف الى جانب البربريست خلال الثورة وأنهم كانوا على حق من تخوفهم من العروبيين المتأثرين بالفكر البعثي لشكيب ارسلان الذي استطاع تغير توجه مصالي الحاج واقناعه بفكرة القومية العربية البعثية مما أحدث الازمة البربرية كما أسلفنا الذكر . (06)
لقد ساهمت الاكاديمية البربرية في انتقاء الكتابة الامازيغة التيفيناغ المنتشرة نقوشها في جميع انهاء شمال افريقيا كما قاموا بتبني الكتابة الامازيغية المعمرية اللاتينية وألفوا كتب في تاريخ الامازيغ وكذلك مطبوعات كانت ترسل بطرق سرية الى الجزائر بسبب ديكتاتورية النظام المعارض للامازيغية في ذلك الوقت . (07)

وأفتح قوص هنا للرد على الدكتور عثمان سعدي الذي قال في مقاله أن الامازيغية الحالية هي من صناعة مخابر الاكاديمة البربرية وأقول له وهل العربية الحالية من صناعة أبو جهل مثلا ؟ أليس ما نسميه الآن بـ”الحرف العربي” أو “الخط العربي” هو حرف لم يتطور في الحجاز ولا مكة ولا المدينة (يثرب) ولا حتى في اليمن، وإنما هو حرف مشتق من حرف شامي/عراقي هو الحرف السرياني (سوريا والعراق) أو الحرف النبطي (الأردن) وهما مشتقان من الحرف الآرامي المنتمي أيضا إلى الشام والعراق. وينقسم الأكاديميون حاليا حول أصول الأبجدية العربية إلى فريقين: فريق يرى أن الحرف العربي مشتق من الحرف النبطي، وفريق آخر يرى أن الحرف العربي مشتق في جزئه الأكبر من الحرف السرياني. فلما العبث بأصولك يا دكتور ؟ (08)
اليس العجم هم من طوروا العربية وأبدعوا فيها ؟
أليس أوّل مَن نظم الألفية في العربية هو جزائري أمازيغي الأصل، هو العلامة شيخ النّحو زين الدّين أبو الحسين يحيى بن عبد المُعطي بن عبد النّور الزّواوي ؟ أليست الأجرومية العربية من وضع الإمام ابن آجروم الصنهاجي الامازيغي الفاسي (ت 723هـ) أليس مؤسس النحو العربي هو الفارسي سيبويه ؟

ألم يساهم العجم الغير مسلمين كذلك نشر الأدب والتراث العربي أمثال (هوينرباخ، هيرشبورج، واجنر،هوخهايم ادولف، هابخت مكسميليان ، هارمان اولريخ )…وغيرهم من المستشرقين ،ما الذي يمنع الامازيغية إن ساهم فيها أجانب وحتى ولو كانت بنية استعمارية في تلك الفترة، فقد استفاد باحثوا اللسان الامازيغي من الاعمال التي قام بها فريق الكاردينال لافيجري بما فيهم الاستاذ ملود معمري ،بعد نفض الافكار المؤدلجة فيها وقراءتها بعين الموضوعية، فمن المعلوم أن ما قام به بعض الباحثين الفرنسيين في دراسة اللهجات الجزائرية الدرجة منها أو الامازيغية يندرج ضمن العمل الاستشراقي الفرنسي كذلك لغرض فهم ودراسة المجتمع الجزائري لتسيهل اخضاعه أو تنصيره وتلك الاعمال موجودة حتى الان في المكاتب نختصر منها :
Essai de dictionnaire français-kabyle (zouaoua) par Jean-Baptiste Creusat (1873) .
Dictionnaire français-berbère, dialecte écrit et parlé par les Kabaïles de la division d Alger, par Amédée Jaubert (1844)
Grammaire et dictionnaire abrégés de la langue berbère par Jean-Michel Venture de Paradis & Amédée Jaubert (1844)
Dictionnaire français-touareg, dialecte des Taïtoq (sud Algérie) par É—mile Masqueray (1893)
Essai de catalogue des noms arabes et berbères de quelques plantes, arbustes et arbres algériens et sahariens ou introduits et cultivés en Algérie, par Fernand Foureau (1896)
وهناك غيرها طبعا ، مشكلتنا أننا نشاهد الامور بزاوية منغلقة ومتعصبة فقط وبخلفيات سلبية مركبة في عقولنا وهي من مخلفات الاستعمار وسياسيات النظم الحاكمة بعد الاستقلال، التي لم تختلف عن سياسية الاستعمار كثيرا.

فاذا كان أجدادنا قد اخترعوا التيفيناغ التي تعني ثيفي (اكتشاف) ناغ (نا) أي اكتشافنا وهي أقدم كتابة للانسان على وجه الارض حسب اكتشاف أخير لعالم بريطاني (09)، وكان الخط يتماشى مع نمط حياتهم في ذلك الزمان فما الذي يمنع أحفادهم كذلك أن يخترعوا كتابة أمازيغية حديثة تتماشى مع متطلبات العصر الحالي، أتكلم عن الحرف اللاتيني الذي وضعه الاستاذ ملود معمري وليس عن التفيناغ التي نعتزبها كذلك بها ولم يهملها أهلها بل تم احياءها أيضا من طرف الاكاديمية وقام المعهد الملكي للامازيغة بتبنيها فيما بعد .
والخط اللاتيني لا يعني الفرنسية كما يظن البعض بل هو الخط الذي تكتب به أغلب لغات العالم الحية بما فيهم الانجليزية التي صدع العروبيين بها رؤوسنا وكأنها ليست لغة العدو أيضا أم أن غزو الانجليز لبلدان المسلمين حلال ؟

وما يجهله الكثير أن الابجدية الامازيغية المعمرية اللاتينية (نسبتا الى الاستاذ ملود معمري ) تتكون من 35 حرف بينما اللاتينية (الفرنسية) لها 26 حرف و29 حرف في العربية باحتساب الهمزة والألف ، وهذا يعني ان كل من العربية والفرنسية عاجزتين على تغطية كل الاصوات المنطوقة في الامازيغية، أما عن سؤال أي لغة ستكتب بها الامازيغية فهو من اختصاص المختصين في اللسان الامازيغي فقط دون غيرهم فأهل مكة أدرى بشعابها ولا دخل للسياسية في هذا النقاش العلمي .

لقد ساهمت الاكاديمة البربرية في احياء الوعي الأمازيغي لدى الشباب الامازيغي المتحمس من جديد وخاصة القبائلي منه، الذي عبر عن الحماس المتراكم في وجدانه عن طريق شن اضربات طلابية هنا وهناك للتعبير عن رفضهم للوضع القائم أنذاك في الجزائر، والمطالبة بالانفتاح الديمقراطي والثقافي والسياسي حتى جاء اليوم الموعود الذي غير الوضع في الجزائرو شمال افريقيا، وهو الربيع الامازيغي في 20 افريل سنة 1980 بعد أن منعت السلطات الجزائرية الاستاذ ملود معمري من القاء محاظرة حول شعر الفيلسوف والشاعر الجزائري القبائلي سي محند اومحند ، فاعلن الطلاب اضرابا عاما في الجامعات وساندهم تلاميذة الثانوية وحتى العمال وانتقل الحراك الى جامعات العاصمة الجزائرية ، وفي يوم 20 أفريل اقتحمت قواتُ الأمن الإقامة الجامعية بتيزي وزو ليلا، فمارسوا العنف مع الطلبة وما أن وصل الخبر الى قرى جبال جرجرة حتى امتلأت شوارع مدينة تيزي وزو بالمتظاهرين ، وكانت تلك أول وأكبر مظاهرة شعبية منذ الاستقلال كسر بها الشعب الجزائري عقدة الخوف من النظام الديكتاتوري ولم تهدأ الأمور رغم الاعتقالات بل توسعت المطالب فتم تأسيس أول رابطة حقوق الإنسان في الجزائر ، وجمعية خاصة بأبناء الشهداء، كذلك ظهرت الحركة الثقافية البربرية MCB التي تكفلت بالدفاع عن القضية الأمازيغية. ، وكان الربيع الامازيغي سبب مباشرا وأرضة صلبة لاحداث 5 أكتوبر في الجزائر والتي أفرزت عنها التفتح الاعلامي والتعددية الحزبية .

خلاصة :
يتظح لنا بعدما سردنا أن تهجم العروبيين على هذه الاكاديمة والامازيغية بصفة عامة وبشكل مبالغ فيه وتلفيق الاكاذيب وتأويل المفاهيم على سنة ويل للمصلين دون أي دليل ما هو الا حقد دفين على ما قدمته للجزائر لان العروبيين (انصار القومية العربية البعثية) أمثال الدكتور عثمان سعدي وأحمد بن نعمان وغيرهم كانوا اكثر المستفيدين من ذلك الوضع التي كانت تعيشه الجزائر خلال زمن الاحادية والنظام الديكتاتوري الشمولي وفكرة الدولة اليعقوبية الفرنسيىة الذي تبنتها فكرة حزب البعث الاشتراكي المتنكر لكل ما هو جزائري أصيل ويعادي التنوع الثقافي واللساني في الجزائر الذي هو أية من آيات الله في خلقه ” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ— إِنَّ فِي ذَٰ—لِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ” ﴿ الروم٢ ٢) وهذا التنوع مظهر صحي للمجتمع و كنز ثمين للأمة الجزائرية لو أدرك حكامنا حسن استغلاله .

……………………………….
هوامش :
^ العربواسلاميين : نقصد بهم أنصار القومية العربية البعثية والاسلاميين من تجار الدين .
^ العروبيين : أنصار القومية العربية البعثية .
^ البربريست : وهم جماعة من الوطنيين في حزب الشعب الجزائري معظمهم من منطقة القبايل رفضوا فكرة القومية العربية في الحزب وأقترحوا فكرة الجزائر جزائرية كبديل للجزائر العربية الاسلامية وهي فكرة رفضتها قادة الحزب أيضا مما سارع في تفجيرة الازمة البربرية في حزب الشعب سنة 1949 ، ومن أبرز القادة الوطنيين المنتمين الى البربريست هم “علي يحيى، وبناي واعلي، عمر أو صديق، وعمار ولد حمودة، والصادق هجريس، وعلي عيمش ومبروك بن الحسن، ويحيى هنين، والسعيد أوبوزار، وبلعيد آيت مدري .
(01) مقال للدكتور عثمان سعدي على موقع الحياة العربية بعنوان ” الاكاديمة البربرية في باريس حاولت تشويه الامازيغية والقبائلية ” الرابط
(02) كتاب رابح لونيسي ،الجزائر في دوامة الصراع بين العسكريين والسياسيين .ص 72 .

(03) بقاء الجيش الفرنسي في الجزائر إلى سنة 1978 بموافقة و مباركة هواري بومدين 
…………………………
(04) L’arabisation nous a été imposée par De Gaulle
(05) l arabisation du Maghreb un projet francais
(06) la crise berberiste 1949 rachid ali yahia 

(07) Conférence de Ramdane Achab 

(08) : A History of Writing Steven Roger Fischer
(09) Tifinagh language tamazight is the oldest Language of the History 

…………………………

بفلم : مصطفى صامت .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ ممنوع !!