الاستغلال الايديولوجي للهوية الوطنية في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي

    لقد عانى الشّعب الجزائري لمدة قرون من ويلات الاستعمار المتعاقبة،بدءا ًبالرومان وصولاً الى الاستعمار الفرنسيّ، أفقدته سيادته و أُقصي عن المشاركة في بناء وتسيير الدولة ووضعِ أسسها ومعالمها ، عملت جميعها على طمس هويته، و لكن رغم كل ذلك احتفظ بهويته من انتماء و لغة و دينٍ ، و عرف وحدة و تكاملا شعبيا حقيقيا بعيدا عن الصراعات الإثنية و الطائفية.
ولعلّ أول من خاض و وظف مسألة الهوية كان الاستعمار الفرنسي في اطار حملته الاستيطانية المبنية على سياسة “فرِق تسد” ، فحارب العنصر العربي بالأمازيغي قبل ثورة المقراني عام 1871 ثم حارب الامازيغي بالعنصر العربي خلال القرن 19 وبداية القرن العشرين بعد ميلاد و تصاعد القومية العروبية بالمشرق بدعم فرنسيي ثم حارب العنصر العربي بالعنصر البربري بعد الحرب العالمية الثانية.
فأولد بذلك صراعا لدى النخبة ثم انتقل الى الحركة الوطنية السياسية ، إلا أن ذكاء مناضلي المنظمة الخاصة التى تولدت عن حزب الشعب الجزائري كان اكبر من دهاء الفرنسيين ، لما ّتجاوزوا الجدل بإعلان حرب تحريرية جزائرية لا شرقية و لا غربية .فاِلتف الجميع حولها محققة الإنتصار المنشود ، استرجعت الجزائر سيادتها بعد قرون من الإستبداد.

1-جذور ايديوجية الهوية:
لم تكن مسألة الهوية مطروحة قبل الاحتلال الفرنسي، فأغلب المخطوطات و الكتابات العربية و اللاتينية قبل الاستعمار لم ترد عن حدوث صراعات اثنية أو طائفية بين الجزائريين بسبب اللغة أو الدين ،ولم تكن متفقة على تسمية موحدة للشعب الجزائري ، فكثيرا ما نجد مثلا في المخطوطات والخرائط المرسومة باللاتينية و الإسلامية تسمية المنطقة بالشمال الافريقي (تسمية جغرافية)، بلاد البربر (تسمية إثنية)، بلاد المغرب (نسبة للإنتماء الاسلامي)، الجزائر….
وكانت التسمية المشاعة و المتفق عليها في بداية الاحتلال هي الأهالي المسلمين (indigènes musulmans ) وهذا ما نجده في النصوص و الوثائق الرسمية للسلطة الاستعمارية.
وما بعد أن بدأت فرنسا تبسط نفوذها على المنطقة ، حتى ظهرت عدة تسميات تداولها الضباط العسكريين ثم المدنيين ( من حكام و رجال الدين و الأكادميين ) ،أولها كان : الأهالي المسلمين ، ثم انتقلت الى التمييز بين مجموعتين اثنيتين هما: القبائل و العرب، ثم العرب و البربر،وهذا ما ورد في كتابات العسكريين الأوائل كالجنيرال دوفيفي Duvivier في سنة 1841 و العقيد دوماسDaumas في 1844، اللذين يعتبران أن الجزائر مشكلة من عنصرين هما : العنصر العربي و العنصر القبائلي( البربري).و منهم من ذهب للبحث في الفوارق بين العرب و البربر من حيث الشكل و الذكاء و القدرة على الاندماج مع السياسية الاستعمارية.
عملت هذه السياسة الاستعمارية على زرع بذور التفرقة بين ابناء الشعب الجزائري،بخلقها كل من الأسطورة البربرية و الأطروحة العروبية، و قد عبر عن هذه الفكرة العقيد كاريت ،الذي قال” من المستحيل ان يتحالف القبائل مع العنصر العربي، لأن العرب انتصروا على القبائل وطردونهم الى الجبال ,,,,,”

2- ظهور ايديولوجيا ” الأمة العربية” المتنكر لإنتماء الأمازيغي كبديل لـ” المة الاسلامية” :
إن فكرة العروبة كايديولوجيا أولتها فرنسا الاستعمارية بهدف البحث عن منافذ للسيطرة على شمال افريقيا و المشرق،ثم استغلتها لتعريب المناطق البربرية الثائرة ضدها كسياسة انتقامية،ولكن مع انتشار القومية العربية بالمشرق وظهور الحركات التحررية ، خشيت فرنسا من قدومها الى الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية فحاولت مقامتها بالبربرية كما حدث في المغرب ثم الجزائر.

أولا: العروبة فكرة فرنسية
ولعل أول من استعمل مصطلح “الأمة العربية” كان “نابليون الثالث”الذي احتك كثيرا بالأمير عبد القادر أثناء اقامته بفرنسا، لما أراد أن يؤسس لما يسمى ب”المملكة العربية “التى تمتد من المغرب الى المشرق تكون تحت وصايته سنة 1863، لكن هذه الفكرة لم ينتج لها النجاح بعد رفضها من طرف المجلس الفرنسي، وكانت الإدارة الاستعمارية الدنية أول من نشأ ما يسمى ب: المكاتب العربيةbureaux arabes في الأقاليم وذلك بعد القضاء على ثورة المقراني 1871، ثم عمل على تعريب اسماء العديد من القرى و المدن في المناطق الأمازيغية ، و فرض ألقاب عربية على الأهالي في نفس المناطق سنة 1891، أي محاربة الأمازيغية بالعروبة.
و تتجلى سياسة التعريب أيضا في السياسة المدرسية حيث الى غاية 1870 تم تأسيس أكثر من 30 مدرسة عمومية ابتدائية (فرنسية –عربية) و ثلاث ثانويات ( فرنسية –عربية) على نفقة الدولة، وهناك من المعمرين و الصحافة من انتقد هذا النوع من المدارس المختلطة .و بخصوص تعليم اللغة العربية اصدر جول فيري تعليمات سنة 1880 قائلا فيها “ليس في نيتنا تدمير اللغة العربية في الجزائر” وهي محاولة لإستدراك المعربين الى جنبهم ضد البربر,
كما تقرر سنة 1895 منع التحاق الأهالي بمهنة القضاء إذا لم يكن قد دخل المدارس العربية ، الامر الذي شجع الكثير من المتعلمين التوجه الى الازهر او القروين او الزيتونة والعودة بشهادات في العربية قصد توظيفهم من طرف الإدارة المدنية في القضاء و الأمن، و بخصوص الدراسات الجامعية تشير الاحصائيات لسنة 1914 أن عدد المجازين في اللغة العربية كان 33 مقابل 3 في اللغة الامازيغية.

ثانيا: التحول نحو الإيديولوجية العروبية
و مع بداية القرن العشرين بدأ ما يسمى بالقومية العربية في المشرق في الانتشار كمشروع لمواجهة بقيا الخلافة الاسلامية العثمانية في كل من السعودية و سوريا و مصر و لبنان، لا سيما بعد ظهور نخب جديدة من المشارقة في فرنسا و جونيف ترى فكرة الوحدة العربية panarabismeكبديل لمشروع الأمة الإسلامية الفاشل panislamisme .وحسب دعاتها أن المشرق يوحده اللغة العربية (العروبة ) كعامل نهضة و يفرقه الدين الإسلامي بسبب وجود ديانات أخرى كالمسيحية و اليهودية،وهناك من الفرنسيين المهتمين من رأى أن القومية العربية ستصل لا محالة الى دول شمال افريقيا بسم الروح القومية، وتمكنت من عقد أول مؤتمر عربي سنة 1913 في باريس تحت نفوذ السوريون و اللبنانيين المقيمين بفرنسا ، وقد صرح شكيب ارسلان” العالم العربي من الخليج الى الاطلسي بدأ يدرك وحدته العقائدية و الثقافية، وكانت العروبة و الوطنية تسيران جنبا الى جنب و أنهما ايديولوجيتين تعتمد على الوحدة اللغوية والعرقية و الدينية ” وكان شكيب ارسلان المقيم في جونيف ينشر دعايته من هناك من خلال مجلته “الوطن العربي la nation arabe ” ذات الانتشار الواسع في المنطقة المغاربية
و قد نظم شكيب ارسلان مؤتمر القوميين العرب عام 1930 بمدينة القدس و ناقش هذا المؤتمر خطورة القضية البربرية بالمغرب
حيث كانت الجزائر الى ذلك العهد ،عكس المشرق يوحد شعبها الدين الاسلامي و ثنائية اللغة ( الأمازيغية و العربية ) في الأوساط الشعبية في المدن و الأرياف ، و لكن نتيجة احتكاك بعض المثقفين الجزائريين بزملائهم بالمشرق و الجامعات الفرنسية تمكنت هذه النخب من الانضمام الى المشروع ،لاسيما بعد الحرب العالمية الاولى وبدأت في نضالهما و التعبئة حول” مشروع العروبة”على حساب الانتماء الإمازيغي من أجل تجسيده في الجزائر كبديل للمشروع الاستعماري .من الرواد الاوائل لهذه الايديولوجية العروبية : التوفيق المدني ، بن باديس.مبارك الميلي،الطيب العقبي،برعاية وغض النظر الإدارة الفرنسية …

ثالثا: العروبة اداة لمحاربة الأمازيغية بالوكالة
وقد عمل ابن باديس و اخوانه مرارا التأكيد منذ 1925 ايمانهم بعروبة الجزائر، و شخصيتها العربية و الاسلامية عبر شعارات الامة والشعب و الوطن و القومية وهي الفاظ استعارتهها من الصحافة العربية بالمشرق، وكان ابن باديس شديد التواصل مع شكيب ارسلان ويراسل ايضا مفتي القدس الشيخ امين الحسني رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة للمؤتمر الاسلامي الذي تحول فيما بعد الى جامعة الدول العربية.
وكانت المنشورات الصادرة عن الاصلاحيين تجمع دوما بين التأثير بمآثر التاريخ العربي الاسلامي ومآثر المغاربة والجزائريين ، وقد ضل ابن باديس يكرر لتلاميذه: إن شمال افريقيا واحدة وهي وطن واحدا و وحيدا بفضل اللغة العربية والعقيدة و التاريخ والمصالح” ,فربطوا الدين باللغة العربية الى حد اعتبار من لا يتكمل بها كفرا، وهذا ما ذهبت اليه جمعية العلماء في احدى مقالاتها:” أن كل من يبتعد عن اللغة العربية يبتعد عن عبادة الله و أن كل من يبتعد عن عبادة الله حق عليه عذاب اليم”
وأخطر من ذلك أقامت بحملة ضد الكاتب والأديب محند سعيد بوليفة Boulifa الذي كتب مؤلفه المشهور “تاريخ جرجرة” سنة 1925،واتهموه بتزيف التاريخ ، ونفس الموقف ضد هنساي لاهماكhesnay-lahmek الذي نشر كتاب “رسائل جزائرية” و الذي تناول فيه مآثر البربر الذين انجبوا مسينيسا و يوغرطة و سانت اغسطس الذي كتب أنه “يشعر بالانتماء الى هذا الاخير اكثر من الانتماء الى عقبة بن نافع”.
ومن التصريحات العنصرية نذكر ما ذهب اليه توفيق المدني الذي صرح قائلا “ان بلاد الزواوة اصبحت اليوم في خطر جسيم في نظر الدين و اللغة العربية وجب القيام بفتح ديني جديد”.
وأمام تعاضم المدافعين عن الهوية البربرية ، رد عليهم اين باديس قائلا ” لقد وحد الاسلام منذ أكثر من عشرة قرون بين أحفاد مازيغ ويعرب “، أما أحمد توفيق المدني فقد سعى جاهدا في تفسير و تأويل مقدمة ابن خلدون للتأكيد أن أصل البربر والعرب أبناء عمومة.
وفي هذا الإطار يمكن القول أنه و دون البحث في نوايا المثقفين العروبيين بخصوص دفاعهم المستميث عن العروبة و العربية ، إلا أنهم عملوا جاهدين على طمس وانكار بل أحيانا محاربة الهوية الأمازيغية عن قصد أو عن غير قصد التى كانت متوافقة مع الأطروحة التى نسجتها فرنسا ، و المستفيد الأكبر كانت فرنسا الاستعمارية.

3-ظهور النزعة البربرية لمواجهة المشروع العروبي :
وظفت فرنسا المسألة البربرية بهدف استدراج القبائليين الى جانب المحتليين خلال فترة ما قبل انتفاضة القبائل عام 1871،ثم تراجعت بعد ذلك لصالح الاطروحة العروبية كرد فعل ضد القبائل الثائرين ، ثم عادت الى المسألة بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945 نتيجة لتحالف القوميين العرب مع النازيين الألمان.

أولا: تفضيل العنصر البربري قبل ثورة القبائل
حيث يعترف العديد المؤرخين أمثال شارل روبير اجرون بوجود مايسمى بالأسطورة القبائلية في سنوات 1837 الى 1957، والتى عمل بعض الفرنسيين ترويجها بدءا من 1863 لمواجهة مشروع “المملكة العربية” لنابليون الثالث، والتى كان الدكتور فاريني warnierيسميها الخوف من العروبة “العروبومانيا” .
وعملت الادارة الاستعمارية في البداية بتزويد منطقة القبائل بتنظيم اداري خاص يرتكز على المؤسسات العرفية مثل : ثاجماعث،و تم ومنح السلطة القضائية الى ثجماعث،و القانون المطبق يتجسد في القانون العرفي ،و كذلك منطقة المزاب وقد سعى بعض الضباط أمثال هانونتو الى تعميمه على كل بربر الجزائر,
أما بخصوص اللغة الأمازيغية ، فقد استحدثت الإدارة الفرنسية عام 1882منحة دراسية للموظفين الراغبين في تعلم اللغة الأمازيغية، وفي عام 1885، تم انشاء كرسي لللهجات البربرية بكلية الآداب بالجزائر.

ثانيا: محاربة الهوية الأمازيغية بالعربية والعروبية
و سرعان ما تراجعت هذه الاسطورة ، بعد أن تيقن للفرنسيين أن القبائليين قوم لا يمكن ترويضه, فألغت سنة 1890 نظام “ثجماعث “القضائي، وفرضت على السكان “القضاء الفرنسي”،و الذي قاطعه أهالي المنطقة و لمدة طويلة،كما ألغت النظام الاداري التقليدي لشيخ القبيلة. و قد كتب شارتريو في مجلة دراسات جزائرية سنة 1893″يوجد وهم يجب القضاء عليه، ويتجسد الوهم الذي افرز التمييز بين العرب و القبائل”و خلص القول أن” فرط اهتمامنا بالقبائليين سوف تنتهي الى الاتجاه للشعب البربري بوعي تاريخي، و لا شيئ يمنعهم حينئذ من رمينا في البحر ”
و عملت الادارة الاستعمارية في اواخر القرن 19 و بداية القرن 20 على فرنسة ما يمكن فرنسته و تعريب ما يمكن تعريبه،فبعد ان اصبحت الادارة مفرنسة، عملت جاهدة في المجال القضائي الى اصدار الاحكام القضائية بالفرنسية او العربية فقط بعد ان كان في وقت سابق تصدر بالامازيغية وفقا للقانون العرفي ،
وفي عام 1913،اعترف البروفيسوران doutté وguautier بتراجع مكانة اللغة البربرية والناطقين بها مقابل انتشار واسع للغة العربية لاسيما في منطقة الاوراس و القبائل، حيث يعترف الاستاذان أن تقهقر الامازيغية حل مكانها اللغة العربية وليس الفرنسية. وقد صرح مسؤول شؤون الاهالي بمدينة الجزائر في نفس السنة ” ان الجزائر المسلمة تشكل كتلة،و لم يكن البربر اكثر قربا الى فرنسا من العرب”وهناك من قال حسب اجيرون ان الادارة الفرنسية اسلمت و تعربت.
حيث لما بدأ تعاضم التيار العروبي في المشرق، و تبنيه من قبل عدد من قادة الحركة الوطنية في التيار الإصلاحي كإبن باديس و البشير الإبراهيمي والعربي التبسي من جمعية العلماء المسلمين و بعض قادة حزب الشعب الجزائري، تنبهت فرنسا لخطورة مشروع ” الأمة العربية ” بعد التطورات التى طرأت في المشرق من حركات تحررية تمكنت من القضاء على الخلافة العثمانية الاسلامية ، فلجأت فرنسا الى محاربة هذه الإيديولوجيا القومية العربية عبر صحافتها بنشر دراسات تؤكد “أن الجزائر ليست عربية و لا تنتمي إليها و أن لا لهذه القومية أي حق طبيعي على شمال افريقيا و أن أصل سكانها أمازيغي “.

ثالثا: الأزمة البربرية أو أزمة معاداة البربرية (1948-1949)
واما عند النخب الجزائرية فقد انقسمت على نفسها ، ففي تلك المرحلة اشتد تصاعد التيار العروبي لدى البعض معلنا و لائه للمشرق العربي متنكرا للبعد الأمازيغي للشعب الجزائري عبر الصحافة و الكتب و اشهرها مقولة الشيخ ابن باديس ” شعب الجزائر مسلم و الى العروبة يتنسب” و ظهر الرفض و المقاومة لدى البعض الأخر لاسيما في صفوف الطلبة ابتداءا من سنة 1945,الذين كان أغلبهم من التيار الاستقلالي ” حزب الشعب الجزائري” و منخرطي الكشافة الاسلامية الجزائرية عبر كتابة أناشيد و قصائد ثورية باللغة الأمازيغية تدعوا الى الإستقلال و اتحاد شمال افريقيا اشهرها ” Ekker a mis umazigh itij ennagh youli”بالعربية تعني ” استيقض يا ابن مازيغ شمسنا اشرقت”.
وفي اواخر 1948، أرسلت قيادة حزب الشعب حركة انتصار الحريات الديمقراطية بيانا من 50 صفحة الى الامم المتحدة نصت فيه على أن ” الجزائر أمة عربية و إسلامية منذ قرون”، وقد قام مصالي الحاج بذلك تحت ضغط كل من عزام باشا امين عام الجامعة العربية و شكيب ارسلان اللذان يحلمان بانشاء امبراطورية عربية اسلامية.
هذا التقرير لقي معارضة شديدة من قبل المناضلين التقدميين بالحزب الذين يرون ذلك تزييف للتاريخ ، و ان الامة الجزائرية موجودة قبل مجيء الاسلام، وان الامازيغ موجودين قبل الاف السنين. وفي هذا الحراك ظهر سنة 1949ما يسميه العروبيين بـ” الأزمة البربرية ” أو “أزمة “معاداة البربرية ” لدى دعاة البربرية.
وتتلخص أصل الأزمة في توجيه بيان يحمل تسمية “الجزائر الحرة ستعيش “من طرف مجموعة من الطلبة منهم : رشيد على يحي ،بلحوسين مبروك،هنين يحيى صادق هجرس، سعيد اوبوزار، الى قيادة حزب الشعب الجزائري يرفض فيها النص على ان ” الجزائر عربية” في وثائق حزب الشعب و يقترحون كبديل ” الجزائر جزائرية ” و قد استغل مصالي الحاج القضية لوضع حد لضغط المنظمة الخاصة التى تنادي بالاستعجال لتفجير الثورة و على رأسها حسيين أيت أحمد ،فوقعت المحاكمة الشهيرة لحسيين أيت أحمد من طرف قيادة الحزب التى أدت الى تنحيته من على رأس المنظمة الخاصة بعد أن أعرب عن تضامنه مع موقعي البيان من حيث المبدأ و اختلافه معهم من حيث التوقيت، كونه في أتم الإستعداد لتفجير الثورة.
وبخصوص تلك الأزمة علق عليها حسين أيت أحمد في احدى كتاباته قائلا:” لقد فضلت أن تكون الجزائر عربية على أن تكون فرنسية ، لكن وجدت من أرادها أن تكون فرنسية على أن تكون أمازيغية ” .

رابعا : موقف بيان أول نوفمبر و مؤتمر الصومام من مسألة الهوية
تقرر تفجير الثورة من طرف مجموعة من الشباب الذين كانوا مناضلين في حزب الشعب الجزائري و المنظمة الخاصة ، رغم تكوين غالبيتهم من المدارس الفرنسية ، إلا أنهم كانوا أكثر تصميما على التحرر و الاستقلال ، و بفضل حنكتهم و احساسهم بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، تنبهوا لعدم الخوض في الهوية و الايديولوجيات المرتبطة بها،و اكتفوا بالعنصر التى يشترك فيها كافة الشعب الجزائري و هو الإسلام ، حيث نص بيان أول نوفمبر على ” اقامة جمهورية جزائرية ديمقراطية في اطار القيم الاسلامية “.
أما المسائل الأخرى المرتبطة بالهوية فد تركت لما بعد الاستقلال،الأمر الذى أدى الى التفاف الجميع حول الثورة تدريجيا، و إن كان العروبيين في البداية كانوا حذرين من مشروع الثورة بسبب عدم معرفتهم لقيادتها.
لكن حرب التحرير عرفت انزلاقات في مسارها لاسيما كان اغتيال العديد من المناضلين من أجل القضية الأمازيغية في ظروف غامضة ، منهم : بناي وعلى ، مبارك أيت منقلات، ولد حمودة، أوصديق….

خاتمة:

      كان الشعب الجزائري أمازيغي الأصل،كان الشعب قبل الاستعمار الفرنسي واثنائه وبعده ثنائي اللغة (امازيغية و عربية ) وموحد الدين (الإسلام). فعملت الإدارة الاستعمارية على تفكيك الهوية الجزائرية بمحاربة الأمازيغية باسم العروبة ، ثم محاربة العروبة باسم البربرية.
في بداية القرن العشريين ظهرت القومية العروبية كبديل لفشل الخلافة الاسلامية، ولقى المشروع تجاوبا لدى النخبة الوطنية المعربة .و تجسد خاصة بعد تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945 ، وتعديل النصوص الأساسية لحزب الشعب الجزائري الذي حدد هوية الجزائر بأنها أمة عربية إسلامية ، و هو الطرح الذي رفضه جزء من مناضلي نفس الحزب. كانت الأزمة البربرية سنة 1949، أزمة سياسية في الحركة الوطنية ، ولم تكن أزمة هوية، بمعنى أن الإستعمار فكك هوية الشعب الجزائرين وحارب كل ابعادها الثلاثة.
لكن بعد الإستقلال مارست السلطة الحاكمة نفس السياسة للإستحواذ على الحكم و البقاء فيه،فاستنجدت السلطة في الستينات و السبعينات من القرن الماضي بالعروبيين، في مخطط محاربتها للمعارضين السياسيين ، فزرعت الفتنة بين النخبتين. وكرد فعل ضد للديكتاتورية و سياسة التعريب بالقوة لاسيما في المناطق الناطقة بالأمازيغية، ظهرت في الستينات و السبعينات حركات سرية تناضل من أجل الثقافة الأمازيغية من ادباء و مفكرين و سياسيين و طلبة و فنانين.و كثيرا منهم تعرض للاعتقال والسجن و النفي.

بقلم الأستاذ :  موزاوي علي ، استاذ و باحث جامعي. جانفي 2018

جامعة  مولود معمري – تيزي وزو –

mouzaouiali@yahoo.fr

المراجع:

:I-ouvrages 

Aït-Ahmed, Hocine , Mémoires d’un combattant. 1, L’esprit d’indépendance : 1942-1952, S. Messinger (Paris),1983.

Alain Mahé, Histoire de la Grande Kabylie, XIXe-XXe siècles: anthropologie historique du lien social dans les communautés villageoises, Bouchène, 2001.

Ali Yahia, Abdennour, La crise berbère de 1949, portrait de deux militants, Ouali Bennaï et Amar Ould-Hamouda : quelle identité pour l’Algérie? Éditions Barzakh, Alger. 2013

Belkassem ben Sedira,Manuel épistolaire de langue arabe à l’usage des lycées, collèges & écoles normales de l’Algérie : cadre épistolaire, formulaire administratif, lettres manuscrites diverses, avec transcription, notes et vocabulaire , A. Jourdan (Alger),1893.

Boulifa, Ammar ou Saïd, Le Djurdjura à travers l’histoire : depuis l’Antiquité jusqu’à 1830 : organisation et indépendance des Zouaoua (grande Kabylie),

Caix de Saint-Aymour, Questions algériennes. Arabes et Kabyles, P. Ollendorff (Paris), 1891
Charles-Robert Ageron ,Histoire de l’Algérie contemporaine : 1830-1988, Paris, Presses Universitaires de France,1990.

Mahfoud Kaddache, Histoire du nationalisme algérien 1919-1951, Paris-Méditerranée,2004.

:II-Articles

   ANCEAU Eric,NAPOLÉON III ET ABD EL-KADER , URL :ICI

Dakhli Leyla, « Arabisme, nationalisme arabe et identifications transnationales arabes au 20e siècle », Vingtième Siècle. Revue d’histoire, 2009/3 (n° 103), p. 12-25. URL : https://www.cairn.info/revue-vingtieme-siecle-revue-d-histoire-2009-3-page-12.htm
J. Bringau (Alger),1925.Ouerdane Amar. La «crise berbériste» de 1949, un conflit à plusieurs faces. In: Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, n°44, 1987. Berbères, une identité en construction. pp. 35-47
SPILLMANN Georges , LE ROYAUME ARABE D’ALGÉRIE ; URL: ICI 

:III-Documents 
Délégations financières algériennes / Gouvernement général de l’Algérie, Imprimerie et papeterie Galmiche (Alger), 1936 .
Instruction générale relative à l’état civil, Journaux officiels (Paris), 1983,
Rapports préliminaires. Vol. 1 / Institut colonial international, XXIe session, Paris, 5, 6, 7, 8 mai 1931, Etablissements généraux d’imprimerie (Bruxelles),1931.
Revue algérienne et tunisienne de législation et de jurisprudence / publiée par l’École de droit d’Alger, 1885.

Exit mobile version